-1- كنت أقلب أسبوعية أخبار الأدب عندما رأيت اسم فاروق عبدالقادر ضمن المرشحين لجوائز الدولة, وبينما أظن أن جهة ما رشحته للتقديرية وجدت أنه رشح للتفوق التي يجب علي من يرغب فيها أن يتقدم له بشخصه. وأنا اتصلت بصديقنا يوسف القعيد وسألته إن كان يعرف كيف تيسر لفاروق عبدالقادر الذي في غيبوبة كاملة أن يتقدم بهذا الطلب للترشح, وأبا حجاج وعدني خيرا وراح يسأل هنا ثم التفت يسأل هناك, إلا أنه لم يعد بخبر يقين حول المسألة, وكنت بالأمس علمت أنهم منحوا فاروق هذه الجائزة, أما اليوم فقد علمت أنه انتقل إلي رحمة الله. 2 فاروق توفي في مستشفي المعادي العسكري, ما حدث أن صديقنا بلال فضل كان تحدث مع الناقد الرياضي ابراهيم حجازي وأوضح له طبيعة الوضع المرير الذي يعاني منه فاروق, كما أوضح له قيمته كمثقف وكاتب كبير, واستطاع حجازي باعتباره رجلا عسكريا قديما أن يوصل نداءه إلي المشير طنطاوي الذي أمر بنقل فاروق فورا من الدرجة الثالثة بمستشفي الدمرداش الحكومي إلي مستشفي المعادي العسكري لرعايته حتي آخر المدي, وكان الأوان قد فات للأسف. 3 في الصباح اتجهت والقاص سعيد الكفراوي إلي هناك, دخلنا من باب المستشفي الخلفي وتوقفنا علي مقربة من المسجد الصغير.. كانت عربة نقل الموتي وعند فتحتها الخلفية مجموعة من الشباب في زي موحد من أجل حمل الجثمان.. ولأن المتوفي جاء بأمر من المشير كانت هناك سجادة حمراء ممتدة لعمل تشريفة للفقيد ولكي يتم استقبال الحضور وتقبل العزاء, وقد تم الاعتذار عن هذا لأن أحدا لم يكن هناك باستثناء الناقد السينمائي كمال رمزي والدكتور حسين عبدالقادر وصديقنا الروائي خيري شلبي وأسامة الرحيمي الصحفي بالأهرام وسامح سامي من الشروق ولا أحد آخر سوي رجل وامرأة لا أعرفهما. وقفت معهم قليلا ثم عرفت أن فاروق داخل المسجد. 4 اجتزت الطرقة النحيلة المبلطة بين الحشائش الخضراء حتي مدخل الجامع وخلعت حذائي ودخلت, كان الكفراوي سبقني والمكان خال ولا يوجد أحد, والكفراوي أخبرني وهو يمد إصبعه: فاروق وأنا نظرت أمامي ورأيت الصندوق الخشبي العاري بلونه الأصفر الباهت علي الأرض المفروشة في مواجهة المنبر.. وكان صوت شنيور كهربائي يثقب حائطا مسلحا أو لوحا من الصاج في سقف الجامع من الخارج ويصدر صوتا معدنيا زاعقا يملأ المكان. وجاء رجل أعطانا ظهره وطلب منا في الميكروفون أن نسوي الصفوف والتفت ورأني والكفراوي جنبا إلي جنب ولا توجد آية صفوف. وبدأنا نصلي صلاة الجنازة, كان الرجل يزعق في الميكروفون والصوت يدوي والصدي العالي يتردد داخل الجدران القريبة مختلطا بصوت الشنيور الصارخ, الأمر الذي جعلني لا أتبين كلمات الرجل إلا بصعوبة بالغة, لكن عينيي لم تغادرا الصندوق طيلة الوقت, لم أستطع أن أبعد عن ذهني صورة فاروق في كامل لياقته البدنية وهو نائم علي ظهره يملأ الصندوق بربطة عنقه ولحيته الناعمة يوشك أن يدفع الغطاء ويجلس, وانتبهت كيف أن لا أحد يعرف أنه كان يتمتع بقوة بدنية هائلة وفي ليالي السهر, زمان, كان ينزع أغطية الزجاجات بأسنانه وقلت, بيني وبين نفسي, أستغفر الله العظيم يارب. 5 اتجهت إلي مدخل الجامع وجلست في زاوية العتبة ألبس حذائي وأعقد رباطه, كانت مجموعة الشباب قد حملت الصندوق وغادرت في خطوة جنائزية واتجهت إلي العربة, والعربة كانت تحركت وابتعدت حتي تتيح للشباب أن يمشوا خطوتهم هذه أطول فترة ممكنة, ومشيت علي مهلي عاجزا عن اللحاق بهم سواء من ألم قدمي أو صدري الذي سرعان ما يصيبني إذا اجتهدت, حينئذ وقفت ورأيتهم من مكاني يفتحون أبواب العربة من الخلف ويدفعون الصندوق وفاروق راقد بداخله, ثم يغلقون الباب, ويبتعدون.