دون صخب أو ضجيج, رحل عنا الشاعر الكبير عبد المنعم عواد يوسف يوم الخميس التاسع من سبتمبر عن عمر يناهز77 عاما, قدم خلالها منجزا شعريا كبيرا علي مدي مايقرب من خمسين عاما, يعتبر إضافة الي حركة الشعر الجديد, الأمر الذي يجعله أحد الرواد في هذا المجال. والتجربة لدي الشاعر ثرية تدهشك بجماليات تخصه وحده. علي سبيل المثال في قصيدته منمنمات شعرية نقرأ: كان الوقت علي أعتاب مساء والشاعر عند الشط يسطر في الأوراق هاهو يفرغ من آخر كلمة.. من آخر سطر مما خط من الأبيات والتفت الشاعر في عجب للصفحات ياالله!! كانت كل صحائفه بيضاء لم يك قلم الشاعر يجري فوق الأوراق كان يخط سطورا فوق الماء وفي مقطع آخر من القصيدة, يبدو النسق الشعري عاديا جدا لكن المقطع برمته فائق الجمال, لافت الي الصورة الكلية التي تبعث علي التأمل والامساك بالدلالات المخبوءة .. يقول الشاعر بات المطرب يشدو طول الليل.. وسائر من بالحفل نيام لما استيقظ من بالحفل لكي يستمعوا.. وجدوا أن المطرب نام!! لقد توقفت طويلا أمام هذا المقطع, وأسفت لهذا المطرب الذي أصر علي الغناء الي جمهور نائم, وأسفت أيضا علي هذا الجمهور الذي استيقظ لكي يستمع الي هذا المطرب, لكن بعد فوات الأوان, فالمطرب نام. انه لغز محير, والمسألة تحتاج الي إعمال فكر, واضح ان هناك مشكلة بين هذا المطرب وبين هذا الجمهور, أنه هو نفسه الشاعر الذي ينقش كلماته في الماء. وتأخذنا تلك الثنائية بين المطرب والجمهور الي ثنائية أخري في قصيدة فتاة المقصف ولكنها هذه المرة بين الشاعر وبين الفتاة التي رآها في المقصف. يقول: حين أممت المقصف.. كان الكل اثنين, اثنين إلا طاولة واحدة كانت تتصدرها فاترة العينين أومأت إليها: هل أجلس ؟.. فأجابت باشارة عين وجلست إليها.. وأنا مأخوذ بالسحر الكامن خلف الهدبين وأخذت أحدثها ثرثرت كثيرا أسهبت كثيرا في الوصف وصاحبتي لم تنطق حرفا لا تبدي حتي دهشتها شربت قهوتها وانصرفت نفس الجدار.. بين الورقة والحرف, بين المطرب والجمهور, بين الشاعر والجميلة وفي ثنايا رحلة الشاعر في عالمه الإبداعي, تبدو الخيوط الفلسفية والنظرة المتأملة في الحياة, في اسلوب شعري سهل, خال من التعقيد, ففي قصيدته أنا وشيخي محاورات فلسفية يقول: سألت سيدي: هل مبتدا الحياة منتهاها.. أجابني: بل منتهي الحياة مبتداها. ضحكت وفي الضلوع تورق الحراح فلم أكن أعلم أن سيدي يجيد صنعة المزاح لكن ربما اكتشف شاعرنا الآن أنه لم يكن مزاحا.