قرأت تقريرين مهمين نشرا في إحدي المجلات الدولية المهتمة بشئون الاقتصاد ومؤشرات السوق.. عنوان التقرير الأول هو الاتحاد الأوروبي يفتح صندوق باندورا في إشارة موحية الي الاسطورة الإغريقية القديمة, ومفادها أن هذا الصندوق يحوي بداخله كل الشرور, وقد ناقش التقرير مجهودات دول الاتحاد الأوروبي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وتداعياتها السلبية علي البيئة, وهي الظاهرة التي نجمت عن انبعاث الغازات الملوثة للهواء وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون كنتيجة لتزايد النشاط الصناعي, وأيضا معدل حرق المواد البترولية. وعلي الرغم من أن الدول الكبري وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتبر بمثابة المسئول الرئيسي عن هذه الانبعاثات إلا أنها تأبي اتباع سياسات من شأنها الحد من هذه الانبعاثات( انسحاب أمريكا من التوقيع علي معاهدة كيوتو للحد من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري, وفشل قمة كوبنهاجن للبيئة والتي عقدت مؤخرا دليلان قويان في هذا الصدد), وحسبنا أن نعلم أن الولاياتالمتحدة وحدها تنفث مايعادل5780.64 مليون طن كربون سنويا في مقابل5838.61 مليون طن للصين, و343.95 مليون طن لأسبانيا,784.55 مليون طن لألمانيا, وتؤكد كل المؤشرات العلمية أن ظاهرة الاحتباس الحراري سيكون لها تداعياتها السلبية الخطيرة علي انتاج المحاصيل الغذائية نوعا وكما علي مستوي العالم. أما التقرير الثاني فكان بعنوان لافت هو التكيف علي الغموض وقد جاءت في سياقه عبارة تستحق الوقوف عندها طويلا, ومؤداها أن الدول التي تعتمد علي استيراد غذائها من الخارج ستكون في الفترة القادمة تحت رحمة الظروف المناخية وقرارات المزارعين في الدول المنتجة فيما يزرعونه نوعا وكما, وهو مايعني بالتبعية التأثير علي اتاحة وأسعار المحاصيل الغذائية بالنسبة للدول المستوردة للغذاء, ولعل خير دليل علي ذلك هو ماحدث مؤخرا من ارتفاع سعر السكر بشكل كبير بسبب الظروف المناخية السيئة التي تعرضت لها البرازيل والتي تعد واحدة من كبريات الدول المنتجة للسكر في العالم, أضف الي ذلك أن ثمة عوامل أخري فاعلة ومؤثرة يجب أخذها في الاعتبار وعدم غض الطرف عنها وتتمثل هذه العوامل في السياسات التصديرية لحكومات الدول المنتجة للغذاء, ولعل أخطرها اعتبار الغذاء سلاحا سياسيا للضغط عن طريق المن تارة والمنع تارة أخري, وفي التاريخ البعيد والقريب شواهد كثيرة تؤكد صدق هذه المقولة, من ناحية أخري فإن التنافس علي شراء الغذاء بين الدول المستوردة سيزداد حدة بل شراسة لإطعام أفواه تولد ولمواجهة انماط غذائية آخذة في زيادة استهلاك الطعام في دول كثيفة السكان كالصين والهند, ومن ثم فإن الحصول علي الغذاء عن طريق الاستيراد سيكون مرهونا بالقدرة الشرائية للدولة المستوردة, وما يزيد الطين بلة هو اتجاه الدول الرئيسية المنتجة للمحاصيل الغذائية نحو استخدام محاصيل الحبوب والمحاصيل الزيتية في انتاج الوقود الحيوي عوضا عن البترول الذي قاربت حقوله علي النضوب بحسب تقديرات علمية موثقة. علي ضوء هذه الحقائق التي أعلنها خبراء متخصصون محايدون ومن منظور علمي محض, فإنه من الأهمية بمكان أن نتأمل نحن المصريين هذه الحقائق ونحلل مدلولاتها وتداعياتها اليوم وغدا علي الأمن الغذائي المصري في ظل استيرادنا لما يزيد عن60% مما نأكل من الخارج, وغني عن القول فإن الأمن الغذائي( بجناحيه وهما الاتاحة والسلامة) هو قضية أمن قومي وبشكل مباشر لأي دولة في العالم, فماذا نحن فاعلون؟ د. محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية {{ محرر بريد الأهرام: لعلنا نأخذ العبرة مما حدث في قضية القمح الذي أوقفت روسيا توريده الي الخارج!