في الأساطير اليونانية القديمة أسطورة تشير إلي كيفية انتشار الآثام والشرور علي الأرض، بعد أن كانت في بدايتها طاهرة ونقية.. وهذه الأسطورة تسمي اسطورة "صندوق باندورا".. وتحكي الأسطورة عن أن خلافاً وقع بين أحد ألهة جبال الأوليمبس "جوبيتر" وأحد ملوك الأرض ويدعي بروميثيوس.. وأراد جوبيتر أن ينتقم من بروميثيوس، فتفتق ذهنه عن حيلة ماكرة، إذ صنع بالتعاون مع بقية الألهة امرأة فائقة الجمال تسمي باندورا (كلمة إغريقية معناها جميع الهدايا)، ومنحها كل واحد من ألهة الأوليمبس نعمة من نعم الجمال، فأصبحت باندورا كاملة الأوصاف والمعاني.. وصنعت لها الألهة صندوقاً تحمله معها ، وبداخل الصندوق تم وضع كل الشرور والأثام، ثم تم إحكام إغلاقه بشدة... وأرسلت الألهة باندورا إلي بروميثيوس الذي أعجب بجمالها، وغلب علي أمره وتزوجها.. وكان من أمرهما ما كان.. وبعد حين، لفت انتباه بروميثيوس هذا الصندوق المحكم الإغلاق الذي جلبته باندورا.. وحاول فتحه.. وما أن فتحه حتي خرجت منه كل الشرور والأثام وانتشرت علي الأرض، ولم يبق في الصندوق غير كائن صغير، يكبر أحياناً، ويختفي أحياناً، ذلك الكائن هو الأمل.. ومن يومها والشرور يملأ الأرض، وبالأمل يحاول الإنسان إصلاح ما أفسدته باندورا.. التي خدعت الإنسان، وجلبت له كل الشرور.. صندوق باندورا أصبح رمزاً لكل الشرور "المستخبية" والدفينة التي لا يكتشفها الإنسان بالعين المجردة، أو بدون تجربة.. تماماً مثل "حصان طروادة" الذي يحمل بداخله كل القوات الكفيلة بإلحاق الأذي بالخصوم.. والصحافة المصرية تعاني في هذه الأيام معاناة "بروميثيوس" مع باندورا... لقد عشقت الصحافة الحرية.. إذ لا صحافة حقيقية بدون حرية.. الحرية والإعلام صنوان.. غير أن نظريات ومفاهيم حرية الصحافة والإعلام هي "صناديق مغلقة" لا يعلم الإنسان ما بداخلها حتي يفتحها، وساعتها قد لا يمكن إغلاق الصندوق مرة أخري.. للأسف لم نتعلم من أخطائنا السابقة، ولم نتعلم من تجارب الدول الأخري التي سبقتنا في هذا المجال.. الحرية في بلادنا تم تعريفها علي أنها "حرية الهدم والتدمير والتشويه".. الحرية في بلادنا هي حرية "بلا شطآن"، وليست محكومة بقيود، ولا مرتبطة بمسئوليات.. تماماً مثل إنسان الغابة.. لا توجد حرية بدون مسئولية، ولا يوجد إعلام يعمل في المطلق بدون قواعد تحدد أسس تعامله مع الأحداث المختلفة، وبدون مواثيق تحدد مسئوليات الجميع... عندما قبل الغرب قبلنا "صندوق باندورا" وفتحوه خرجت لهم شروره وآثامه.. ولكنهم بالأمل وبالعمل تعلموا كيف يعيدون الشرور إلي الصندوق مرة أخري.. أما نحن فلم نتعلم من درسهم، وكثيرون منا يصرون علي فتح الصندوق مرة أخري، ليس لأنهم يحبون الحرية، وإنما لأنهم يبحثون عن "الباندورة" (يطلق الشوام علي الطماطم كلمة باندورة")!!!