زيلينسكي: نواجه نقصا في عدد القوات.. والغرب يخشى هزيمة روسية أو أوكرانية    زعيم كوريا الشمالية يشرف على اختبار صاروخ جديد: تعزيز الحرب النووية    مباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا.. الموعد والقنوات الناقلة    الأرصاد توجه رسالة عاجلة للمواطنين: احذروا التعرض للشمس    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    عاجل - "تعالى شوف وصل كام".. مفاجأة بشأن سعر الريال السعودي أمام الجنيه اليوم في البنوك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    اختفاء عضو مجلس نواب ليبي بعد اقتحام منزله في بنغازي    موعد انتهاء امتحانات الشهادة الإعدادية الترم الثاني محافظة الإسماعيلية 2024 وإعلان النتيجة    أنباء عن حادث على بعد 76 ميلا بحريا شمال غربي الحديدة باليمن    حكايات| «نعمت علوي».. مصرية أحبها «ريلكه» ورسمها «بيكمان»    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    رقص ماجد المصري وتامر حسني في زفاف ريم سامي | فيديو    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    ننشر التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    تدخل لفض مشاجرة داخل «بلايستيشن».. مصرع طالب طعنًا ب«مطواه» في قنا    ملف يلا كورة.. رحيل النني.. تذاكر إضافية لمباراة الترجي والأهلي.. وقائمة الزمالك    الأول منذ 8 أعوام.. نهائي مصري في بطولة العالم للإسكواش لمنافسات السيدات    فانتازي يلا كورة.. هل تستمر هدايا ديكلان رايس في الجولة الأخيرة؟    أحمد السقا يرقص مع ريم سامي في حفل زفافها (فيديو)    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    التشكيل المتوقع للأهلي أمام الترجي في نهائي أفريقيا    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة البحيرة.. بدء التصحيح    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    «الغرب وفلسطين والعالم».. مؤتمر دولي في إسطنبول    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    الاحتلال يحاول فرض واقع جديد.. والمقاومة تستعد لحرب استنزاف طويلة الأمد    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    ماسك يزيل اسم نطاق تويتر دوت كوم من ملفات تعريف تطبيق إكس ويحوله إلى إكس دوت كوم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق السبت
وللصابرين مثابا‏..‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 10 - 2010

من لايأكل من عرق جبينه‏..‏ لايملك مصيره‏!‏ الفلاح المصري صانع الحضارة ينقرض‏..‏ يهرب من أرضه وعرضه‏..‏ يبيع ما يمتلكه من فدادين طين‏..‏ ويذهب يؤجر عافيته‏. ساع في مكتب‏..‏ تمرجي في مستشفي‏..‏ يسرح بعربة فول أو بطيخ‏..!*H*‏ شرد العقل مني وتمرد الوجدان واكتأب الشجن‏..‏ وأنا أكاد اصطدم والليل يحكم قبضة الظلام علي الكون كله‏..‏ بأطفال غطاهم ملاك النوم تحت عباءته أمام عشة مطوية الجناح محنية الرأس‏..‏ عند قمة حقل لا زرع فيه ولا ماء‏..‏ يجلس في حراستها جدهما شيخ عجوز عاش حتي يري عوز أولاده وضني أحفاده‏..‏ تخدمه وترعاه بما بقي في جسدهما الذي وهن العظم منه من عافية رفيقة دربه وطريقه وأم عياله‏..‏
صاحت بي الجدة العجوز‏:‏ حاسب يا سيدنا حتدوس العيال‏..‏ أنت رايح فين في العتمة دي وطريقك فين يا دي الجدع؟
قلت‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏..‏ حد يسيب العيال في سكة الناس كده‏!‏
الشيخ المعمم الذي أخفت الظلمة ملامحه يتكلم‏:‏ دي عشتنا ودي أوضتنا ودي جميزتنا ودي ساقيتنا اللي ماتت واندفنت بالحياة‏!‏
قلت له وأنا مازلت واقفا‏..‏ مستندا بيدي إلي العشة المجدولة من سعف النخل‏:‏ موش دي برضه ساقية من السواقي اللي فضلت تنعي ألف ليلة وألف عام؟
السيدة الطيبة تبادر بدعوتي للجلوس‏..‏ أسندت ظهري للكوخ الهرم بكسر الراء وارحت ساقي المكدودتين‏..‏
يتكلم الشيخ العجوز من خلال فم يكاد يكون خاليا من الأسنان‏:‏ وهو فيه يا سيدنا الأفندي مية دلوقتي عشان تنعي وتسقي وتروي وتشبع العيال‏,‏ كل حاجة نشفت نشفتها علينا الحكومة النكدية‏..‏
مددت قدمي حتي آخرهما في طين جدول ماء جف لا أعرف منذ متي‏..‏ ربما من أيام المجاعة التي تحدث عنها فيلم لاشين أيام المماليك وتقاتل فيه مائة شحاذ علي حمامة صغيرة‏..‏ فمات منهم تسعون وربما أكثر وطارت الحمامة إلي حال سبيلها‏!‏
في وقت واحد وفي صوت واحد نطق الشيخان‏..‏ الرجل وامرأته‏:‏ انت مين بسلامتك وجاي منين ورايح فين؟
العجوز وحده‏:‏ باين عليك ابن ناس كده‏..‏ زي باهوات وباشوات زمان‏!‏
قلت باسما‏:‏ زي عبود باشا وطلعت حرب باشا‏..‏ واللي زي باشوات السيما زكي رستم وعباس فارس وسليمان نجيب وبشارة وكيم؟
قال العجوز‏:‏ موش القصد يابني‏..‏ قصدي نطمن لك ونديلك الأمان‏..‏ أصل ولاد الحرام كتير‏!‏
قلت‏:‏ اصلي يامولانا كنت جاي أزور قرايبي في البرلس أصلهم مدوخيني وراهم طول عمرهم‏..‏ والعربية عجلتها فرقعت‏!‏
السيدة العجوز بشهقة‏:‏ أخدت الشر وراحت‏!‏
قلت‏:‏ ولما لقيت العشة بتاعتكم منورة في الضلمة‏..‏ قمت سبت السواق يبدل العجلة وجيت أتوانس واتآنس بيكم‏!‏
العجوزان في صوت واحد‏:‏ يامرحب يامرحب‏..‏
‏.......................‏
‏.......................‏
الليل في ساعتي يقترب من منتصفه‏..‏ وأنا أحمد الله أنه هداني إلي نور فانوس أضبش العينين معلق بدوباره علي باب هذا الكوخ الذي ظهر لي فجأة كوميض نور فنار قديم من قلب مستنقع العتمة الذي يلف المكان كله‏..‏ بعد ان فعلت سيارتنا فعلتها وتوقفت عند قمة الحقل الذي يخفيه ويحتضنه في صدره كقطة تلحس قطيطتها لتخلصها من لسعات الهوام اللئام‏..‏
الشيخ العجوز وزوجته كأنهما بلا سن‏..‏ خرجا من دائرة السنين إلي حقب القرون‏..‏ لا تعرف كم عمر كل منهما وكم عمرهما معا وسط هذه العتمة وهذا الظلام الذي يعانق ظلاما‏..‏ كأن صاروخا بسبعة أرواح قد حملنا إلي ما فوق الأوزون إلي سماء سوداء بلا نجوم‏..‏
يطلب الشيخ من زوجته أن تضع كوز الشاي علي نار الموقد البدائي‏..‏ ترد عليه‏:‏ ليس عندنا نار‏:‏
بنظرة من أرنبة أنفه قال لي‏:‏ مامعاكش والنبي عود كبريت؟
قلت له‏:‏ أنا لست مدخنا‏..‏ يعود يسألني‏:‏ ولا حتي نارجيلة‏!‏
قلت‏:‏ النارجيلة عندما تقابلني‏..‏ أنا لا أسعي إليها‏!‏
قال‏:‏ يعني مافيش قدامنا إلا نولع ورقة من الفانوس قبل ما يخلص جازه
ما هي إلا دقائق وكانت أكواب الشاي البلدي المعتبر الذي له رغاوي وقطع النفس علي النار جاهزا للشرب‏!‏
في خاطري وأنا أشرب أحلي كوب شاي في حياتي أن أسأل الشيخ والشيخة عن الصغار الغارقين في نوم عميق‏..‏ قبل أن أنطق بالسؤال وكأنه كان يقرأ أفكاري قال الشيخ‏:‏ دول أحفادي‏..‏ ناموا بعد ما شبعوا عياط من الجوع‏..‏ أبوهم راح من بدري يجيب الأكل والزاد‏..‏ لحد دلوقتي ماجاشي‏!‏
الجدة بقلق‏:‏ آني عارفة اتأخر ليه ابو مسعد‏..‏ موش عوايده؟
أسألها‏:‏ امال امهم فين؟
قالت بأس‏:‏ بعيد عنك ربنا افتكرها بدري‏..‏
اسألها‏:‏ هو كان راكب إيه؟
قال الشيخ‏:‏ راكب مركب بقلع ومجاديف‏!‏
قلت في نفسي دون سؤال للشيخين الهرمين تحسبا لاحراجهما‏:‏ غريبة مركب إيه‏..‏ هو ما فيش قطر ولا أتوبيس ولا حتي عربية بالنفر‏!‏
‏.......................‏
‏.......................‏
شرد العقل مني وطار في عتمة الليل إلي أعشاش بلا أفراخ وبلا أمهات وبلا دفء‏..‏ وأنا أعجب لنفسي ولهذه الأسرة المصرية التي بات أحفادها جياعا‏..‏ حتي أن المشهد الذي أصبحت واحدا من صناعه قد ذكرني بحكاية الخليفة الفاروق عمر أعدل الخلفاء الراشدين مع المرأة التي وجدها تغلي ماء في قدر علي النار يفور ماؤه وأطفال صغار من حولها يصرخون جوعا وهي تطالبهم بالصبر حتي يستوي الطعام‏..‏ وسألها الفاروق عمر‏:‏ ماذا بالقدر للصغار؟
قالت‏:‏ ماء‏..‏ مجرد ماء يغلي‏!‏
يسألها‏:‏ وماذا يأكل الصغار؟
قالت‏:‏ لسوف يتعبون من البكاء والصراخ فينامون‏!‏
يسألها الفاروق‏:‏ ينامون جوعي؟
قالت‏:‏ حتي يقر الخليفة عينا وهو يري أطفال أمة الاسلام جوعي بلا طعام‏!‏
بكي يومها الفاروق‏..‏ وذهب إلي بيت المال وعاد وعلي ظهره أكرر علي ظهره جوال من الدقيق‏..‏ دفع به إلي الأم وقال لها‏:‏ اطعمي الصغار‏!‏
سألته‏:‏ من أنت ياعبد الله؟
قال‏:‏ خليفة رسول الله‏!‏
‏.......................‏
‏.......................‏
أتحفني الشيخ العجوز بآخر كوب من الشاي الفلاحي المعتبر‏..‏ وهو الكوب المعسل أكثر‏..‏
سألته‏:‏ أنا أعرف يا سيدنا ويا مولانا‏..‏ إن الحالة جيم عندكم‏..‏ يعني نعم أنتم تعانون‏.‏
يقاطعني‏:‏ دعني أسقيك من بئر معاناتنا‏..‏
قلت‏:‏ اسقنيها بأبي أنت وأمي‏..‏ كما قالتها أسمهان؟
قال‏:‏ أنتم تشترون منا القمح بثمن بخس وتستوردون من الخواجات والفرنجة بأعلي سعر وبالدولار واليورو‏!‏
هل هذا صحيح؟‏..‏
يسألني؟
قلت‏:‏ صحيح تماما‏!‏
قال‏:‏ ألا تعرف أن مصر كانت من أكبر منتجي الدخان في العالم‏..‏ وأن محمد علي هو الذي أدخل زراعة الدخان إلي مصر‏..‏ ليصدره إلي أوروبا ويستورد ما تحتاجه مصر من سكر وسلاح وعلم وأدب؟
قلت‏:‏ أعرف يا شيخنا وعمنا‏..‏
قال‏:‏ ألا تعرف أيضا يا سيد العارفين أن مصر كانت سلة غذاء العالم حتي ما بعد الميلاد لسنوات طويلة‏..‏ وأن كليوباترا ملكة مصر في السنوات الأخيرة قبل الميلاد‏..‏ قد أذلت روما وأركعت يوليوس قيصر ومارك أنطونيو علي ركبتيهما عندما منعت السفن المصرية أن تحمل القمح المصري إلي روما‏..‏
قلت‏:‏ وكان هذا هو السبب الرئيسي في اندفاع يوليوس قيصر ومارك أنطونيو لغزو مصر لمحاربة كليوباترا واستئناف توريد القمح المصري إلي أوروبا‏!‏
قال الشيخ‏:‏ ولم تعد السفن المصرية تحمل القمح المصري الذي زرع بعافية وعرق الفلاح المصري إلي روما‏..‏ إلا بعد رحيل مارك أنطونيو انتحارا وكليوباترا بلدغة الأفعي؟
‏........................‏
‏........................‏
مبهور غاية الانبهار بهذا الشيخ العجيب الذي طلع لي في البخت في ليلة مدلهمة‏..‏ وأنا أجلس والليل حامينا وساترنا ممددا داخل حقل غير ذي زرع علي الطريق المسافر إلي بحيرة البرلس حتي ينتهي عم مساعد سائق العربة من استبدال الإطار التالف بآخر سليم حتي الحق بآخر من بقي من فرع العائلة الكريمة الذي هاجر من القناطر الخيرية طلبا للرزق في أوائل القرن الماضي‏..‏
الشيخ العجيب يوالي إطلاق سهامه‏:‏ ألا تعرف يا عزيزي أن محمد علي باشا هو باعث نهضة مصر في التاريخ الحديث كله‏..‏ وأنه لولاه لعاشت مصر في عصور الظلام العثماني الذي أسدل أستاره السوداء الممزقة علي مصر كلها وقتل الإبداع والخلق وأوقف عجلة التطور الحضاري التي ادخلت مصر في عصر الظلام عام‏1517‏ ميلادية وهو عام غزو سليم الأول القائد العثماني لمصر‏..‏ وظلت مصر تتخبط في الظلام الفكري والإبداعي نحو ما يقرب من ثلاثة قرون‏..‏ فأرسل البعثات العلمية إلي أوروبا‏..‏ وخرج من عباءته الشيخ محمد عبده وعلي باشا مبارك ومن بعدهما قاسم أمين‏..‏ ووصل بجيوشه التي قادها ابنه ابراهيم باشا البطل الكبير الذي نسيناه والذي لولاه ما وصلت أقدام جند مصر إلي قلب أوروبا‏..‏
وفي عهد محمد علي باشا بدأ إنشاء القناطر الخيرية علي النيل‏+‏ ورش السفن المحاربة‏+‏ مدارس في كل بلاد القطر المصري‏+‏ بعثات علمية في مختلف الفنون والآداب إلي أوروبا‏+‏ مستشفي قصر العيني كبداية لسلسلة من المستشفيات علي أعلي مستوي علاجي وتمريضي‏+‏ غزو الجزيرة العربية والسودان حتي أعالي النيل‏+‏ الوصول بجند مصر حتي أبواب الأستانة‏+‏ غزو الشام كله ولولا تدخل انجلترا وفرنسا التي أوقفت طموحاته في اتفاقهما علي تقسيم العالم بينهما في عام‏1830..‏ لكان العلم المصري الآن يرفرف فوق الأستانة ثم تركيا واليونان والبوسنة والهرسك‏..!‏
‏.......................‏
‏.......................‏
دور شاي ثان طيب المذاق تقدمه لنا الزوجة الطيبة‏..‏ والليل يزداد سوادا ووحشة وسائق الحافلة لم ينته بعد‏..‏
الشيخ الأعظم كما لقبته وسعد هو بهذا اللقب مازال يحاور ويداور ويناور بالكلمات والأفكار‏..‏
سألته‏:‏ أين تعلمت يا سيدنا؟
قال‏:‏ في كتاب القرية‏..‏ قرية عبد اللاه
سألته‏:‏ ثم‏!‏
قال‏:‏ ثم ذهبت إلي المدرسة التي أقامها علي باشا مبارك في كل مدن مصر‏..‏
سألته‏:‏ ثم؟
قال‏:‏ ثم دخلت الأزهر الشريف وحصلت علي العالمية‏..‏
سألته‏:‏ ثم؟
قال‏:‏ ثم أمضيت سنوات عمري في تعليم شباب الأزهر في مدارسه ومعاهده‏.‏
سألته‏:‏ وكيف انتهي الحال رجل دين وثقافة مثلك إلي السن في العراء ومعك أحفادك يبيتون علي الطوي‏!‏
قال‏:‏ حتي يعود أبوهم ويحمل عياله‏!‏
قلت‏:‏ طيب يا مولانا‏..‏ ومتي يعود أبوهم ليحتضن لحمه وضناه؟
قال‏:‏ الجواب عندك أنت وأمثالك من أصحاب الكلمة في القاهرة‏.‏
قلت له‏:‏ أنا‏..‏ ازاي بس؟
قال‏:‏ يا عزيزي الفلاح المصري صانع الحضارة ينقرض‏..‏ يهرب من أرضه وعرضه‏..‏ يبيع ما يمتلكه من فدادين طين‏..‏ ويذهب يؤجر عافيته‏..‏ ساع في مكتب‏..‏ تمرجي في مستشفي‏..‏ يسرح بعربة فول أو بطيخ‏..!‏
قلت له‏:‏ علي ايه ده كله؟
قال‏:‏ يا سيدي الدولة تحارب الفلاح الآن‏..‏ تحاول أن تطرده من داره من فدادين أرضه بتضييق الخناق عليه‏!‏
أسأل‏:‏ بم؟
قال‏:‏ بسلاح مياه الري الذي لا يصل فدادين أرضه التي يزرعها وإذا وصل فتكون إما مخلوط بمياه الصرف الزراعي أو الصحي أبهما أقرب‏+‏ وإذا لم يصلح هذا السلاح‏..‏ فلدي الحكومة الموقرة سلاح السماد الذي تحتكره الآن وتبيعه للفلاح بأعلي الأسعار‏!‏
قلت له‏:‏ وإيه كمان يا مولانا؟
قال‏:‏ أولادي أخذوا أرضا من الإصلاح الزراعي يزرعوها من الخمسينات يعني من ستين سنة‏..‏ النهاردة الإصلاح رفع إيده‏..‏ وأصحاب الأرض الأولين قبل الثورة رفعوا قضايا كسبوها ولازم الفلاحين اللي أخذوا الأرض يرجعوها‏..‏ بقي ده اسمه كلام‏!‏
قلت‏:‏ يعني الثورة باي باي‏!‏
قال‏:‏ حاجة زي كده
قلت‏:‏ زدني هما وغما يا مولانا‏!‏
قال‏:‏ ماشي بس كده‏..‏ حدانا يعني عندنا فلاحين في الصعيد والحسينية وشرق القناة‏..‏ راحوا استصلحوا أراضي بعرقهم من أربعين سنة والأرض دلوقتي حاجة كده زي جنة رضوان‏..‏ الحكومة ليه وليه تسيبهم في حالهم‏..‏ قالت لهم‏:‏ تعالوا نقيم الأرض ونبنيها لكم عشان تبقي ملككم وملك عيالكم‏..‏ قالوا‏:‏ ليه لأ اتفضلوا هاتوا العقود؟
جابولهم العقود‏..‏ وقدام السعر كتبوا سعر الفدان النهارده؟ وإلا يطردوهم من أرضهم‏..‏ يرضي مين ده بذمتك؟‏..‏
الشيخ الطيب يضرب كفا علي كف‏:‏ يا سيدي قول لعم نظيف اللي شطب علي البلد وجاب عاليها واطيها‏:‏ ارحل بقي يا راجل‏..‏ بعدما خربتها وقعدت علي تلها‏!‏
قلت له‏:‏ يا عم الشيخ برضه رئيس وزراء الحكومة الالكترونية له أعمال طيبة‏!‏
قال شاخطا في وجهي‏:‏ هات لي عمل واحد بس يوحد الله ممكن نقول عليه حاجة كويسة تتكتب في ميزان حسناته؟
والحقيقة بحثت في دفاتري ودفاتر رفاقي في المهنة عن عمل واحد يمكن أن يضاف إلي حسنات الرجل الحكومية‏.‏ بحثت في شئون الأكل فوجدت الأسعار نار السكر زاد والزيت زاد والأرز زاد واللحمة ذبحت الناس كلهم والمواصلات زحام وبلطجة وقلة أدب ورفع أسعار يوماتي واللي عاجبه‏!‏
حوادث الطرق قتلاها أكثر من قتلي مصر في كل الدنيا ومازالت عجلة الموت تدور‏..‏
حتي التعليم الجامعي كل جامعاتنا خرجت من التصنيف العالمي وأصبحنا في السبنسة وحتي السبنسة كرتونا منها‏!‏
ومدارسنا‏..‏ ودعوا لعمنا الدكتور احمد زكي بدر ربنا يقويه‏!‏
والصحة بلاش والنبي ننكد علي صديقنا الدكتور حاتم الجبلي‏..‏ وملف نواب العلاج لم يغلق بعد‏!‏
والتليفزيون والنبي حاجة تضحك‏..‏ بيصرفوا ثمانية ملايين جنيه‏..‏ جنيه ينطح جنيه لممثل طلع علي المعاش وبيجوزوه في المسلسل طبعا عروسة لسة بنت بنوت‏..‏ نفس المبلغ أو أقل قليلا لممثلات قرشانات لزوم زكاة رمضان‏..‏
يا عمنا وصديقنا أنس الفقي وزير الإعلام‏..‏ ليه بس بعزقة الملايين دي في شهر الصيام والقيام‏.‏
‏..................‏
‏..................‏
أترك شيخنا الجليل وأم أولاده في العراء باحثا عن سائقي وسط مستنقع العتمة‏..‏ وجدته يتسامر مع رجل طول بعرض‏..‏ قال لي بمجرد أن لمحني في الظلمة‏:‏ الحمد لله الراجل الشهم ده قام بالواجب وصلح عجلة العربية أخذها بتوك توك للبلد القريبة ورجع بيها من شوية‏..‏
قلت لهما‏:‏ أصلي كنت قاعد مع راجل طيب وست تتحط علي الجرح يطيب‏..‏
قال الرجل الشهم‏:‏ ده جدي ودي جدتي‏!‏
قلت‏:‏ وسايب ولادك في العراء بالليل لحد دلوقتي‏..‏ دول قلقانين عليك‏!‏
قال‏:‏ أنا رايح لهم‏..‏ ما تخدوناش معاكم في سكتكم لبلدنا القريبة دمرو الحدادي
يالها من رحلة‏..‏ الجد والجدة وخمسة من الصغار وأبوهم وأنا‏..‏ والليل ساترنا وعمنا الشيخ مبتسما لأول مرة منذ أن التقينا قبل خمس ساعات‏{!‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.