فشلت الحكومة في كسب عقول وقلوب المواطنين الأفغان كان هذا ما قاله الرئيس الأفغاني حامد كرازاي قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت هناك. فقد ظهر خلال تلك الانتخابات انعدام ثقة الشعب الأفغاني في الحكومة واقتناعهم بانتشار الفساد فيها أكثر من4000 شكوي تم تقديمها من المواطنين عن تجاوزات ومخالفات جرت خلال الإنتخابات. وهو ما أدي إلي زيادة نفوذ حركة طالبان وتمتعها بتأييد ودعم من بعض قطاعات المجتمع علي الرغم من محاولات الحكومة إقناع الشعب الأفغاني بأن الحركة وراء إنعدام الأمن في البلاد من خلال التهديدات والتفجيرات والقتل الذي يجري هناك. تصريحات كرزاي جاءت مع اقتراب انسحاب قوات حلف الأطلنطي والمقرر أن يبدأ عام2011 وتخوف المسئولين من تجدد الحرب الأهلية. وكانت صحيفة الصنداي تايمز البريطانية قد تناولت في تقرير لها العلاقة المتوترة بين المواطن الافغاني وحكومته وأسباب استمرار التعاطف مع حركة طالبان وإتخذت من مدينة موسي قلعة ذات الأهمية الاستراتيجية نموذجا لتحليل هذا الوضع الملتبس وذلك من خلال الزيارة التي قام بها مراسلها إلي هناك والمعارك التي رصدها بين قوات حلف الأطلنطي والقوات الحكومية من جانب وحركة طالبان من جانب آخر وجهود كل منهما للسيطرة علي المدينة التي يعيش فيها أكثر من25 ألف نسمة يعملون في الزراعة والتجارة وقد تبادلت قوات الجانبين السيطرة عليها من وقت لآخر. قبل أن تتمكن قوات الناتو من من إخراج طالبان مع وعد بالبدء في عملية تنمية شاملة للمدينة لكسب ود السكان وهو ما لم يحدث. وهنا يوضح التقرير أن الجانب الخفي في هذه الحرب والناتج عن الفشل في كسب العقول والقلوب يرجع إلي الضعف الشديد في الاقتصاد وانتشار البطالة بين الشباب وهو ما يدفعهم إلي الانضمام لحركة طالبان, علي الأقل لأنهم سيحصلون علي مرتبات بدلا من بقائهم في حالة بطالة مستمرة, مع انخفاض مستوي الخدمات المتاحة لهم في مجالات التعليم والعلاج والادارة الحكومية بشكل عام فضلا عن انعدام ثقتهم في وعود الحكومة بتحسين الأوضاع, وهو ما يدفع بدوره الأهالي إلي التمرد وتأييد حركة طالبان. جانب آخر بالغ الأهمية تشير اليه الصحيفة الإنجليزية ويتعلق بأن كثيرا من الأفغان يفضلون الانتظار ليروا من سينتصر في الحرب الدائرة في بلادهم قبل أن ينضموا إلي أي من الجانبين, نظرا لاستمرار الصراع فإن بعض العائلات تقوم بموازنة موقفها وتلحق أحد أبنائها بالقوات الحكومية, بينما ترسل الآخر للانضمام إلي حركة طالبان. وهو ما يعني أن كثيرين منهم ليس له موقف عقائدي محدد سواء من الحكومة أو حركة طالبان, لكن الدافع الرئيسي للانضمام لأي من الطرفين هو إحساسهم بالفقر وعدم الأمان. وطبقا لما ذكرته الصحيفة فهناك كثير من المواطنين يرفضون حركة طالبان ويحاولون منع أبنائهم من الانضمام إليها لكن البطالة التي يعاني منها الجميع, خصوصا الشباب تدفعهم للتمرد علي آبائهم, وهو ما رصده عدد من المراقبين في أفغانستان, حيث أشاروا الي أن هؤلاء الشباب يمكن أن تتغير مواقفهم لو نجحت الحكومة في إقامة مشاريع توفر لهم فرص العمل, وعملت علي تحسين ظروف الحياة بشكل عام. وقد انعكس هذا الوضع علي مواقف المسئولين في الحكومة وقادة حلف الأطلنطي, الذين يسابقون الزمن في محاولة لكسب ثقة الناس قبل انسحاب قوات الناتو وانتقال مسئولية الأمن الداخلي إلي حكومة كرزاي وان كان المسئولون في أوروبا والولايات المتحدة لا يثقون في إمكان تدارك الوضع الحالي الذي خسرت فيه هذه الحكومة ثقة الشعب خاصة وأن فكرة العمل علي كسب عقول وقلوب الشعب الافغاني ليست جديدة ولكن الحكومات الغربية سبق أن نبهت كرزاي لها ودعته إلي القضاء علي الفساد المتفشي في الدولة. لقد أثبتت تطورات الأوضاع في أفغانستان أن الانتصار في الحرب ليس موضوعا عسكريا فقط ولكن لابد أن تتكامل معه عوامل اقتصادية واجتماعية تسهم بشكل أساسي في تحسين أحوال المواطنين باعتبار أن ذلك هو الطريق الوحيد لجذبهم بعيدا عن حركة طالبان التي مازالت تحقق نجاحا في مواجهة القوات الأمريكية وقوات الناتو وتكسب كل يوم أرضا جديدة.