يبدو للوهلة الأولي أن قرار منع مؤلفات بعض الكتاب المصريين من معرض الكتاب بالكويت, وعدم توجيه الدعوة للناشرين المصريين للمشاركة في معرض الكتاب بالجزائر, هما خطوتان عدائيتان موجهتان ضد الثقافة المصرية من دولتين عربيتين شقيقتين. وقد كانت تلك فرصة نادرة للبعض كي يؤججوا تلك النعرة القبلية التي انتشرت في الوطن العربي في السنوات الأخيرة, حيث كدنا ننسي صراعنا الأساسي ضد العدو المشترك, لانشغالنا بصراعات صغيرة ما بين بعضنا البعض بالغنا فيها حتي أصبحت هي همنا الأول, فبدلا من أن نولي اهتمامنا المشترك للتصدي لإسرائيل التي تستهدف كل ما هو عربي في أي مكان في العالم, وللعمل من أجل التقدم والارتقاء وتحقيق الحرية والديمقراطية, ضاق أفقنا بحيث لم يعد يتسع إلا للصراعات الداخلية بين العرب والعرب وبين المسلمين والمسيحيين, وبين السنيين والشيعيين. إن الانسياق في هذه الصراعات هو الخطر الحقيقي الذي تواجهه الأمة العربية الآن, وهو خطر يتعدي منع الناشرين من المشاركة في معرض الكتاب, أو منع دخول كتب بعض المؤلفين لأحد المعارض العربية. ولاشك في أننا نقف بكل حزم ضد منع الكتاب العربي من الوصول إلي القارئ, سواء كان هذا الكتاب مصريا أو سوريا أو مغربيا, وسواء كان القارئ كويتيا أو جزائريا أو سودانيا, وقد أصدر اتحاد الكتاب بيانا واضحا في هذا الشأن, يحدد موقفه من تلك الخطوة التي تتنافي مع معطيات العصر التي أصبحت تتيح الكتب علي الإنترنت, وهي خطوة تقطع خيط التواصل الوجداني بين أبناء الشعب العربي في مختلف الأقطار العربية, علاوة علي كونها انتهاكا صريحا لحرية التعبير وحرية النشر وحرية تداول الكتب التي طالما دافع عنها اتحاد الكتاب. علي أن ذلك كله شيء واستنهاض النعرة القبلية لإيجاد صراع جديد ما بين مصر والجزائر من ناحية, ومصر والكويت من ناحية أخري, شيء آخر تماما, وفي الوقت الذي نقف بكل حزم ضد مصادرة الكتب, فإننا نقف أيضا بكل حزم ضد ذلك الاقتتال العربي العربي الأجوف, الذي ستكون فيه نهايتنا جميعا, كما كانت فيه نهاية دولة الطوائف العربية في الأندلس. لقد قمنا في اتحاد الكتاب باستجلاء الأمر فيما يتعلق بمعرضي الجزائر والكويت, فوجدنا أولا أن معرض الجزائر هو معرض تجاري خاص لا تقيمه وزارة الثقافة الجزائرية, كما تقيم وزارة الثقافة المصرية معرض القاهرة الدولي للكتاب, أي أن أي قرار لمدير المعرض يجب أن ينظر له كموقف فردي وليس كموقف رسمي معبر عن سياسة الدولة الجزائرية. ولقد اتصلت شخصيا بوزيرة الثقافة الجزائرية خالدة تومي التي وعدت ببذل الجهود لحل الأزمة, ومنذ يومين فقط أخبرتني تليفونيا من الجزائر بأن الأزمة حلت وأنه تم تخصيص مساحة في المعرض للناشرين المصريين وهي أقل من مساحة العام الماضي لكنها علي أي حال أسقطت تلك المقاطعة غير المفهومة وغير المبررة.. كما وجدنا علي الجانب الآخر أن الكتب الممنوعة من المشاركة في معرض الكويت تتضمن مؤلفات أخري عديدة عربية وأجنبية, وأن القائمة التي تناقلتها وسائل الإعلام هي قائمة المؤلفين المصريين فقط ربما بحكم شهرتهم, وقد وصلتني أسماء لمؤلفين آخرين غير مصريين لا أملك نشرها مادام أن السلطات المعنية لم تنشرها, وحتي لا أشارك بذلك في إيجاد بؤرة صراع عربية عربية جديدة. ولقد كانت حيثيات قرار معرض الجزائر حسبما أوضح لي مسئول جزائري كبير تتعلق بخشية مديرالمعرض من أي اضطرابات محتملة في المعرض بسبب توتر العلاقات المصرية الجزائرية, التي للأسف لا يبدو أنها هدأت تماما بعد مباراة الكرة المشئومة بين البلدين, أما في حالة معرض الكويت, فهي خطوة رقابية مما عهدناه في جميع أرجاء الوطن العربي ولا تستهدف الكتاب المصريين دون غيرهم. كل هذا لا يعني أننا نبارك هاتين الخطوتين أو نبررهما, بل علينا أن نقف ضدهما بكل ما أوتينا من وسائل ولا ندعهما تمران مرور الكرام كما أوضحت لجريدة الوطن الكويتية التي نشرت تصريحاتي خارج سياقها لكن ذلك يعني أننا إزاء قضية حرية تعبير وحرية نشر وحرية تداول كتب, ولسنا إزاء قضية صراع مصري جزائري, ولا مصري كويتي, أما من يعمدون للاصطياد في الماء العكر, فإنهم يميعون قضية الحرية, وهذا خطير, ويؤججون الصراع العربي العربي, وهذا أخطر.