رغم أن كلام السيد اياد علاوى رئيس كتلة العراقية، اكبر الكتل الفائزة فى الانتخابات العامة العراقية اخيرا، عن أن الدور العربى فى العراق قد انحسر بشكل عام. وأن إيران هى الدولة الوحيدة التى لديها رؤية واضحة عما تريده فى العراق، وأنها تلعب الدور الرئيسى فى بلاده يعد كلاما صحيحا فى مجمله إلا انه وربما لأسباب داخلية امتنع عن ذكر الأسباب الحقيقية وراء تراجع الدور العربى فى العراق مقابل اتساع رقعة النفوذ الايرانى وفى مقدمتها استخدام حلفاء طهران للعنف المفرط ضد الوجود العربى حتى تخلو الساحة للايرانيين للتحكم فى مصير بلد الرشيد . ويعكس فشل العراقيين فى تشكيل حكومة جديدة بعد مرور قرابة ستة أشهر على الانتخابات البرلمانية حقيقة غياب الدور العربى الفاعل عن الساحة العراقية رغم عودة العرب شكليا للعراق من خلال اعادة فتح السفارات فى العاصمة بغداد بعد سنوات من الغياب القسرى نتيجة حملة التفجيرات التى استهدفت بعض تلك السفارات عقب الاحتلال الأمريكى للبلاد فى عام 2003 وهى تلك المرحلة التى دشنت هيمنة ايرانية على الشأن العراقى لاتقل أهمية ودموية عن الهيمنة الأمريكية، وكانت اداة ذلك التنظيمات الشيعية المسلحة التى نجحت بجدارة فى تغيير الخريطة السياسية لمصلحتها وتحت حماية الغزاة الأمريكيين واساطيلهم الجرارة . وارتكبت إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن العديد من الأخطاء الاستراتيجية عندما قررت غزو العراق واحتلاله خاصة وأنها لم تفعل ما فعلته على أسس مدروسة تأخذ بالحسبان كل التداعيات السلبية والخطيرة التى يمكن أن تحدث نتيجة لغياب الدولة العراقية القوية سواء على المستوى الداخلى أو على المستوى الخارجى وتحديداً الإقليمى، ولم تخطط جديا لمواجهة الأطماع التاريخية لايران فى العراق بل على العكس رحبت بعودة زعماء الميليشيات والأحزاب الشيعية اللاجئين فى طهران وبالتالى تحرك هؤلاء بسرعة لتسليم بغداد للحكام الايرانيين ومن أجل ذلك قاموا أولا بتصفية الوجود العربى خاصة السنى من ذلك استهداف الدبلوماسيين العرب وسفارات الدول العربية الفاعلة والتى كان من الممكن ان يكون لها دور يفوق الدور الايرانى القادم على ظهور الدبابات الامريكية . ولكن الانسحاب الأمريكى من العراق سواء الجزئى والذى تم عملياً قبل أسابيع قليلة أو حتى بعد الانسحاب الكامل فى العام القادم لن يغير من المعادلة أو الحالة الجديدة التى أحدثها وكرسها الاحتلال الأمريكى، لأن العراق قبل الاحتلال أو قبل 2003 يختلف تماماً عن العراق ما بعد الاحتلال ونيل الاستقلال فى عام 2011، فالعراق اليوم ولسنوات قادمة سيبقى يعانى من ضعف وتشرذم وانقسام سياسى وطائفى ومذهبى وعرقى تغذيه بعض الأطراف الخارجية والداخلية ، الأمر الذى سيساعد تحديداً ايران على استغلال الحالة الجديدة فى العراق من أجل تحقيق أهداف ومصالح حيوية واستراتيجية من شأنها أن تضر بمصالح وسياسات العديد من الدول العربية المجاورة، وهذا الأمر لم يبدأ اليوم ولكنه بدأ فعلياً منذ أن أقدمت الولاياتالمتحدة على احتلال العراق ، وسيزداد بشكل كبير ونوعى ليصبح أكثر تأثيراً وخطورة مع خروج آخر جندى أمريكي. وساعد فى تفاقم أزمة غياب الدور العربى عن الساحة العراقية عدم قيام الدول العربية المجاورة بوضع خطة سياسية واستراتيجية وأمنية جماعية وواضحة تعمل من خلالها على توفير الحماية للعراق من التأثيرات والتدخلات الإقليمية المتوقعة باعتباره بلدا عربيا عضوا فى الجامعة العربية، ومساعدة الأطراف السياسية العراقية على تجاوز المرحلة الراهنة حتى ينتهى الاحتلال: وأن يقوم الجانب العربى بشكل جماعى بفتح حوار جاد وصريح مع الأطراف الإقليمية المؤثرة مباشرة فى المشهد السياسى العراقى ، وتحديداً إيران ، خاصة وأن الولاياتالمتحدة نفسها قامت فعلاً بفتح حوار مباشر وغير مباشر مع إيران حول مستقبل العراق والمصالح الأمريكية والدور الإيرانى فى منطقة الخليج. والمعروف أن الجانبين الأمريكى والإيرانى كانا على توافق كبير حول مجمل القضايا التى تم بحثها وهذا كان واضحاً أيضاً فى اجتماعات دول الجوار العراقى فى أكثر من مرة. وكان الغياب العربى من الساحة العراقية خلال السنوات السبع الماضية لافتا للانتباه على عكس ما كان متوقعاً من الدول العربية وخاصة المؤثرة منها وتركت الساحة العراقية تحت التأثير الإقليمى سواء كان إيرانياً أم تركياً أم إسرائيلياً. وهذا الغياب العربى لابد وأن ينعكس مستقبلاً بشكل سلبى على الوضع السياسى والأمنى العربيين ما لم يتم وبشكل سريع اتخاذ قرار جماعى من قبل الدول العربية وخاصة المجاورة والمعنية منها كمصر والسعودية والامارات والجزائر للتحرك باتجاه تبنى خطة عملية تحمى المصالح الحيوية للدول العربية قبل أن يتحول التأثير الإقليمى القوى فى العراق إلى سياسة إقليمية ، إن لم نقل تهديدا إقليميا ، تضغط بشكل مباشر على الدول العربية بشكل عام والمجاورة بشكل خاص.