يواصل السيد أحمد أبوالغيط في هذا المقال التاسع من سلسلة مقالاته عن حرب أكتوبر عرض الجهود المضنية من جانب الدبلوماسية المصرية لتحقيق البدء في السير نحو السلام . واستعادة كامل التراب المصري من براثن الاحتلال ويسرد الوزير أبوالغيط يومياته التي كتبها في تلك الأيام عن الأوضاع علي جبهة القتال بعد وقف اطلاق النار في82 أكتوبر37, حيث كانت إسرائيل قبلها قد نجحت في إقامة جيب لها داخل قواتنا, واحتلت مدينة السويس, وحاصرت الجيش الثالث. ويشرح أبوالغيط تفاصيل المحادثات العسكرية بين المشير الجمسي والجنرال الإسرائيلي ياريف عند الكيلو101, كما يتحدث عن تفاصيل المحادثات الشهيرة حينئذ بين وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي ونظيره الأمريكي هنري كيسنجر, والتي كانت نقطة انطلاق لعملية طويلة ممتدة من التفاوض سيعرض لها الوزير في مقالات قادمة.. وإلي المقال: لعل القارئ الكريم يتذكر أنني كتبت في الفترة من6 أكتوبر9002 وحتي42 أبريل0102 عيد تحرير سيناء ثمانية مقالات نشرتها صحيفة الأهرام الغراء ومجلة روزاليوسف علي مدي هذه الشهور. وكانت هذه المقالات الثمانية حصيلة تجربتي الشخصية في العمل مع مستشار الأمن القومي المصري في فترة حرب أكتوبر37 وحيث سردت خلالها مشاهداتي حول الأسلوب العسكري والسياسي الذي أدارت به مصر هذه الحرب التي لا شك أنها كان لها محوريتها الرئيسية في التاريخ المصري الحديث... وأقصد بذلك تاريخ مصر منذ تبوأ محمد علي باشا مقعد السلطة في مصر وظهور الدولة المصرية الحديثة. لقد تضمنت هذه المقالات الثمانية, مثلما قد يتذكر القارئ المتابع, استعراضا لدور مستشار الأمن القومي خلال الساعات الأربع وعشرين في اليوم الأول لنشوب القتال في6 أكتوبر ثم سرد لمسار الحرب وخلاصاتها ودور هنري كسنجر وزير خارجية الولاياتالمتحدة عندئذ مع تركيز محدد علي الأزمات العسكرية التي واجهت القيادة المصرية طوال الأسابيع الثلاث للمعركة وكذلك الإدارة السياسية والدبلوماسية للحرب وحتي وقف إطلاق النار ودخوله حيز النفاذ يوم82 أكتوبر... ومن ثم بدء المعركة السياسية التفاوضية وصولا إلي السعي لتحقيق هدف الحرب. وفي هذا السياق لا يجب أن يفوت المتابع المدقق لمجريات هذا الصدام... أن المعركة وقد انتهت في شقها المسلح العنيف, فقد كان لمصر قوات رئيسية في شرق قناة السويس. كما نجحت إسرائيل, وبدعم أمريكي هائل, في إقامة جيب إسرائيلي يمتد من جنوب طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي حتي منطقة عتاقة وميناء الادبية المطلة علي خليج السويس في منطقة غرب القناة... وفرض الحصار علي مدينة السويس وجزء كبير من قوات الجيش المصري الثالث شرق القناة. والمؤكد أنه ورغم هذا التواجد الإسرائيلي العسكري في منطقة غرب قناة السويس, إلا أن القيادة المصرية كانت تعي أنها قد حققت وإلي حد كبير الأهداف الإستراتيجية للحرب... إذ فرضت علي الولاياتالمتحدة وخلفها إسرائيل حتمية التعامل مع المطالب المصرية في تحريك عملية تفاوضية... ولو أمتد إطارها الزمني... لاستعادة السيطرة المصرية الكاملة علي شبه جزيرة سيناء. كما كانت هذه القيادة تقدر وبدقة أيضا أن الجانب الإسرائيلي قد وضع نفسه في موضع تحمل الكثير من الأخطار الكبيرة إذا ما قررت مصر استئناف القتال وفرض فتح طريق وبالقوة إلي مدينة السويس ومن خلفها قوات الجيش الثالث أو قوات بدر المتواجدة في مواقعها بشرق القناة. لقد اتسمت هذه المرحلة في الأيام التالية لوقف القتال ببذل جهد هائل للجيش المصري لبناء الاحتياطيات والتمركز حول التواجد الاسرائيلي في الغرب... وبكثافة مصرية غير مسبوقة...فرضت علي الجيش الإسرائيلي استمرار الاحتفاظ بمواقع دفاعية وقوات رئيسية...يتهددها الحصار مثلها في ذلك مثل حصارها للجيش الثالث, خاصة وأن منفذ هذه القوات الإسرائيلية علي قناة السويس وإلي أرض مصر خارج سيناء يتسم بالضيق الشديد ولا يتيح إلا عدة كيلو مترات من الأرض للإطلال علي غرب القناة في منطقة الجيب... وهو وضع يعي كل العسكريين المتمرسين أنه يعرض صاحبه كثيرا للمخاطر ويهدد توازن قواته بشكل خطير...لقد كانت مصر تقدر هذا الأمر, إلا أن القيادة السياسية المصرية رأت أيضا أن من الهام محاولة التوصل إلي تسوية سياسية سلمية للوضع تتيح الاستفادة بكل انجازات الحرب ومن خلال إيقاع سريع وبتحركات تركز علي الهدف الاستراتيجي دون الالتفات كثيرا إلي المناورات الصغيرة. أو أخذ مخاطر إضافية لا داعي لها وهي إحدي صفات الرئيس السادات في كل خطواته الكبيرة... من هنا فإن المتابع للجهد المصري عندئذ يستطيع أن يتبين أيضا أن مصر... وفور توقف إطلاق النار اشتبكت في معركة تفاوضية علي محاور ثلاث... اقترنت ببعضها البعض, وحققت مصر في نهايتها أول مراحل التسوية السياسية المتمثلة في فك الاشتباك الأول في يناير4791 ثم التحرك نحو فك الاشتباك الثاني في عام57 وأخيرا صدمة زيارة القدس لعام77 وصولا إلي مفاوضات كامب دافيد ومعاهدة السلام المصرية/ الإسرائيلية. وقد يلاحظ القارئ الكريم أن عنوان هذا المقال وتوابعه هو شاهد علي الحرب والسلام وذلك بخلاف المقالات الثمانية الأولي التي كان عنوانها شاهد علي الحرب... دون أي إشارة للسلام. إلا أن اسبابي لذلك الأمر تنبع أساسا من أنني وبالإضافة إلي متابعتي لكل المفاوضات التي جرت فور وقف إطلاق النار فقد شاركت في كافة الوفود والجهود المصرية التي دارت في أعقاب زيارة الرئيس السادات للقدس وحيث اشتركت مع أحمد ماهر السيد في وفد التفاوض المصري الذي زار القدس في يناير8791 مع بدء أعمال اللجنة السياسية... وكان قد سبقها مؤتمر مينا هاوس في ديسمبر7791 وكنت أعمل عندئذ سكرتيرا خاصا لرئيس الوفد المصري في هذا الاجتماع الافتتاحي للدبلوماسيين المصريين والإسرائيليين... وهو الدكتور عصمت عبد المجيد مندوب مصر الدائم في الأممالمتحدة الذي كان قد استدعي من نيويورك للمساعدة في أعمال المفاوضات لما له من خبرة كبيرة ومعرفة عميقة ووثيقة بخفايا النزاع العربي/ الإسرائيلي. لقد مضيت أشارك في هذه المفاوضات لوزراء الخارجية المصريين بدءا بالسيد/ محمد إبراهيم كامل في محادثات ليدز كاسل ثم قمة كامب دافيد في سبتمبر87 وحتي قمة مدريد في عام19 عندما ترأس السيد عمرو موسي الوفد المصري... وهي التجربة التي آمل أن أتمكن في مستقبل الأيام أن أكتب فيها وأحلل نتائجها وأبعادها. لقد كانت سنوات طويلة شهدت جهودا خارقة للدبلوماسية والدبلوماسيين المصريين... بدأت فور هزيمة76 واستمرت حتي استخلاص كل شبر من أرض مصر الطاهرة بتحكيم طابا في عام.8891 وهنا لا يفوتني أن أذكر أسماء الكثير من هؤلاء الدبلوماسيين المصريين المرموقين والذين كانوا عندئذ في ريعان شبابهم وقوتهم, إلا أن تجربتهم كانت كبيرة وعميقة كما أن التزامهم بمستقبل بلدهم كان يرتفع إلي مستوي هؤلاء الجنود الأبطال في القوات المسلحة وبقية أجهزة الأمن القومي المصري. أذكر منهم بالطبع السفير المقتدر أسامة الباز, وكل الطاقم الذي عمل بشكل خاص في بداية مرحلة المفاوضات مثل السفير عبد الرؤوف الريدي/ الدكتور نبيل العربي/ أحمد ماهر السيد/ عمرو موسي. وأعود إلي المحاور الثلاثة للتحرك المصري فور توقف القتال... وحيث قام السيد إسماعيل فهمي المبعوث الخاص للرئيس السادات بالسفر بشكل عاجل إلي واشنطن يوم92 أكتوبر37 لمشاورات مع الأمريكيين. واقترن هذا التحرك بالخطوة الموازية والتي تمثلت في محادثات الكيلو101 بين اللواء عبد الغني الجمسي والجنرال ياريف... وأخيرا السعي المصري للإعداد لتنفيذ أحد العناصر الرئيسية للقرار338 الذي يطالب بإجراء مفاوضات بين الأطراف المعنية تحت إشراف مناسب بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط. وكان تقديري حينئذ... مثلما هو الآن... أن حصار الجيش الثالث قد فرض علي الرئيس السادات اتخاذ خطوات ما كان سيقوم بها إذا ما كان وضع الجبهة استمر علي ما هو عليه حتي02 أكتوبر علي سبيل المثال. وقد صدق الرئيس علي بدء المحادثات في الكيلو101 وبسرعة شديدة لتأمين عدم تعرض الجيش الثالث للأخطار... كما سعي إلي محاولة دفع إسرائيل... مع استخدام الضغط الأمريكي... للعودة إلي خطوط22 أكتوبر, إلا أنها محاولات كنت أثق أنها لا يمكن أن تنجح... إذ أن تنفيذها كان سيضع الجيش الاسرائيلي في خطر حاد في مواجهة الجيش المصري. وعلي الجانب الآخر ورغم أن زيارة المبعوث المصري إسماعيل فهمي قد تمت في هذا السياق أيضا إلا أن أهدافها كانت تتجاوز كثيرا العودة إلي خطوط22 أكتوبر... بل فإن الزيارة تعكس بدقة ووضوح كل ما سعي إليه السادات علي مدي السنوات الثلاثة السابقة منذ طرحه لمبادرته في مايو17 وما تلاها من تحركات تجاه الولاياتالمتحدة. وقد استغرقت هذه المرحلة بمحاورها الثلاث الفترة من82 أكتوبر37 وحتي تحقيق فك الاشتباك الأول الموقع في12 يناير47 وتحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من الجيب الإسرائيلي في غرب القناة وابتعاد هذه القوات إلي مدخل ممرات سيناء الرئيسية. كما شهدت هذه المرحلة أيضا وبوضوح شديد نقطتين مفصليتين في نزاع الشرق الأوسط... أولهما استمرار الانزواء التدريجي للعلاقة المصرية السوفيتية وبدء اضمحلال الدور السوفيتي بالنسبة لجهد السلام أو الحرب ووصولا إلي انغماس مصر في مكافحة الغزو السوفيتي لأفغانستان في ديسمبر97, والنقطة الثانية الأكثر أهمية في تقديري... كانت بزوغ علاقة مصرية أمريكية أدت إلي وقوع تحول استراتيجي للسياسة الخارجية المصرية في السعي لصداقة الولاياتالمتحدة والاعتماد عليها في مهمة تسهيل المفاوضات التي تستهدف تخليص الأرض المصرية من براثن الاحتلال الإسرائيلي. بالإضافة إلي ذلك, صاحب هذين التطورين بعد إضافي تمثل في افتراق عميق بين مصر وسوريا... شريكي الحرب... في فلسفة ومفهوم هذه المعركة وأهدافها الإستراتيجية... وهو افتراق كان يطفو ويغوص بين الحين والآخر وعلي مدي السنوات التالية لعام37 وربما حتي اليوم. إن الحرب. ومثلما سبق القول في المقالات السابقة... هي امتداد للسياسة بوسائل أخري... تتسم بالعنف. ولقد وعي الرئيس السادات بحكمة هذه المقولة الشهيرة لأبي الإستراتيجية العسكرية كلاوزفتز وطبقها بحذافيرها... وسعي إلي التوصل إلي تسوية سياسية من خلال استخدام المعركة المسلحة... وسوف أتطرق في المقال القادم بإذن الله إلي هذا الاختلاف المصري/ السوري وكيف لعبت كل من مصر وسوريا بأوراقهما في هذا السياق. ولعل القارئ الكريم... وبعد هذا العرض الموجز لخطوات التحرك المصري السياسي في الأيام والأسابيع القليلة التي تلت وقف إطلاق النار في82 أكتوبر..0037 يستعجل تبين تفاصيل هذه المحاور التي نتحدث عنها وأسرع بالقول أن الهدف المصري المباشر بالنسبة لخطوتي زيارة إسماعيل فهمي إلي واشنطن, وبدء المحادثات في الكيلو101 بين الجمسي وياريف ومثلما تطرقت إليه سابقا... فكان بالتأكيد. السعي نحو تخليص الجيش الثالث ومدينة السويس من عواقب الحصار الممتد. وكذلك التلويح للولايات المتحدة بأهمية استغلال الانفتاح المصري الذي تمثل في هذه الرسائل المتبادلة والمستمرة بين مستشاري الأمن القومي المصري والأمريكي من ناحية والرئيسين السادات ونيكسون من ناحية أخري... وهي رسائل عديدة كان يتم تبادلها خلال فترة الحرب وما بعدها... والحقيقة فإن الجانب الأمريكي كان يعي تماما أهمية استغلال هذه الفرصة التي أتاحتها الدبلوماسية المصرية النشطة لكي تعمق التعاون المصري/ الأمريكي ويحدث تأثيره الكيفي الكامل في هذه العلاقة... من هنا وضح الالتزام الأمريكي منذ يوم82 أكتوبر بأهمية وصول القولات الإدارية للمدينة والجيش المحاصر وعدم السماح لإسرائيل بالمراوغة التقليدية, أو تهديد أوضاع هذا الجيش وسلامته بأي شكل من الأشكال. وقد كشفت كتابات كسنجر وغيره من مسئولي إسرائيل... وكذلك كتابات المسئولين المصريين وفي مقدمتهم محمد حافظ إسماعيل/ إسماعيل فهمي/ الجمسي/... والمؤرخين المصريين الذين كتبوا في الموضوع... عن الجهد الذي بذل علي الجانبين المصري والأمريكي لتأمين وصول الإمدادات وبدء بناء الثقة المفقودة بين القاهرةوواشنطن. وقد أسفرت الجهود الأمريكية والتفاهم المصري/ الأمريكي عن دخول قول اداري إلي السويس ومن ثم الجيش الثالث مشكلا من ثلاثين ناقلة عسكرية وذلك مع دخول وقف إطلاق النار حيز النفاذ... وأعود إلي يومياتي التي سجلتها سعت5171 من يوم الأحد82 أكتوبر لكي أكتب, أنه وبالإضافة إلي مرور هذا القول الاداري الأول, فقد عقد اجتماع الجمسي/ ياريف الأول سعت0042 في الليلة السابقة ووضح أن الجانب الإسرائيلي ليس لديه تعليمات ولا يرغب في التحدث في العودة إلي خطوط22 أكتوبر... وهي الخطوط التي كان يفترض أن تتوقف عليها إسرائيل ومصر مع دخول وقف إطلاق النار الصادر في22 أكتوبر طبقا لقرار مجلس الأمن...833 إلا أن إسرائيل تجاوزت هذه الخطوط وقامت في الفترة الممتدة من يوم22 أكتوبر وحتي72 أكتوبر بتوسيع مناطق تواجدها بالجيب الإسرائيلي مما أدي إلي حصار الجيش الثالث... وكان الهدف المصري عندئذ يسعي سواء في واشنطن أثناء زيارة مبعوث الرئيس إسماعيل فهمي أو اللواء الجمسي في خيمة المحادثات بالكيلو101 إلي تحقيق انقباض التواجد الإسرائيلي إلي داخل خطوط22 أكتوبر. وأضفت في اليوميات أن الجانب الإسرائيلي يثير موضوع الملاحة في البحر الأحمر والحاجة إلي رفع يد البحرية المصرية عن باب المندب وكذلك المطالبة بتبادل الأسري بين الجانبين. لقد أتسم هذا اللقاء, الأول بين العسكريين المصريين والإسرائيليين منذ هدنة عام94, وطبقا لانطباعات اللواء الجمسي في تقريره إلي القائد العام. والرئيس السادات وحافظ إسماعيل مستشاره للأمن القومي... بالاحترام المتبادل. وعدت أكتب في اليوميات سعت0331 يوم الثلاثاء03 أكتوبر أن الاجتماعات الثلاثة التي عقدت حتي حينه بين الطرفين المصري والإسرائيلي وبحضور ممثل الأممالمتحدة تتسم بالاحترام الشديد ويستشعر البعض بأن هذا الاحترام قد يتحول إلي صداقة وحيث تجاوز الجمسي وياريف البرودة التقليدية في مثل هذه المواقف والاتصالات الافتتاحية, خاصة بعد معركة عسكرية عنيفة لم يمر علي انتهائها إلا أيام قليلة. وأوضحت اللقاءات أيضا أن الجانب الإسرائيلي يرغب في الحصول علي قتلاه داخل مواقعنا وتبادل الجرحي والأسري ويرد عليه اللواء الجمسي بأن موضوعات الأسري مرتبطة بالعودة الإسرائيلية إلي نقاط التراجع التي يمكن للطرفين المصري والإسرائيلي الاتفاق عليها باعتبارها تمثل خطوط22 أكتوبر أو شئ شبيه بذلك. ولعل هذه الإشارة تمثل أول بادرة مصرية بالمرونة التي تصر علي رفع الحصار عن الجيش الثالث, وحيث قال الجمسي فلتعودون إلي الدفرسوار وحولها ونتحدث بعد ذلك في مسائل الأسري والقتلي. وأن القوات المصرية لا يمكن أن تقبل بالحصار الدائم علي الجيش الثالث. علي الجانب الآخر, جاء في محضر اللقاء الثالث بين ياريف/ والجمسي وطبقا لليوميات لهذا اليوم الثلاثاء03 أكتوبر... أن الجانب الاسرائيلي يرغب في تمثيل سياسي في المحادثات ولكي يبدأ الجانبان في مناقشة تفاصيل الفصل بين القوات وكذلك المضي في البحث في فض الاشتباك بينهما... وبالتالي قامت مصر بترقية اللواء الجمسي إلي مساعد وزير حربية ومن ثم يستطيع التكلم أيضا بموقف سياسي وليس فقط الموضوعات العسكرية. وتوضح اليوميات أن الجمسي كان قد كلف بأن يعرض علي الإسرائيليين المفهوم المصري لفك الاشتباك... وهو المتمثل في تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من غرب القناة وصولا إلي خط جديد شرق الممرات الرئيسية في عمق سيناء وذلك في مقابل السماح بتبادل الأسري والجرحي والبحث عن القتلي ورفع اليد المصرية عن باب المندب... والبدء في تطهير قناة السويس وعقد مؤتمر السلام. وسجلت أيضا في هذا اليوم قولي أعتقد أن الجانبين سيتوصلان خلال الاجتماعات القادمة إلي وضع ثابت متفق عليه فيما يخص موضوعات الاسري وإمدادات الجيش الثالث ومدينة السويس بشكل دائم... كما سنبدأ من اليوم 03 أكتوبر في إمدادهم بأسماء الأسري الإسرائيليين لدينا... كما وافقنا علي تبادل فوري للأسري الجرحي... وهو مطلب إسرائيلي ملح وافقنا عليه في مقابل إمدادات الجيش الثالث. وكان الانطباع السائد لدينا في مصر أن اختيار الجنرال ياريف من قبل جولدا مائير يعكس رغبتها في وضع رجلها لتحمل مسئولية المفاوضات مع المصريين وحتي لا تتيح الفرصة لديان وزير الدفاع بأن يعقد الموقف بوضع أحد رجاله من المتشددين. وكان أنطباع الجمسي أن ياريف_ حسب تقرير قدمه الجمسي إلي القيادة السياسية_ هو رجل مائير ويتسم بالاتزان والموضوعية وله اتصال مباشر بالقيادة السياسية الإسرائيلية مما يمكن أن يكون له فاعلية إذا ما تعقدت الأمور.