1 لاينبغي أن يطغي الاحتفال الاجتماعي والظاهري الشكلي وأن تغمر البهجة العاطفية الغامرة وتدفق المسلسلات التليفزيونية وسوق الاستهلاك, علي المعني الأصيل للصوم والبهجة الروحية ومعني الزهد والنقاء الباطني, إن شهر رمضان في المقام الأول, هو عودة إلي المعني قبل العودة إلي التقاليد, وهو دخول إلي عمق النفس للتطهر والصفاء قبل الطعام والشراب, هو لحظات المصالحة بين الانسان وخالقه وبينه وبين الانسان. 2 كما لاينبغي أن تغيب عن وعينا في زحمة الأعياد القضايا الوطنية الخطيرة والملحة, تشغلنا عنها مشكلات شخصية أو صعاب اجتماعية, فالوطن الذي يحتضن ثمانين مليونا من البشر وبعد عشر سنوات( سنة2020) سيضم مائة مليون منهم, في أشد الحاجة إلي التفكير والتضامن للاعداد للمستقبل, ومن هذه القضايا الخطيرة التي توارت, قضية محو الأمية, تنظيم الأسرة, استهلاك المياه, البطالة, احترام القانون, إقامة العدل في شئون.. ومن غير المعقول أن يهتز مجتمع حضاري راسخ البنيان منذ سبعة آلاف سنة, واسع الثقافة, صادق التقوي, يهتز أمام صراعات عابرة تحركها مصالح محدودة أو شهوات جامحة مثل ما يقال أحيانا عن فتنة طائفية والموضوع ليس بفتنة وليس بطائفية وإنما أحداث عارضة تحدث في المجتمعات كافة, لاتمثل ظاهرة أو خطرا متصلا داهما, من هذه الاحداث موضوع قانون بناء بيوت العبادة, وهو من حقيقة الامر غاية هذا المقال, وقبل أن أسترسل في الموضوع أشير إلي حدثين, رائعين, لا أشك لحظة في أنهما يمثلان أصلا من أصول التراث الإسلامي وسمة للعلاقات بين الأديان وضحت منذ بداية تكوين الثقافة العربية, أنها سطور تتوهج بالنور والتسامح للعلاقات الثابتة المتجذرة في وجدان أبناء الوطن العربي من مسلمين ومسيحيين, وليت الأجيال المتعاقبة تتوغل في التاريخ لتلتقي بمثل هذه الاحداث الرائعة ولاتتوقف عند تاريخ الحروب والصراع ومؤرخي التزمت والتطرف والاستيعلاء. أشرت للحديثين في مقالي للأهرام بتاريخ1997/7/17 3 الحدث الأول: أنقله كما ذكره المؤرخون المسلمون الثقاة ومن شاء معرفة المرجع فهو( الازرقي اخبار مكة1:14 الهراوي البهيقي وابن العربي) روي الأزرقي عن الكعبة المشرفة جعلت في دعائمها صور الأنبياء, وصور الشجر وصور الملائكة, فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستقسم بالازلام, وصورة عيسي ابن مريم وأمه, وصورة الملائكة عليهم السلام أجمعين, فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله( صلي الله عليه وسلم) البيت فأرسل الفضل بن العباس بن عبد المطلب فجاء بماء زمزم ثم أمر بثوب فبل بالماء وأمر بطمس تلك الصور فطمست.. ووضع كفيه علي صورة عيسي ابن مريم وأمه عليها السلام وقال: أمحوا جميع الصور إلا ماتحت يدي, فرفع يديه عن عيسي ابن مريم وأمه ونظر إلي صورة إبراهيم فقال: قاتلهم الله! جعلوه يستقسم بالازلام وما لابراهيم والازلام وللصدق فإن بعض المتأخرين من المؤرخين والكتاب شككوا في الحديث فيضيف الدكتور جواد علي في كتابه تاريخ العرب قبل الإسلام جزء5 ص172 هي رواية للعلماء, عنه حديث وكلام.. *** 4 الحدث الثاني: جاء في تفسير الشيخ دروزة عن تفسير الطبري, وابن كثير والخازن, والطبرسي, وابن هشام جزء ثان, وطبقات ابن سعد جزء2 وكتاب الخراج للإمام أبي يوسف, يقول الشيخ دروزة خلاصة ما رواه المفسرون وكتاب السيرة عن وفد نصاري نجران, أنه قدم المدينة في ستين راكبا, فيهم أربعة عشر من أشرافهم, وفي هؤلاء ثلاثة هم الرؤساء فيهم وهم: عبد المسيح أمير القوم, وعاقبهم, وصاحب مشورتهم, والأيهم لمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم, وأبو حارثة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وقد انزلهم النبي في مسجده وسمح لهم بالصلاة فيه إلي الشرق وانتهي الجدل بقولهم يارسول الله قبلنا الإسلام دولة وبقينا علي ديننا.. *** اتأمل هذين الحدثين, وأري فيمهما سماحة وودا يندر أن تجدهما في مسيرة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بعد أن غمرتهما أحداث الحروب فاختفت هذه التوجهات الانسانية الرائعة, لذا انتهزها فرصة في الشهر الفضيل لكي اهنيء جميع أبناء وطني وفي الوقت ذاته اتساءل ألا يكفي هذان الحدثان لكي ندرك أن مايقال عن فتنة بناء كنيسة أو دير إنما أمر لايمت للاسلام بصلة. فما الذي يضير المجتمع أو الفرد من بناء كنيسة أو دير, هل يغير الأمر وجه مصر الإسلامية, إذا كان الرسول( صلي الله عليه وسلم) قد سمح للمسيحيين بالصلاة في مسجده وفي روايات أخري أقاموا قداس عيد الفصح في المسجد في رعايته ومحبته, ألا يعني ذلك بأن حرية العبادة, وحق العقيدة, والتضامن أسس عرفها المسلمون منذ البداية وعلي هذا النهج العادل صار الفاتحون الاول ولم تكن هناك قضية بناء كنيسة أو دير حتي العصر الذي تسرب فيه إلي الحكم والسلطان من كانوا بعيدين تماما عن الروح الحقيقي للدين وجاهلين تماما للثقافة العربية, متي نفضها سيرة ونشرع لبناء دور العبادة كأنها مباني تخضع للقانون العام بلا أستثناء أو تصوير الأمر كأنه خطر جلل, نصرح ببناء بيت لإنسان ولانصرح لبيت عبادة. وليت القانون يشترط علي من يبني بيت عبادة أن يبني بجواره مدرسة أو دارا للمسنين, في شهر رمضان الكريم فرحة الصوم وبهجة العيد والحظة العدل والحرية والمساواة., كل عام والوطن بخير وسلام.