عندما يتعانق العقربان تجئ ساعة الصفر ونخوض معركة انتخابات مجلس الشعب, التي ستكون أكثر سخونة وأكاد أقول عنفا من سابقاتها.. وقد بدأت من الآن استعداداتها وتجهيزاتها وتحركات قواتها الاستطلاعية في ساحات ميادين الدوائر الانتخابية بلا استثناء. ووسط المعركة ولهيبها سترتفع الأصوات وتتداخل الكتابات وتزعق حناجر الفضائيات حول مايدور قبحا وحسنا.. وسترتفع التحذيرات وجملة أثيرة قيلت وتقال دائما وهي أنه كان لابد من الاستعداد بما يضمن تشكيل مجلس شعبي قوي يكون خير تمثيل لجماهير هذا الوطن! من هنا.. فإننا في الساعة الثالثة والعشرين, قبل الموعد بساعة معنوية تطول وتقصر حسب جهدنا واخلاصنا, يتحتم أن ننتبه ليدرك الجميع مرشحين وناخبين أن مصير الوطن مربوط في أعناقهم.. وان هذا الوطن ليس شيئا هلاميا لكنه محسوس مجسد في الانسان.. أنا وأنت وهو وهي ومن معنا وحولنا.. وفي المكان بدءا من النقطة التي تحت قدميك إلي أبعد مايراه الطموح! لكن كيف نستعد وندرك في هذه الساعة وما المطلوب عمله؟ إن المطلوب هو أن تتفق القوي السياسية والاحزاب في مقدمتها علي ميثاق عمل وطني يشهد إعلاء وتعظيم المصلحة, العامة علي الخاصة.. وأن المنشود هو حكم وطني قوي بعناصر بشرية قادرة وكفء.. وليس أبدا تولي حزب معين أو فئة بعينها أو أشخاص بذواتهم وفي هذا الاطار فانه يمكن لحزب أو أكثر الدخول في تحالف.. فهذا أمر عرفي يحدث في بعض الدول في بعض المناسبات ومنها الانتخابات.. لكن التحالف لابد وان يكون له هدفه ويقوم علي أسس محددة.. والنجاح في الانتخابات لاينبغي أن يكون وحده هو الهدف وإلا كان مجرد السعي للحصول علي مناصب ومزايا ومن ثم فيجب أن يكون مرتبطا بالأسس التي يقوم عليها التحالف وتلك هي النقطة المحورية اذ إن هذه الأسس تمثل قواسم عظمي مشتركة بين أطراف التحالف. واذا ما اتفقا علي هذا وهو بديهية وطبقناه علي الواقع فأننا نتساءل عن ماهية القواسم المشتركة مثلا بين الحزب الناصري وحزب الوفد وجماعة الاخوان المسلمين بصرف النظر عن عدم شرعيتها ؟! وإذا تصورنا أن هذا التحالف الثلاثي قد نجح وتولي الحكم.. فهل ستتحقق الشعارات الرائجة الآن عن الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان؟ أن الاخوان المسلمين.. يستخدمون الانتخابات وهي وسيلة ديمقراطية لضرب هذه الديمقراطية وتولي السلطة انفرادا بغير مشاركة علي أساس أنهم يحكمون باسم الله سبحانه ومرجعيتهم هي الشريعة, وهم وحدهم الاقدر علي التفسير! هذا فضلا علي أنهم في عداء تاريخي مع الوفد الذي ناصبهم العداء وشارك في إصدار قرار حل الجماعة قبل ثورة يوليو1952, كما انه في عداء مع الوفديين الذين يؤمنون بان الدين لله والوطن للجميع, وهم في عداء شديد لاينكرونه مع ثورة يوليو وبالتالي الحزب الناصري.. والأسباب معروفة وهي جذرية, ومبدئية! أما الوفد فهو بدوره علي عداء للأخوان كما أوضحنا وعداء مع الناصريين فإن ثورة يوليو هي التي قررت حل الجماعة وقضت علي نشاطها بعد محاولتها اغتيال جمال عبد الناصر سنة1954 وهي مؤكدة وثابتة بالوثائق.. كما أن الثورة حاكمت الجماعة وأعدمت وسجنت بعض قادتها..! ولا حاجة بعد هذا لبيان علاقة الحزب الناصري مع الطرفين المذكورين.. فكيف يمكن أن يفعل الحكم الذي يتولاه التحالف هذا إن فاز؟ الاجابة بالطبع.. أنه سيحدث صراع علي السلطة وسيكون دمويا.. يفتح الباب لاضطرابات داخلية, ولامكانية حدوث تدخلات خارجية.. خاصة أننا في عصر عجيب يتجرعه المجتمع الدولي! وفيما نظن وليس كل الظن إثما فان هذا تحالف هش ينهار منذ بدايته.. فاقد لأية قواسم مشتركة بين أطرافه.. في حين أن كثيرا من القواسم توجد مثلا بين الحزب الناصري والحزب الوطني.. بل أيضا ومع الحزب الوحدوي الذي يدخل أحيانا في التحالف.. وهذه القواسم توجد في مبادئ أساسية تتصل بالعدالة الاجتماعية وحقوق المواطن الأساسية واعلاء حقوق الانسان وحق المواطنة باعتبار أنها الأساس.. والايمان بالقومية العربية وكذلك الدائرة الاسلامية.. وفي كل ذلك وفي تقديس الدين واحترامه لكن مع الفصل بينه وبين العمل السياسي واحترام كافة الاديان. ولكن.. ليس القصد فيما نظنه ان يحدث تحالف بين هذه الاحزاب.. إنما الهدف الاستراتيجي الذي نطرحه ونتمسك به هو ان تجئ الانتخابات القادمة معبرة تدفع بالكفاءات الي الصدارة لمواجهة ما يوجد وسيوجد أمامنا من تحديات خطيرة.. ومن هنا نطالب تفصيلا بحسن اختيار المرشحين, وهذا ما يقول المسئولون في الحزب الوطني انهم يقومون به وان كنا نطالبهم بأن شعبية المرشح في الدائرة ليست هي المقياس الفاصل, فان مسبباتها تختلف كثيرا عن مقومات القدرة والكفاءة.. ولذلك يجب ان يلقي الحزب الوطني وغيره كل الثقل وراء المرشح الاقدر. والي جانب هذا مطالب فانه وهنا يجب ان تنسق الاحزاب الشرعية يجب كشف المرشحين الآخرين من أي اتجاه الذين يضعون أقنعة تخفي حقيقتهم ويتظاهرون بما ليس فيهم حتي اذا ما فاز الواحد منهم فإنه يكشف عن توجهه الحقيقي. أي أنني ببساطة لا اريد محاربة احد فتلك مسألة اخري لكني أريد ان يدخل المعركة من يريد أو من يرشحه حزبه بشرط ان يكون صادقا فيتحدث بما في داخله ويكون مظهره مثل مخبره.. ويتعامل مع الجماهير بقناعاته سواء كان من اقصي اليمين أو اليسار, محددا موقف ورأيه في القضايا الاساسية الداخلية والخارجية.. بدءا من الدين والدولة الي العلاقة بين الاجور والاسعار.. الي الرأي في مسألة الايجارات القديمة للمساكن.. الي التفاوت الرهيب في الدخول.. الي الثقافة والفن ودورها.. وهكذا.. الي الدور المصري عربيا واقليميا ودوليا.. وغير ذلك وبصراحة كاملة.. وعلي الناخب, يناقش ويفكر قبل ان يقرر.. وعلي الجميع احترام كلمة الشعب وإعلاء قراره.. هذا هو ما يتحتم ان نناضل من أجله ونحن في الساعة الثالثة والعشرين.. قبل ان يتعانق العقربان. وتحدث الواقعة.. فإن مصر المحروسة.. محروسة برعاية الله سبحانه وتوفيقه. وبيقظة وجود شعبها العظيم. المزيد من مقالات محمود مراد