قرأت في بريد الأهرام ما كتبه الفاضل سمير خليل جرجس بعنوان: أين نحن؟! وأشار فيه للإنجاز الفلكي العظيم الذي حققه نيكولاي كوبر( أو كوبر نيكوس) إلا أنه قال: وقد كافأه الفاتيكان بأن أحرقه حيا حتي الموت.. حدث ذلك في عام1473 م. وأود أن أنوه إلي أن عام1473 هو عام مولد كوبرنيكوس, أما تاريخ وفاته فهو24 مايو1543 إثر سكتة دماغية, ولم يتم حرقه رغم وقوف محاكم التفتيش ضده, تم دفنه في كاتدرائية فرومبورك في بولندا. والشاهد الموضوع علي قبره اليوم من الرخام الأسود يقول إنه مؤسس نظرية مركزية الشمس وكانون في الكنيسة, وكانون هي رتبة كنسية لها احترامها. لقد اضطهدت الكنيسة علماء فلك من بعد كوبرنيكوس, وأشهرهم جاليليو الذي اخترع التلسكوب ويعرف بكونه أبو العلم الحديث, وأكد دوران الأرض حول الشمس. وحيث ان كل إشارات الكتاب المقدس لمركزية الأرض تقع في الكتابات الشعرية, فقد حاول جاليليو ان يقنع الكنيسة بمبدأ القديس أغسطينوس بألا تتعامل بصورة حرفية في تفسير النصوص الشعرية! وبرغم ان الكنيسة لم تقبل بذلك, فإن اقصي مافعلته هو انها طالبته بان يسحب النظرية التي نادي بها. وبعد سجنه تم وضعه تحت الإقامة الجبرية بمنزله. ومما يذكر ان الفاتيكان اصدر بيانات كثيرة في العصر الحديث اعاد فيها لجاليليو مكانته المرموقة, وكان آخرها ما أصدره البابا بندكت السادس عشر سنة2008 بمناسبة مرور400 سنة علي التلسكوب الذي اخترعه, وقال البابا عن جاليليو انه رجل إيمان. وهنا نقف امام درس مهم فيه شجاعة الاعتراف بالخطأ من ناحية, وتصحيح الموقف والرأي من الناحية الأخري, وهو الدرس الذي نحتاج اليه اليوم في بلادنا العربية, فكثيرا ما ننكر سلوكا او تصرفا خاطئا صدر عنا, ونكابر ونكابر لنثبت ان سلوكنا وتصرفنا اليوم, بعد تدارك الخطأ, كأن هو هو سلوك الامس!! أما العالم الاخر الذي تعامل مع نفس الموضوع وكان معاصرا لجاليليو تقربيا فهو يوحانس كبلر(1571 1630) وهو ألماني ولد فيما نعرفه اليوم بالنمسا وكان موقف الكنيسة منه افضل من موقفها مع جاليليو, لان كبلر نشأ في الجو الانجيلي( البروتستانتي) بعد حركة الإصلاح حيث لاتوجد محاكم تفتيش أو ما أشبه. واستخدم كبلر قرائن دينية لتأييد مانادي به من منطلق اقتناعه بان الله خلق الكون بناء علي خطة تتسم بالعقلانية يدركها الانسان عن طريق نور العقل الذي استودعه الله في الانسان, الا ان هذا لم يقنع جيله بمركزية الشمس وعدم مركزية الارض. وهكذا تقدمت الإنسانية خطوة بعد خطوة في جو يتأرجح بين الارتفاع والهبوط وبعد ان اعتقد الإنسان في اوائل القرن العشرين انه علي طريق الرفاهية باتساع دائرة العلم, إذ بالحرب العالمية الاولي تقضي علي طموحاته, اذ حولت الطبيعة البشرية كل التقدم العلمي لدمار شامل مما يبرز حاجة الإنسان الي نعمة الله حتي لايدمر نفسه وهو في سبيل التقدم. د. القس عبدالمسيح اسطفانوس أستاذ بكلية اللاهوت الإنجيلية