آثار مسلسل الجماعة كثيرا من التعليقات وردود الفعل السياسية ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ, واعتقد ان الوقت مازال مبكرا لعمل تقييم موضوعي له لانه لم يكتمل بعد, ومن الطبيعي ان يكون التقييم بعد الانتهاء من كل حلقاته حتي يتضح الأثر الاجتماعي والنفسي له علي المشاهدين من الخاصة والعامة, وقد تعمدت التمييز بين الخاصة والعامة اي بين المتعلمين والمثقفين الذين لديهم دراية ومعرفة بتاريخ الجماعة وبدورها ومواقفها السياسية وبين جمهور المصريين الذين لاتتوافر لديهم تلك الدراية والمعرفة, لأن تأثير المسلسل ووقعه سوف يكون مختلفا علي الفريقين. لذلك فإنني اود ان اعلق علي المسلسل من زاوية محددة وهي تركيزه علي حياة الشيخ حسن البنا وجهوده في تكوين الجماعة وانشطتها وتطورها, وكانت نتيجة هذا التركيز عدم إبراز السياق التاريخي للاحداث وعدم الاشارة إلي الوقائع الكبري التي شهدتها مصر وقتذاك, وعلي سبيل المثال, لم يتبين المشاهد تاريخ انتقال المركز العام للجماعة إلي القاهرة1932 أو تاريخ مشاركة الاخوان في الترحيب بوصول الأمير فاروق إلي مصر, والجدل الذي ثار حول إجراءات تنصيبه ومعارضة مصطفي النحاس رئيس الوزراء ادخال طقوس دينية كجزء من مراسم التنصيب للملك1936 أو تاريخ صدور مجلة النذير1938 والاتصالات بين علي ماهر رئيس الديوان الملكي والشيخ البنا, أو تاريخ تولي علي ماهر منصب رئيس الوزراء, أو تاريخ مقابلة السير لامبسون السفير الانجليزي التي حدثت في مصر في هذه الفترة كانت هي نمو جماعة الاخوان ونشاطها. والحقيقة غير ذلك تماما, فقد شهدت حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي صراعا قويا بين الملك والقصر من ناحية وحزب الاغلبية الشعبية الوفد من ناحية اخري وكان محور الصراع هو الحياة الدستورية واحترام دستور1923 وحق الوزارة الممثلة للأغلبية البرلمانية في ممارسة شئون الحكم وفقا للدستور بدون تدخل من الملك أو رجال السراي, لقد رفض الملك فؤاد ومن بعده فاروق احترام الدستور وقبول نتائج الإرادة الشعبية فقام بحل النواب وابعاد حكومة الاغلبية الوفدية في اعوام1925 و1928 و1930 وفي المرة الأخيرة لم يكتف الملك بتعطيل العمل بالدستور, بل قام باصدار دستور جديد اعطي له سلطات اوسع بدعوي حسب المذكرة التفسيرية له ان دستور1923 نقل أوضاعا ونظما عن دساتير الدول المتقدمة دون توافر الاسباب الاجتماعية اللازمة لنجاحها في مصر. وكان صدور دستور1930 بداية لنضال شعبي عارم ولموجة من التظاهرات والاعتصامات التي قادها حزب الوفد ادت إلي استجابة الملك في عام1935 وإعادة العمل بدستور1923 وتشكيل حكومة محايدة اشرفت علي الانتخابات في يناير1936 والتي فاز فيها الوفد باغلبية كبيرة, ولكن سرعان ما اصطدم رئيس الوزراء مصطفي النحاس مع الملك والقصر وانتهي الأمر بإقالة الحكومة في ديسمبر1937 وإجراء انتخابات مورست فيها كل صنوف التزوير حتي ان كلا من مصطفي النحاس ومكرم عبيد واغلب قادة الوفد لم ينجحوا في دوائرهم, ولمدة اربع سنوات تالية تولي الحكم وزارات من أحزاب صغيرة حتي عام1942 عندما تزايد شعور الانجليز بضغوط الحرب العالمية الثانية ورغبوا في وجود حكومة شعبية تحقق الاستقرار في البلاد, ونتيجة لتدخلهم تم اجراء انتخابات حرة عاد بها الوفد إلي الحكم, ومرة اخري دخل الوفد في صراع مع الملك انتهي باقالة حكومته في عام1944 وحكم مصر وزارات احزاب الاقلية حتي عام1950. هذا هو السياق التاريخي لهذه الفترة واحتدام الصراع حول شكل نظام الحكم وهل يكون ملكية دستورية اي ملك يمارس دوره وفقا للدستور أم ملكية مستبدة تملك وتحكم وتدير شئون البلاد, في هذا السياق كان تأييد الشيخ البنا والاخوان للملك وللسراي وكان الصدام بين شباب الاخوان مع شباب الوفد ومصر الفتاة في الجامعة, وفي هذا السياق ايضا جاءت دعوة الاخوان لتعيد ترتيب اولويات الرأي العام بحيث لاتكون قضية احترام الدستور في موقع الصدارة, بل ان تصبح الدعوة إلي مباديء الاخوان هي الأولي بالاتباع, واعتبار ان هذه المباديء هي الإسلام ذاته فوفقا لمقررات المؤتمر الثالث للجماعة عام1935 فان علي كل اخ مسلم ان يعتقد ان هذا المنهاج اي منهاج الإخوان المسلمين كله من الإسلام وان كل نقص منه نقص من الدعوة الإسلامية الصحيحة. وترتب علي دخول الجماعة مجال السياسة ان ارتبطت مواقفها باعتبارات السياسة العملية وتقلباتها فتغير موقفها من دستور1923 فأقرته احيانا ولفظته احيانا اخري, ولفظته احيانا اخري وانتقدت حركة الاخوان تعدد الاحزاب علي اساس ان الإسلام يحرم العصبية الحزبية, وان الحزبية تشتت بين الناس, وان مصر الناهضة في حاجة إلي الوحدة والاستقرار حتي تتفرغ للاصلاح الضروري, ودعا الشيخ البنا في العدد الثاني من مجلة النذير إلي دعم كلمة الزعماء بتأليف هيئة قومية واحدة من جمعيات تضع برنامج الاصلاح والنهضة في كل النواحي علي اساس من الإسلام القوي العزيز الفاضل مع تنازل كل حزب عن اسمه الخاص.. وفي العدد الثالث نشرت النذير المذكرة التي رفعتها الجماعة إلي رئيس الوزراء والتي اقترحت ضرورة الوحدة بين الاحزاب وانه ليس بدعا ان تسير امة علي نظام الحزب الواحد, وقد سبقتها إلي ذلك الامم الناهضة من شرقية وغربية, وعلي مدي اربعة اعداد من العدد13 إلي العدد16 نشرت النذير دراسة عن فساد الحياة الحزبية واهمية حل الاحزاب وتطهير الامة من أدرانها, ونشر العدد59 من مجلة الدعوة في ابريل1952 مقالا ورد فيه ان الإسلام لا يعترف بوجود حزب اغلبية واحزاب اقلية وانما الامة امة واحدة. وبالطبع احدث نشاط الجماعة قلقا وتأثيرا في المجتمع المصري بسبب ارتباط دعوتها بالدين ورفعها شعار الإسلام هو شعار يلقي آذانا صاغية في مجتمع متدين, وزاد من هذا القلق ممارسات الجماعة في النصف الثاني من الثلاثينيات وخلال الاربعينيات لاعمال عنف واغتيالات, وهي التي ادت إلي صدور اول قرار بحلها عام1949, هذا المناخ من القلق والاضطراب واحيانا الخوف جعل احد النشطين اليساريين وهو عبدالرحمن الناصر المعيد بقسم الكيمياء بكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول إلي تسميته بكلمتين هما: تبدل الخواطر في كتاب له صدر عام1946 بعنوان الاخوان المسلمين في الميزان وبلغ خوفه من ردود فعل الشباب ضده في الجامعة وفزعه من التنظيم السري انه نشر الكتاب باسم مستعار وهو محمد حسن احمد. ملاحظة: وقع الممثل الذي ادي دور الشيخ حسن البنا في خطأ لغوي في الحلقة العشرين عندما اشار إلي شروط اختيار عناصر التنظيم السري واستخدام كلمة اكفاء بمعني متميزين وقادرين فنطقها بكسر الكاف, وفي هذه الحالة يصبح معني الكلمة غير المبصرين, اما صحة النطق فهو بتسكين الكاف.