..ومادفعني إلي هذه الكتابة إلا إحساس بالخجل مما نحن فيه, أو بالدقة مما تردينا إليه. والتردي يتمادي ليتمدد حتي مسلسلات يفترض فيها مواجهة خصوم المواطنة فإذا بها تقود المواطن العادي نحو متاهات لا علاقة لها بصحيح التاريخ وإنما تردد مزاعم عن التنصير كانت في ذلك الزمان كاذبة ومسمومة عن عمد ولم تزل كذلك. ثم يضيفون بهدوء مشين أن هذه الشائعات كانت السبب في اكتساب أصحابها شعبية جارفة, وكأنهم يقولون للحاضر أفعل كما فعل أسلافك في الماضي لتكتسب أنت أيضا شعبية علي الأقل في الانتخابات التي تجري وقائعها. وأقول إن مصر كانت دوما غير ذلك الحال المتردي والممعن في التردي وأعود لأستعيد بعضا مما كان, لعلنا أقول لعلنا نستشعر بعضا من الخجل. ويزيد الخجل إذ نقرر أن هذه الأكذوبة هي مجرد مثال متكرر كثيرا في هذا العمل الدرامي. ونعود إلي دروس الماضي. فمنذ القرن الثاني عشر ومع غزوات الفرنجة التي سماها أصحابها بالحروب الصليبية كان المسيحيون المصريون والعرب يحاربون مع المسلمين في مواجهة الغزاة. ولأن أعلام العدو الغازي كانت تحمل زورا رسم الصليب فإن الكتائب المسيحية المصرية والعربية التي حاربت الغزاة اتخذت لنفسها شعارا يضم صليبا يحوطه الهلال وكأنها تقول هذا هو الصليب المصري الحقيقي. ولم تزل المتاحف تضم هذا الرمز دون أن يتوقف أمامه أحد ليسأل عن المغزي والمعني. وفي عام1922 وأثناء وضع دستور1923 تقدم إثنان من أعضاء لجنة الدستور وهم من المسلمين باقتراح بضمان تمثيل نسبي للأقباط. في البرلمان. وكان أول من غضب ورفض هم الاقباط وفي يوم الجمعة19 مايو1922 عقد اجتماع مهيب في الكنيسة البطرسية بالعباسية لإعلان رفض هذا الاقتراح. وألقي سلامه بك ميخائيل وكان من كبار المحامين خطابا حماسيا قال فيه إن الدماء الذكية التي سفكت أثناء الحركة الوطنية من المسلمين والأقباط معا لم تكن مزاحا ولا هزلا. وإن أصحاب هذا الاقتراح يريدون أن يضيعوا علينا هذه المجهودات. إنهم يقصدون إن يقولوا إن الأقلية مخدوعة وإنها جزء منفصل يجب أن يكون له من يدافع عنه, ويريدون أن يصوروننا علي أننا نقول للأغلبية إننا نراكم متعصبين فنخشاكم وأصدر المجتمعون قرارا إجماعيا برفض اقتراح التمثيل النسبي. ولعلنا يتعين علينا أن نسأل هل أخطأ سلامه بك ميخائيل؟ وهل ستأتي نتائج الانتخابات المقبلة محققة لأحلامه أم... العكس... وفي حرب أكتوبر1973 كان أحمد حمدي أول ضابط شهيد في معركة العبور. وكان أول ضابط شهيد علي رمال سيناء خلال العبور هو شفيق متري سدراك. فهل هي مصادفة أم درس لنا؟ ويتحدث المشير أحمد إسماعيل أمام ضباط أكاديمية ناصر العليا مؤكدا أن الحرب هي الوضع الأكثر بروزا لوحدة المصريين, أما قادة الجيوش الميدانية فقد وجهوا إلي جنودهم مع بدء المعركة أمرا ميدانيا موحدا تلي عليهم جميعا... جاء فيه ثقتي فيكم بغيرحدود. أثق في كفاءتكم. وأثق في إيمانكم بالله, وفي إدراككم أن قضيتنا قضية مصير: أن نكون أو لانكون؟ فلم يعد هناك مخرج مما نحن فيه إلا أن نشق الطريق نحو مانريده عنوة وبالقوة وتحت أفق مشتعل بالنيران. يقول الله تعالي هو أصدق القائلين إن الله أشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن. صدق الله العظيم ويمضي الأمر الميداني قائلا وفي إنجيل متي جاء في هذا المقام أيضا من وجد حياته يضيعها, ومن أضاع حياته من أجلي يجدها.... إلي الأمام أيها الأبطال سدد الله خطاكم علي طريق النصر, لتتحقق علي أيديكم الحرية والعزة لكم ولمصر. أما الفنان المبدع والمصري الحق سامي رافع فقد جسد كل ذلك في رمز واحد... الدماء المتشابكة مع رمال سيناء للمصريين مسلمين وأقباط. والأمر الميداني المصري الالتزام والمذاق. والقدرة علي المحبة المشتركة للشركاء في بذل الأرواح المصرية دفاعا عن مصر, جسد ذلك كله في النصب التذكاري للجندي المجهول الذي أقام أضلاعه علي شكل هرم رمزا لمصرية كل المصريين, ثم إنتقي أسماء موحية وحفرها بالخط الكوفي علي أضلاع الهرم وكأنه يحفرها علي أضلاع مصر ذاتها وكل المصريين جميعهم. أسماء تداخلت معا دون ترتيب محمد أحمد جرجس علي بسطاروس ميخائيل. إنه الرمز للجندي المجهول الذي لايعرف له أسم ولاعنوان ولادين إنه مصري وكفي. هذا الرمز الأبدي لابد أن يمنح الخجل وماهو أكثر من الخجل لهؤلاء الذين يحفرون بأظافرهم شقوق التفريق بين المواطنين بسبب من الدين. وبعد... هل نفعل شيئا لانقاذ وحدة المصريين ليس فقط من خصوم المواطنة التي يضعونها نقيضا للدين, ولا من الجاهلين المتجاهلين لمخاطر مانحن فيه, وإنما أيضا من سقطات الدراما التي قد تأتي عفوا وبحسن نية لتذكرنا بالآية الكريمة قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا, الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا صدق الله العظيم. نعم... وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.