عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنقبات والعاريات !


الحرب الصامتة ضد مصر
في يوم 4 أكتوبر الجاري أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل السعودية المرسوم الملكي التالي: نحن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.. ملك المملكة العربية السعودية.. أمرنا بأن يعفي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري عضو هيئة كبار العلماء والعضو المتفرغ في اللجنة الدائمة للبحوث والفتوي المتفرعة من عمله.. ويبلغ أمرنا هذا للجهات المختصة لاعتماده وتنفيذه.
هذا القرار المفاجئ وغير المتوقع من الملك كان هو رد الفعل الأهم والأسرع من أعلي مستوي في السعودية علي التعليق أو الفتوي التي أدلي بها الشيخ سعد الشثري في قناة المجد.. محذرا من الاختلاط في جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم التقنية التي افتتحتها السعودية في إطار تحول مهم بدوره قبل أن يدلي الشيخ بما قال بنحو يومين.
القرار الأول جاء لحماية الخطوة غير المسبوقة التي أسست لوجود التعليم الجامعي المختلط في السعودية لأول مرة.. ويمكن القول أن قرار الملك قد ألجم إلي حد بعيد أصواتا كثيفة كانت تستعد للانطلاق في اتجاه انتقاد الجامعة غير المألوفة في السعودية.. وتحريمها والتحذير من الاختلاط فيها.. مما قد يؤدي إلي تفريغ تلك الخطوة التي تمثل نقلة حضارية كبري في المملكة من محتواها.
إن فهم حجم وأبعاد دور هيئة كبار العلماء في السعودية ومدي انتشار تأثيرها وتغلغلها في عقلية المجتمع السعودي وارتباطها بشرعية الحكم السعودي، يمكن أن يحدد لنا ماهية القرار الذي أصدره الملك والرسالة الناتجة عنه.
مفارقات 9002
وفي المقابل فإن مصر ليس فيها إلا جامعات مختلطة.. وهي، تاريخيا، فضت القيود عن المرأة قبل ما يزيد عن مائة عام حين رفع قاسم أمين شعاره العظيم: تحرير المرأة.. غير أنه في العام الذي نالت فيه المرأة المصرية واحدا من أهم إنجازاتها الحضارية والسياسية.. في 9002. أي الحصول علي نسبة مقررة بحكم القانون والدستور من مقاعد مجلس الشعب للنساء.. كان هذا المجتمع مضطرا لأن يخوض جدلا كبيرا ضد انتشار النقاب بين بنات أجياله الجديدة.
مفارقات متنوعة جدا ومؤسفة للغاية تقرأها في المشهد المصري، بخلاف هذا التناقض الزمني بين 11 عقدا منذ عصر قاسم أمين إلي الآن..
مجتمع يرتضي الاختلاط.. لكن بناته يعلن الإصرار علي الانعزال خلف الأستار السوداء.. كل منهن تعيش في خيمتها الخاصة.. خلف حجب آتية من (تورا- بورا) ولايمكن أن تكون متناسقة مع العمر الحضاري للقاهرة.
جيل يفترض أنه يخوض غمار شبابه.. لكنه يذهب بعيدا منجرا وراء كهولة الاختفاء.. دافنا أحلامه.. ومحاصرا لانطلاقه.. وقاتلا لحيويته.. ورافضا للعصر.. كما لو أنه يعيش هجرته الخاصة مذكرا إيانا بسنوات شكري مصطفي الذي أقنع في تنظيم (التكفير والهجرة) قدرا لا بأس به من الجامعيات بأن يهبن أنفسهن لمجتمع جاهل جهول بناه هو في مخيلة ذاته وبعيدا في مكان قصي من المجتمع.
جامعيات.. يفترض فيهن أن يسعين وراء العلم.. فأمسكن بتلابيب الأزمنة الغابرة قبل الأديان.. والانطباع المتوقع منهن هو أن يكن مناديات بحقوق النساء والمساواة.. فإذا بكل منهن تتحول إلي حبيسة في زنزانة اختيارية متنقلة.. ترفض أبسط دلائل الحضارة.. التواصل من خلال وجه معلن.. لكي يبين الرجل من المرأة.. والحق من الباطل.. ويا لها من عقول تريد أن تقود المجتمع في الزمن القادم.
إن علينا أن نحترس لأن العجلة ترجع إلي الخلف.
ومن المثير للدهشة أن القناة التي تسببت في عزل الشيخ السعودي سعد الشثري من هيئة كبار العلماء بأمر ملكي.. أي قناة المجد.. هي نفسها أحد مقومات منظومة فضائية راسخة وواسعة الانتشار.. تروج في مصر وغيرها لفقه النقاب والانعزال ومحاربة التواصل.. والدعوة إلي المجتمعات المنشطرة.. ضد الفطرة.. منظومة تبيع فكرا يعود إلي عصور سحيقة رغم أنها تعتلي قنوات بث فضائي في أحدث منتجات العلم.. الأقمار الصناعية التي من المؤكد أن من بين صناعها عشرات من النساء الغربيات اللواتي شاركن الرجال في عمل بهذه الضخامة.. لكي نأتي نحن بمنتهي التخلف ونحول هذه الآلات إلي وسيلة لركوب ماكينة الزمن ونضبطها علي مؤشر يرجع بنا إلي ما قبل الإنسانية.
العادة والعبادة
ما هذا القرف.. أعلينا في عام 9002 - بينما الإسرائيلية (عداة يونات) تحصل علي نوبل في الكيمياء.. والألمانية هيرتا موللر تنال نوبل في الآداب.. وبينما العالم يفض أسرار تركيبة جينات الإنسان.. ويجهز رحلة إلي المريخ غير مكتفٍ بالقمر - أن نتكلم فيما إذا كان النقاب عادة أم عبادة؟.. وهل علي السلطة في البلد أن تتخذ إجراءات لمنع تسكين المنقبات في المدن الجامعية للطالبات؟.. هل بعد هذا قرف؟!
مال بناتنا؟.. كيف بفريق منهن يخترن العزلة.. ويتظاهرن من أجل أحد أشهر مظاهر التخلف.. ويناضلن من أجل الاعتراض علي الإمام الأكبر لأنه قال لطالبة في مثل عمر حفيداته: أن اخلعي النقاب.. إنه عادة لاعبادة.. فتثور عليه الدنيا.. ويصبح هدفا لهجوم جحافل التطرف.. وبراكين التهييج.. تريد أن تشوه صورته.. وأن تهز مصداقيته.. وأن تستفز كبرياءه.. وأن تشكك في علمه.. فيما لم يكن بين ناقديه من حصل نصف علمه.. وحصد ربع خبرته.. أو اعتلي المنابر بقدر ما اعتلي وخطب ووعظ الناس إلي دين الله.
الهجوم علي صاحب الفضيلة أصبح وسيلة لإلهاب المشاعر.. وارتكاب كبائر في حق علماء الدين.. الناصحين.. الذين كان أمامهم من الجراءة والثقة في العلم بحيث إنه أعلن قولة الحق.. وواجه التطرف بصوت الحكم السليم.. ورفض أن يتراجع.. في حين تلاحقه كاميرات التخلف واستديوهات اللغو الليلي وجرائد لا شاغل لها سوي أن ترتكب أي حماقة بغض النظر عن تأثير ذلك علي شخصية المجتمع.. وتلك نقطة تدعونا مجددا لكي نتساءل: هل رجال الأعمال الذين ينفقون علي تلك الوسائل الإعلامية الخاصة يقبلون منها رسالتها تلك.. هل يريدون مجتمعا منقبا؟
منارات الظلام!
كانت صحف مصر من قبل أهم أدوات تنويرها.. وكان من الشاذ أن تكون أي صحيفة مؤيدة للتطرف.. الآن أصبحت الصحف آليات ترويج وتحريض وإظلام.. وتعج بما يقود المجتمع إلي مزيد من التطرف.. إما بتأييد وتسويق جماعات التخلف.. أو بالمزايدة علي أصوات العودة إلي الماضي.. أو بالاختلاق والتلفيق كما حدث في الواقعة الأخيرة التي تخص شيخ الأزهر.. فناقل روايتها لم يكن موجودا رغم أنه أكد حضوره المشهد في بعض برامج التليفزيون.. ويا لها من مهمة مدمرة تقوم بها الصحافة الخاصة ضد البلد وخصائصه الاجتماعية.
ومن ثم فإن المجتمع بين قبضتي حصار.. سماء تمطر فكرا متطرفا في قنوات سلفية تحض المرأة علي ألا تصافح الرجل وأن تتحول إلي ثقب خيمة متجول إن تجولت.. وأرض تلتهب نارا بصحف تحريض وإغلاق عقول.. لا تنتقد تراجعا ولايعنيها أن تحمل رسالة من أجل البلد.. بل أن تصب مزيدا من البنزين لعل هذا يمكن أن يرفع التوزيع ولو نسختين.
هذه المنظومة هي التي أعاقت ولم تزل محاولات وزير الأوقاف أن يوحد آذان الصلاة في المساجد بدلا من تلك الفوضي التي تعتلي المآذن.. وهي التي ألهبت النار حين قال وزير الثقافة رأيا في الحجاب.. وهي التي شنت حربا بدعوي حرية العقيدة ضد شيخ الأزهر لأنه قال أن النقاب عادة لا عبادة.. وصار عليه أن يفسر من جديد ما أصبح معلوما من الدين بالضرورة.. وأصبح علي المجتمع ألا يناقش الحجاب وإنما أن يجادل في أمر النقاب.
أهذه.. مصر؟!
لقد حذرنا من ذلك قبل ما يزيد علي عامين.. وقلنا أن خوض معركة النقاب بإيقاع هادئ وغير حاسم وجدل شبه صاخب.. سوف يقود المجتمع إلي حالة تفاوض مع التطرف.. بحيث علينا أن نقبل انتشار الحجاب في عام 9002. بدلا من النقاب.. ومضي الوقت بدون حسم.. فأصبح النقاب محل ثبات.. لا يقبل التطرف نقاشا له.. ويعتبر من يقترب منه إنما يرفض حياء البنات.. وحماية الأخلاق من الانحراف.
مرة أخري الذي أعطي مبررا هائلا للادعاء بانفلات المجتمع بحيث تحتاج الأنثي إلي أن تحمي نفسها فيه هو وسائل الإعلام التي روجت لأساطير التحرش في الشوارع كما لو أنها صارت واقعا.. وكما لو أن البنات في مصر يتعرضن للاختطاف والاغتصاب من الرجال الوحوش علي مدار الساعة.. وكما أننا لسنا مجتمعا من 08 مليون شخص.. من الطبيعي أن توجد فيه بعض المشكلات.. تلك صفة المجتمعات.. لو أن كل مواطن من ال 08 مليون حك وجهه بظفر إصبعه لكان علينا أن نتوقع عشرات من الظواهر.. لكن نار الأرض (الصحافة الحمراء) أقنعت الناس بأن الشوارع صارت ملجأ للشياطين فأصبح علي الجميع أن يخشي علي (القوارير الأنثوية) من التكسير.. فأودعن أنفسهن قيود الحماية والصون المسماة بالنقاب.
وصرت تناقش الناس في خطورة هذه الظاهرة.. وتقول أنها تغير في طبيعة المجتمع.. أنها ضد ثقافته.. هذه ليست صورة مصر.. وإذا كانت تتحول فإن علينا أن نقودها إلي الوجهة الصحيحة.. أن ندق أجراس الانتباه حتي يصحو الناس من غفلة الرجوع إلي الخلف.. هذا حقنا.. أن نحافظ علي بلدنا.. وأن نروج فيما بين فئاته النموذج العصري الملفوظ.. إذا كان التطرف يمارس عملية التسويق الدائمة للنموذج الأسود المتخلف طيلة الوقت.
إن من المهم هنا أن نشير إلي أن المحكمة الدستورية المصرية كانت قد أصدرت حكما واضحا لا لبس فيه في مايو 6991، رفض منح الحق لطالبة في أن تدخل مدرسة بنقابها، وفي نص الحكم نجد ما يلي: في كشفها لوجهها أعون علي اتصالها بأخلاط من الناس يعرفونها ويفرضون نوعا من الرقابة علي سلوكها، وهو كذلك أكفل لحيائها وغضها من بصرها وأصون لنفسيتها وأدعي لرفع الحرج عنها.
هذا هو نص الحكم التاريخي غير أن تلك المناقشات تواجه بحجج غريبة.. وردود عجيبة.. فتجد من يقول أن هؤلاء المنقبات الحرائر إنما يمارسن حرية دستورية.. وحقوقا عقيدية.. وأن علي السلطات الإدارية التي تمنع دخول المنقبات إلي المدن الجامعية كنوع من التأمين والأمان.. أن تواجه عوضا عن ذلك العاريات السافرات.. مرتديات (المحزق والملزق) كاشفات البطن والصدر والسيقان.. هذا ما يقولون.. ويتخيلون أننا بهذا سوف نتراجع إلي الخلف.. لئلا نكون من أنصار العري والفجور المصور أمام مستمعي النقاش في المجتمع.
ولكن من قال أن العري هو بديل النقاب.. ومن زعم أن الفتاة التي لاتغطي وجهها وتتحول إلي كتلة من ليل أسود في نهار المجتمع عليها أن تصبح عارية البطن والصدر والساقين.. لا هذه هي مصر.. ولا تلك هي أيضا.. نريد مصر طبيعية.. لا هي معقدة ولا هي منحرفة.. مصر فطرية.. غير شاذة.. أو متطرفة أيا ما كانت صور التطرف والشذوذ.
ثم ما هذا التصور الريفي الكلاسيكي البالي عن أن الجامعة هي بيت العري.. وإنها مرتع للماجنات اللواتي يحاولن إغواء الشباب الغض الغرير؟.. هل نسيتم أن الجامعة بيت العلم.. وأن المعهد الديني بيت علم من نوع آخر.. أم أن الصورة الذهنية الأسطورية المتخيلة التي صنعها التطرف عن الاختلاط جعلت العقول تذهب إلي مساحات من الخيالات العابثة المريضة.
تناقضات مصرية
إن هذه المناقشات تضع أيدينا مجددا علي تناقضات تلخص تناحرات توجزها مجادلات النقاب الجارية الآن.. وهي في حد ذاتها تقودنا إلي عدد من مشكلات المجتمع التي ولابد أن تجد حلا ومعالجة.. بخلاف المواجهة الثقافية الإدارية الحالية.
فمن جانب نحن أمام نقيض ريفي في مواجهة نقيض مدني.. ذلك أن الفتيات المستهدفات بقرار الجامعات العامة هن ساكنات المدن الجامعية.. أي الآتيات من الريف.. والقادمات من مهاجر بعيدة.. ومن المعتاد في أي مجتمع أن تكون هناك فجوة ما بين الفئات المجتمعية التي تنتمي للأماكن الجغرافية المثيلة.. ولكن أن تتسع الفجوة لكي تصبح هوة.. وأن تصبح بنت المدينة رمز العري وبنت الريف رمز النقاب.. وأن تخضع كثير من بنات المدينة للضغط الاجتماعي والديني من بنات الريف - معوما بوسائل متنوعة - فإن هذا يحول الفجوة إلي هوة.. ويؤدي إلي مشكلة كبيرة.. وتغيير مجتمعي صارخ.
ومن جانب ثان نحن أمام صراع طاحن بين المؤسسة المستنيرة المعبرة عن دين سمح غير متطرف.. وبين المؤسسة غير القانونية للتطرف.. الثانية تواصل الطعن في الأولي طيلة الوقت لكي تفقدها مصداقيتها.. ولكي تجعل شرعية تثقيفها للناس بصحيح الدين محل شك وريبة.. وبحيث تجعل الإمام الأكبر بكل ما له من مكانة وقيمة كما لو أنه يخضع للإملاء.. ولايراعي في فتواه وتوجيهه صحيح العلم وصائب الدين.
هذه حرب مستعرة منذ زمن بعيد.. ووجب علينا أن ننتبه إليها من جديد.. أن نوقف الهجوم علي المؤسسة الدينية للمجتمع.. فهي ليست مؤسسة للدولة.. وأن نعضدها ونساندها وأن ندلها علي مزيد من طريق الاستنارة لكي تقف في وجه طغيان التطرف الذي يريد أن يحقق فصاما مجتمعيا يفصل بين الناس ونخبتهم وبين القرية والمدينة وبين المسئول والمواطن.. من أجل تحقيق هدف بعيد لا علاقة له إطلاقا بالنقاب أو العري وإنما لها علاقة بالسياسة والسعي إلي السلطة.. ولذا يجب أن ننتبه إلي أن الذين يقودون حملة تشويه شيخ الأزهر هم الإخوان المحظورون.
ومن جانب ثالث نجد تناقضا بازغا ناميا بين الرجل والمرأة.. تناقضا يتراوح ويتماهي بين مربعات متقاطعة.. فإما أن الرجل مجرد وحش يجب أن تحتمي منه المرأة.. وإما أن الرجل ينضم إلي معسكر الملائكة الأطهار في مقابل مجموعة أخري من الرجال الشياطين.. وبالتالي تجد أن فريقا من الذكور يدافع بطريقة مروعة عن نقاب النساء وتشعر من الدفاع أن قرار ارتدائه ليس نسائيا خالصا وإنما صدر بأمر رجل قرره للابنة أو الزوجة أو الأخت.. وفي النهاية تتسع الهوة بين الرجل والمرأة ونخرج من مجتمع المساواة والتواصل الذي نسعي إليه ونجاهد من أجله في عصر حقوق الإنسان.
جولات في حرب
تلك جميعا تناقضات معضلات تحتاج إلي عمل كثيف.. لا يجب أن يقف عند حدود إصدار قرارات إدارية بمنع دخول المنقبات إلي المدن الجامعية.. وبمنع تواجد المنقبات في المعاهد الدينية.. الموضوع أعمق من هذا ويحتاج إلي عمل ثقافي وديني وإعلامي وتعليمي مستمر ومتواصل.. لن ينتهي بين يوم وليلة.. ولابد له من خطة مكثفة لايفقد فيها عنصر طاقته ولايتراجع فيها طرف عن إرادته.
لقد خاض وزير الصحة من قبل معركة ضارية ضد الممرضات المنقبات.. وواجه عنتا وعنفا لفظيا وحربا لم يسانده فيها سوي روزاليوسف.. وخاض وزير الأوقاف معركة تالية ضد النقاب فكان أن ووضع علي لوحة التنشين من قبل المتطرفين.. وظل هكذا يواجه سيلا من الطلقات كلما أقدم علي خطوة لإصلاح العقل الجمعي العام تجاه مثل تلك الأفكار.. وها هم رؤساء الجامعات ووزير التعليم العالي ومن قبلهم شيخ الجامع الأزهر يواجهون أيضا معركة جديدة.
ليس علينا إلا أن نعتبر هذا كله حربا واحدة من جولات مختلفة.. وأن تتكاتف الجهود ليس لأننا نرفض أن يكون كل فرد حر يرتدي ما يشاء.. حتي لو كان نقابا.. وإنما لأننا نريد أن نحمي صفات البلد.. حتي لا نفاجأ أننا قد أصبحنا مجتمعا أفغانيا من عصور ما قبل التاريخ.. نركب البغال ونطلق اللحي كما سكان الجبال وتختفي نساؤنا خلف أستار من الظلام.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
htt//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.