تعرَّف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 11 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    أسعار الأسماك والبلطي اليوم الاثنين 11 أغسطس 2025    أسعار الذهب اليوم الاثنين 11 أغسطس 2025.. وعيار 24 يسجل 5280 جنيها    سعر الدولار أمام الجنيه اليوم الاثنين 11 أغسطس 2025    موعد صرف مرتبات شهر أغسطس 2025.. اعرف الجدول الجديد بعد الزيادة الأخيرة في الأجور    فجر دموي في غزة.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي يستهدف منازل وخيام نازحين    مسئول أمريكي: تقدم ملموس نحو تسوية سياسية بين روسيا وأوكرانيا    حالة الطقس اليوم في السعودية    موعد بدء العام الدراسي في مصر للمدارس الحكومية والدولية والجامعات 2025- 2026    أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    دولة واحدة دافعت عنها.. انتقادات حادة لإسرائيل خلال اجتماع مجلس الأمن    هدية قطر لترامب تثير الجدل من جديد.. شكوك حول موعد تسليم الطائرة الرئاسية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يرد على تغريدة محمد صلاح.. فماذا قال؟    خبير تسويق: القطن المصري ذهب أبيض.. وفرصة لاقتحام الأسواق الدولية    محافظ المنيا يوجه باستغلال الفصول الدراسية لمواجهة الكثافة الطلابية    حبس التيك توكر «نوجا تاتو» في اتهامها بنشر الفسق والفجور    السيطرة على حريق هائل بمحل دهانات في المنيا    لارا ترامب تتفاعل مع محمد رمضان على طريقتها    حظك اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    6 عادات يومية تؤثر على صحة عمودك الفقري.. احذر منها    قبل موجة الحر الكبرى.. كم سعر تكييف 1.5 حصان في مصر 2025؟    فلسطين تطالب بتحرك عربى فعّال لمواجهة جرائم الاحتلال    رابط نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025 لطلاب الثانوية العامة.. أحدث بيان رسمي من مكتب التنسيق    جمال العدل: الزمالك هو الحياة.. ولا نية للترشح في الانتخابات المقبلة    بعد قرار جون إدوارد.. عبدالله السعيد يتدخل لحل أزمة نجم الزمالك (تفاصيل)    «بشهر أغسطس».. مباريات قوية تنتظر صلاح مع ليفربول في الدوري الإنجليزي    إجمالى إيرادات الفيلم فى 11 ليلة.. تصدر شباك التذاكرب«28» مليون جنيه    تعرف على القائمة الكاملة لفيلم سفاح التجمع    موسمُ الرياض سعوديًّا... وعقلٌ لا يعجبه العجب!    أمين الفتوى: لا مبرر للجوء إلى الحرام.. الله قدّر أرزاق العباد قبل خلقهم (فيديو)    «حد فاهم حاجة».. الغندور يكشف مفاجأة بشأن رحيل كهربا عن الاتحاد الليبي    لدعم صحة أعصابك.. أهم مصادر فيتامين B12 الطبيعية    بروتوكول المناعة الثقافية: وكيف نحصّن هوية أمتنا؟    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    محافظ الفيوم يكرم أوائل الثانوية والأزهرية والدبلومات الفنية    هاني رمزي: ريبيرو يقلق جماهير الأهلي    برشلونة يمطر شباك كومو في كأس خوان جامبر    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    هتقعد معاكي لأطول مدة.. أفضل طريقة لحفظ الورقيات في الثلاجة    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل الصحفي أنس الشريف في غارة على غزة    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    يوسف الحسيني: اجتماع الرئيس بقيادات الهئيات الإعلامية يفتح آفاقًا جديدة للإعلام    تكريم اسم الفنان لطفي لبيب والإعلامي عمرو الليثي بمهرجان إبداع للشباب- (25 صورة)    فرصة ذهبية لطلاب الإعدادية.. تخفيض الحد الأدنى للالتحاق بالثانوي بدمياط    الإسكندرية السينمائي يطلق استفتاء جماهيري لاختيار أفضل فيلم سياسي مصري    سعر السكر والأرز والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    الداخلية تضبط طالبا يستعرض بدراجة بخارية    قرار هام بشأن البلوجر مونلي صديق سوزي الأردنية بتهمة نشر فديوهات خادشة    السيطرة على حريق داخل مخزن مواد غذائية فى الزيتون دون إصابات.. صور    المسلماني: الرئيس لا يريد شعبًا مغيبًا وجاهلًا (فيديو)    استشهاد الصحفي أنس الشريف بقصف إسرائيلي في غزة.. هذا آخر ما كتبه على «فيسبوك»    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    اتحاد عمال الجيزة يضع خطته للتأهيل والتدريب المهني    الشوربجي يشكر الرئيس السيسي على زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين    موعد إجازة المولد النبوى الشريف 2025 للقطاعين العام والخاص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنقبات والعاريات !


الحرب الصامتة ضد مصر
في يوم 4 أكتوبر الجاري أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل السعودية المرسوم الملكي التالي: نحن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.. ملك المملكة العربية السعودية.. أمرنا بأن يعفي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري عضو هيئة كبار العلماء والعضو المتفرغ في اللجنة الدائمة للبحوث والفتوي المتفرعة من عمله.. ويبلغ أمرنا هذا للجهات المختصة لاعتماده وتنفيذه.
هذا القرار المفاجئ وغير المتوقع من الملك كان هو رد الفعل الأهم والأسرع من أعلي مستوي في السعودية علي التعليق أو الفتوي التي أدلي بها الشيخ سعد الشثري في قناة المجد.. محذرا من الاختلاط في جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم التقنية التي افتتحتها السعودية في إطار تحول مهم بدوره قبل أن يدلي الشيخ بما قال بنحو يومين.
القرار الأول جاء لحماية الخطوة غير المسبوقة التي أسست لوجود التعليم الجامعي المختلط في السعودية لأول مرة.. ويمكن القول أن قرار الملك قد ألجم إلي حد بعيد أصواتا كثيفة كانت تستعد للانطلاق في اتجاه انتقاد الجامعة غير المألوفة في السعودية.. وتحريمها والتحذير من الاختلاط فيها.. مما قد يؤدي إلي تفريغ تلك الخطوة التي تمثل نقلة حضارية كبري في المملكة من محتواها.
إن فهم حجم وأبعاد دور هيئة كبار العلماء في السعودية ومدي انتشار تأثيرها وتغلغلها في عقلية المجتمع السعودي وارتباطها بشرعية الحكم السعودي، يمكن أن يحدد لنا ماهية القرار الذي أصدره الملك والرسالة الناتجة عنه.
مفارقات 9002
وفي المقابل فإن مصر ليس فيها إلا جامعات مختلطة.. وهي، تاريخيا، فضت القيود عن المرأة قبل ما يزيد عن مائة عام حين رفع قاسم أمين شعاره العظيم: تحرير المرأة.. غير أنه في العام الذي نالت فيه المرأة المصرية واحدا من أهم إنجازاتها الحضارية والسياسية.. في 9002. أي الحصول علي نسبة مقررة بحكم القانون والدستور من مقاعد مجلس الشعب للنساء.. كان هذا المجتمع مضطرا لأن يخوض جدلا كبيرا ضد انتشار النقاب بين بنات أجياله الجديدة.
مفارقات متنوعة جدا ومؤسفة للغاية تقرأها في المشهد المصري، بخلاف هذا التناقض الزمني بين 11 عقدا منذ عصر قاسم أمين إلي الآن..
مجتمع يرتضي الاختلاط.. لكن بناته يعلن الإصرار علي الانعزال خلف الأستار السوداء.. كل منهن تعيش في خيمتها الخاصة.. خلف حجب آتية من (تورا- بورا) ولايمكن أن تكون متناسقة مع العمر الحضاري للقاهرة.
جيل يفترض أنه يخوض غمار شبابه.. لكنه يذهب بعيدا منجرا وراء كهولة الاختفاء.. دافنا أحلامه.. ومحاصرا لانطلاقه.. وقاتلا لحيويته.. ورافضا للعصر.. كما لو أنه يعيش هجرته الخاصة مذكرا إيانا بسنوات شكري مصطفي الذي أقنع في تنظيم (التكفير والهجرة) قدرا لا بأس به من الجامعيات بأن يهبن أنفسهن لمجتمع جاهل جهول بناه هو في مخيلة ذاته وبعيدا في مكان قصي من المجتمع.
جامعيات.. يفترض فيهن أن يسعين وراء العلم.. فأمسكن بتلابيب الأزمنة الغابرة قبل الأديان.. والانطباع المتوقع منهن هو أن يكن مناديات بحقوق النساء والمساواة.. فإذا بكل منهن تتحول إلي حبيسة في زنزانة اختيارية متنقلة.. ترفض أبسط دلائل الحضارة.. التواصل من خلال وجه معلن.. لكي يبين الرجل من المرأة.. والحق من الباطل.. ويا لها من عقول تريد أن تقود المجتمع في الزمن القادم.
إن علينا أن نحترس لأن العجلة ترجع إلي الخلف.
ومن المثير للدهشة أن القناة التي تسببت في عزل الشيخ السعودي سعد الشثري من هيئة كبار العلماء بأمر ملكي.. أي قناة المجد.. هي نفسها أحد مقومات منظومة فضائية راسخة وواسعة الانتشار.. تروج في مصر وغيرها لفقه النقاب والانعزال ومحاربة التواصل.. والدعوة إلي المجتمعات المنشطرة.. ضد الفطرة.. منظومة تبيع فكرا يعود إلي عصور سحيقة رغم أنها تعتلي قنوات بث فضائي في أحدث منتجات العلم.. الأقمار الصناعية التي من المؤكد أن من بين صناعها عشرات من النساء الغربيات اللواتي شاركن الرجال في عمل بهذه الضخامة.. لكي نأتي نحن بمنتهي التخلف ونحول هذه الآلات إلي وسيلة لركوب ماكينة الزمن ونضبطها علي مؤشر يرجع بنا إلي ما قبل الإنسانية.
العادة والعبادة
ما هذا القرف.. أعلينا في عام 9002 - بينما الإسرائيلية (عداة يونات) تحصل علي نوبل في الكيمياء.. والألمانية هيرتا موللر تنال نوبل في الآداب.. وبينما العالم يفض أسرار تركيبة جينات الإنسان.. ويجهز رحلة إلي المريخ غير مكتفٍ بالقمر - أن نتكلم فيما إذا كان النقاب عادة أم عبادة؟.. وهل علي السلطة في البلد أن تتخذ إجراءات لمنع تسكين المنقبات في المدن الجامعية للطالبات؟.. هل بعد هذا قرف؟!
مال بناتنا؟.. كيف بفريق منهن يخترن العزلة.. ويتظاهرن من أجل أحد أشهر مظاهر التخلف.. ويناضلن من أجل الاعتراض علي الإمام الأكبر لأنه قال لطالبة في مثل عمر حفيداته: أن اخلعي النقاب.. إنه عادة لاعبادة.. فتثور عليه الدنيا.. ويصبح هدفا لهجوم جحافل التطرف.. وبراكين التهييج.. تريد أن تشوه صورته.. وأن تهز مصداقيته.. وأن تستفز كبرياءه.. وأن تشكك في علمه.. فيما لم يكن بين ناقديه من حصل نصف علمه.. وحصد ربع خبرته.. أو اعتلي المنابر بقدر ما اعتلي وخطب ووعظ الناس إلي دين الله.
الهجوم علي صاحب الفضيلة أصبح وسيلة لإلهاب المشاعر.. وارتكاب كبائر في حق علماء الدين.. الناصحين.. الذين كان أمامهم من الجراءة والثقة في العلم بحيث إنه أعلن قولة الحق.. وواجه التطرف بصوت الحكم السليم.. ورفض أن يتراجع.. في حين تلاحقه كاميرات التخلف واستديوهات اللغو الليلي وجرائد لا شاغل لها سوي أن ترتكب أي حماقة بغض النظر عن تأثير ذلك علي شخصية المجتمع.. وتلك نقطة تدعونا مجددا لكي نتساءل: هل رجال الأعمال الذين ينفقون علي تلك الوسائل الإعلامية الخاصة يقبلون منها رسالتها تلك.. هل يريدون مجتمعا منقبا؟
منارات الظلام!
كانت صحف مصر من قبل أهم أدوات تنويرها.. وكان من الشاذ أن تكون أي صحيفة مؤيدة للتطرف.. الآن أصبحت الصحف آليات ترويج وتحريض وإظلام.. وتعج بما يقود المجتمع إلي مزيد من التطرف.. إما بتأييد وتسويق جماعات التخلف.. أو بالمزايدة علي أصوات العودة إلي الماضي.. أو بالاختلاق والتلفيق كما حدث في الواقعة الأخيرة التي تخص شيخ الأزهر.. فناقل روايتها لم يكن موجودا رغم أنه أكد حضوره المشهد في بعض برامج التليفزيون.. ويا لها من مهمة مدمرة تقوم بها الصحافة الخاصة ضد البلد وخصائصه الاجتماعية.
ومن ثم فإن المجتمع بين قبضتي حصار.. سماء تمطر فكرا متطرفا في قنوات سلفية تحض المرأة علي ألا تصافح الرجل وأن تتحول إلي ثقب خيمة متجول إن تجولت.. وأرض تلتهب نارا بصحف تحريض وإغلاق عقول.. لا تنتقد تراجعا ولايعنيها أن تحمل رسالة من أجل البلد.. بل أن تصب مزيدا من البنزين لعل هذا يمكن أن يرفع التوزيع ولو نسختين.
هذه المنظومة هي التي أعاقت ولم تزل محاولات وزير الأوقاف أن يوحد آذان الصلاة في المساجد بدلا من تلك الفوضي التي تعتلي المآذن.. وهي التي ألهبت النار حين قال وزير الثقافة رأيا في الحجاب.. وهي التي شنت حربا بدعوي حرية العقيدة ضد شيخ الأزهر لأنه قال أن النقاب عادة لا عبادة.. وصار عليه أن يفسر من جديد ما أصبح معلوما من الدين بالضرورة.. وأصبح علي المجتمع ألا يناقش الحجاب وإنما أن يجادل في أمر النقاب.
أهذه.. مصر؟!
لقد حذرنا من ذلك قبل ما يزيد علي عامين.. وقلنا أن خوض معركة النقاب بإيقاع هادئ وغير حاسم وجدل شبه صاخب.. سوف يقود المجتمع إلي حالة تفاوض مع التطرف.. بحيث علينا أن نقبل انتشار الحجاب في عام 9002. بدلا من النقاب.. ومضي الوقت بدون حسم.. فأصبح النقاب محل ثبات.. لا يقبل التطرف نقاشا له.. ويعتبر من يقترب منه إنما يرفض حياء البنات.. وحماية الأخلاق من الانحراف.
مرة أخري الذي أعطي مبررا هائلا للادعاء بانفلات المجتمع بحيث تحتاج الأنثي إلي أن تحمي نفسها فيه هو وسائل الإعلام التي روجت لأساطير التحرش في الشوارع كما لو أنها صارت واقعا.. وكما لو أن البنات في مصر يتعرضن للاختطاف والاغتصاب من الرجال الوحوش علي مدار الساعة.. وكما أننا لسنا مجتمعا من 08 مليون شخص.. من الطبيعي أن توجد فيه بعض المشكلات.. تلك صفة المجتمعات.. لو أن كل مواطن من ال 08 مليون حك وجهه بظفر إصبعه لكان علينا أن نتوقع عشرات من الظواهر.. لكن نار الأرض (الصحافة الحمراء) أقنعت الناس بأن الشوارع صارت ملجأ للشياطين فأصبح علي الجميع أن يخشي علي (القوارير الأنثوية) من التكسير.. فأودعن أنفسهن قيود الحماية والصون المسماة بالنقاب.
وصرت تناقش الناس في خطورة هذه الظاهرة.. وتقول أنها تغير في طبيعة المجتمع.. أنها ضد ثقافته.. هذه ليست صورة مصر.. وإذا كانت تتحول فإن علينا أن نقودها إلي الوجهة الصحيحة.. أن ندق أجراس الانتباه حتي يصحو الناس من غفلة الرجوع إلي الخلف.. هذا حقنا.. أن نحافظ علي بلدنا.. وأن نروج فيما بين فئاته النموذج العصري الملفوظ.. إذا كان التطرف يمارس عملية التسويق الدائمة للنموذج الأسود المتخلف طيلة الوقت.
إن من المهم هنا أن نشير إلي أن المحكمة الدستورية المصرية كانت قد أصدرت حكما واضحا لا لبس فيه في مايو 6991، رفض منح الحق لطالبة في أن تدخل مدرسة بنقابها، وفي نص الحكم نجد ما يلي: في كشفها لوجهها أعون علي اتصالها بأخلاط من الناس يعرفونها ويفرضون نوعا من الرقابة علي سلوكها، وهو كذلك أكفل لحيائها وغضها من بصرها وأصون لنفسيتها وأدعي لرفع الحرج عنها.
هذا هو نص الحكم التاريخي غير أن تلك المناقشات تواجه بحجج غريبة.. وردود عجيبة.. فتجد من يقول أن هؤلاء المنقبات الحرائر إنما يمارسن حرية دستورية.. وحقوقا عقيدية.. وأن علي السلطات الإدارية التي تمنع دخول المنقبات إلي المدن الجامعية كنوع من التأمين والأمان.. أن تواجه عوضا عن ذلك العاريات السافرات.. مرتديات (المحزق والملزق) كاشفات البطن والصدر والسيقان.. هذا ما يقولون.. ويتخيلون أننا بهذا سوف نتراجع إلي الخلف.. لئلا نكون من أنصار العري والفجور المصور أمام مستمعي النقاش في المجتمع.
ولكن من قال أن العري هو بديل النقاب.. ومن زعم أن الفتاة التي لاتغطي وجهها وتتحول إلي كتلة من ليل أسود في نهار المجتمع عليها أن تصبح عارية البطن والصدر والساقين.. لا هذه هي مصر.. ولا تلك هي أيضا.. نريد مصر طبيعية.. لا هي معقدة ولا هي منحرفة.. مصر فطرية.. غير شاذة.. أو متطرفة أيا ما كانت صور التطرف والشذوذ.
ثم ما هذا التصور الريفي الكلاسيكي البالي عن أن الجامعة هي بيت العري.. وإنها مرتع للماجنات اللواتي يحاولن إغواء الشباب الغض الغرير؟.. هل نسيتم أن الجامعة بيت العلم.. وأن المعهد الديني بيت علم من نوع آخر.. أم أن الصورة الذهنية الأسطورية المتخيلة التي صنعها التطرف عن الاختلاط جعلت العقول تذهب إلي مساحات من الخيالات العابثة المريضة.
تناقضات مصرية
إن هذه المناقشات تضع أيدينا مجددا علي تناقضات تلخص تناحرات توجزها مجادلات النقاب الجارية الآن.. وهي في حد ذاتها تقودنا إلي عدد من مشكلات المجتمع التي ولابد أن تجد حلا ومعالجة.. بخلاف المواجهة الثقافية الإدارية الحالية.
فمن جانب نحن أمام نقيض ريفي في مواجهة نقيض مدني.. ذلك أن الفتيات المستهدفات بقرار الجامعات العامة هن ساكنات المدن الجامعية.. أي الآتيات من الريف.. والقادمات من مهاجر بعيدة.. ومن المعتاد في أي مجتمع أن تكون هناك فجوة ما بين الفئات المجتمعية التي تنتمي للأماكن الجغرافية المثيلة.. ولكن أن تتسع الفجوة لكي تصبح هوة.. وأن تصبح بنت المدينة رمز العري وبنت الريف رمز النقاب.. وأن تخضع كثير من بنات المدينة للضغط الاجتماعي والديني من بنات الريف - معوما بوسائل متنوعة - فإن هذا يحول الفجوة إلي هوة.. ويؤدي إلي مشكلة كبيرة.. وتغيير مجتمعي صارخ.
ومن جانب ثان نحن أمام صراع طاحن بين المؤسسة المستنيرة المعبرة عن دين سمح غير متطرف.. وبين المؤسسة غير القانونية للتطرف.. الثانية تواصل الطعن في الأولي طيلة الوقت لكي تفقدها مصداقيتها.. ولكي تجعل شرعية تثقيفها للناس بصحيح الدين محل شك وريبة.. وبحيث تجعل الإمام الأكبر بكل ما له من مكانة وقيمة كما لو أنه يخضع للإملاء.. ولايراعي في فتواه وتوجيهه صحيح العلم وصائب الدين.
هذه حرب مستعرة منذ زمن بعيد.. ووجب علينا أن ننتبه إليها من جديد.. أن نوقف الهجوم علي المؤسسة الدينية للمجتمع.. فهي ليست مؤسسة للدولة.. وأن نعضدها ونساندها وأن ندلها علي مزيد من طريق الاستنارة لكي تقف في وجه طغيان التطرف الذي يريد أن يحقق فصاما مجتمعيا يفصل بين الناس ونخبتهم وبين القرية والمدينة وبين المسئول والمواطن.. من أجل تحقيق هدف بعيد لا علاقة له إطلاقا بالنقاب أو العري وإنما لها علاقة بالسياسة والسعي إلي السلطة.. ولذا يجب أن ننتبه إلي أن الذين يقودون حملة تشويه شيخ الأزهر هم الإخوان المحظورون.
ومن جانب ثالث نجد تناقضا بازغا ناميا بين الرجل والمرأة.. تناقضا يتراوح ويتماهي بين مربعات متقاطعة.. فإما أن الرجل مجرد وحش يجب أن تحتمي منه المرأة.. وإما أن الرجل ينضم إلي معسكر الملائكة الأطهار في مقابل مجموعة أخري من الرجال الشياطين.. وبالتالي تجد أن فريقا من الذكور يدافع بطريقة مروعة عن نقاب النساء وتشعر من الدفاع أن قرار ارتدائه ليس نسائيا خالصا وإنما صدر بأمر رجل قرره للابنة أو الزوجة أو الأخت.. وفي النهاية تتسع الهوة بين الرجل والمرأة ونخرج من مجتمع المساواة والتواصل الذي نسعي إليه ونجاهد من أجله في عصر حقوق الإنسان.
جولات في حرب
تلك جميعا تناقضات معضلات تحتاج إلي عمل كثيف.. لا يجب أن يقف عند حدود إصدار قرارات إدارية بمنع دخول المنقبات إلي المدن الجامعية.. وبمنع تواجد المنقبات في المعاهد الدينية.. الموضوع أعمق من هذا ويحتاج إلي عمل ثقافي وديني وإعلامي وتعليمي مستمر ومتواصل.. لن ينتهي بين يوم وليلة.. ولابد له من خطة مكثفة لايفقد فيها عنصر طاقته ولايتراجع فيها طرف عن إرادته.
لقد خاض وزير الصحة من قبل معركة ضارية ضد الممرضات المنقبات.. وواجه عنتا وعنفا لفظيا وحربا لم يسانده فيها سوي روزاليوسف.. وخاض وزير الأوقاف معركة تالية ضد النقاب فكان أن ووضع علي لوحة التنشين من قبل المتطرفين.. وظل هكذا يواجه سيلا من الطلقات كلما أقدم علي خطوة لإصلاح العقل الجمعي العام تجاه مثل تلك الأفكار.. وها هم رؤساء الجامعات ووزير التعليم العالي ومن قبلهم شيخ الجامع الأزهر يواجهون أيضا معركة جديدة.
ليس علينا إلا أن نعتبر هذا كله حربا واحدة من جولات مختلفة.. وأن تتكاتف الجهود ليس لأننا نرفض أن يكون كل فرد حر يرتدي ما يشاء.. حتي لو كان نقابا.. وإنما لأننا نريد أن نحمي صفات البلد.. حتي لا نفاجأ أننا قد أصبحنا مجتمعا أفغانيا من عصور ما قبل التاريخ.. نركب البغال ونطلق اللحي كما سكان الجبال وتختفي نساؤنا خلف أستار من الظلام.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
htt//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.