وزير العمل يصدر قرارًا وزاريًا بشأن تحديد العطلات والأعياد والمناسبات    مستشفى العودة في جنوب غزة يعلن توقف خدماته الصحية بسبب نفاد الوقود (فيديو)    بعد حذف ب"طلب منها"، البنتاجون يعدل بيانه بشأن الضربات ضد "داعش" في نيجيريا    القلاوي حكما لمباراة الأهلي والمصرية للاتصالات في كأس مصر    معركة العمق الدفاعي تشغل حسام حسن قبل مواجهة جنوب إفريقيا    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    غلق الطريق الصحراوي بالإسكندرية من البوابات بسبب شبورة تحجب الرؤية    إذاعي وسيناريست ورسَّام، أوراق من حياة الدنجوان كمال الشناوي قبل الشهرة الفنية    الطرق المغلقة اليوم بسبب الشبورة.. تنبيه هام للسائقين    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 26 ديسمبر 2025    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 ديسمبر في بداية تعاملات البورصة العالمية    ترامب: نفذنا ضربات قوية ضد «داعش» في نيجيريا    شعبة الأدوية: موجة الإنفلونزا أدت لاختفاء أسماء تجارية معينة.. والبدائل متوفرة بأكثر من 30 صنفا    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    وداعا ل"تكميم المعدة"، اكتشاف جديد يحدث ثورة في الوقاية من السمنة وارتفاع الكوليسترول    انفجار قنبلة يدوية يهز مدينة الشيخ مسكين جنوب غربي سوريا    الشهابي ورئيس جهاز تنمية المشروعات يفتتحان معرض «صنع في دمياط» بالقاهرة    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    استمتعوا ده آخر عيد ميلاد لكم، ترامب يهدد الديمقراطيين المرتبطين بقضية إبستين بنشر أسمائهم    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    أمن الجزائر يحبط تهريب شحنات مخدرات كبيرة عبر ميناء بجاية    مصدر سوري يرجح توقيع اتفاق أمني سوري إسرائيلي قريبا    زيلينسكي يبحث هاتفياً مع المبعوثَيْن الأميركيين خطة السلام مع روسيا    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    وزير العمل: الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ستوفر ملايين فرص العمل بشكل سهل وبسيط    ارتفاع حجم تداول الكهرباء الخضراء في الصين خلال العام الحالي    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    حريق هائل في عزبة بخيت بمنشية ناصر بالقاهرة| صور    محمد فؤاد ومصطفى حجاج يتألقان في حفل جماهيري كبير لمجموعة طلعت مصطفى في «سيليا» بالعاصمة الإدارية    «اللي من القلب بيروح للقلب».. مريم الباجوري تكشف كواليس مسلسل «ميدتيرم»    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    متابعة مشروع تطوير شارع الإخلاص بحي الطالبية    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    محافظة الإسماعيلية تحتفل بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق بحفل "كلثوميات".. صور    تطور جديد في قضية عمرو دياب وصفعه شاب    جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    أمم إفريقيا - لاعب مالي: نريد الفوز باللقب وإعادته إلى باماكو    واعظات الأوقاف يقدمن دعما نفسيا ودعويا ضمن فعاليات شهر التطوع    أخبار مصر اليوم: سحب منخفضة على السواحل الشمالية والوجه البحري.. وزير العمل يصدر قرارًا لتنظيم تشغيل ذوي الهمم بالمنشآت.. إغلاق موقع إلكتروني مزور لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المسئول عن حال البلد.. الشعب أم الحكم؟

الطرف الثالث الهارب عمداً من الأعباء والمتفرج بطريقة المتذوقين
ببساطة يمكن لأي متابع للساحة المصرية، وما يدور فيها من سجالات ونقاشات..تبدو حيوية علي أي حال، أن يفرز الآراء المتبارية فيجدها موزعة بين فريقين لا ثالث لهما.. حين يكون موضوع النقاش هو (حال البلد): فريق يري أن المسئولية تقع علي الناس..أي الشعب.. وفريق يؤمن باقتناع تام أن العبء يقع علي الحكم والنظام العام.
لقد ساهمت باجتهادي في هذا السجال بطريقة، وأخريات غيرها، وكان آخر ما كتبت مجموعة من المقالات حول سلوك الناس في مصر.. وكيف أن علينا أن نصلح ما في أنفسنا حتي نغير ما في قومنا.. وفي الأسبوع الماضي أضفت إلي تلك المقالات في عمود (ولكن) في روزاليوسف اليومية مقالا عنوانه (صباح الدلع).. وتلقيت ردود أفعال متنوعة أغلبها إيجابي عليه وعلي مقالات سبقته في نفس الاتجاه.
غير أني لا أريد أن أصنف ما أكتب علي أنه ينتمي للفريق الذي يري أن المشكلة تكمن في الناس.. كما أني لست من أولئك الذين يرون أن كل الشرور في هذا البلد تعود إلي ممارسات ينسبونها إلي نظام الحكم.. وطبيعة الدولة وعلاقات تفاعلها الداخلية والخارجية.. بل من الأساس لا أري أن هناك مصيبة كبيرة جدا تستوجب هذا النزال بين متقابلين: ..أي الناس والحكم؟.. لأنني في الأصل لا أفترض نزالا بينهما.. فضلا عن أني لا أفصل بين هذا وذاك.. فالحكم ابن بيئة وطبيعة الشعب.. والحال ليس علي هذا القدر من الشرور التي يصورها أنصار وضع الحكم في خانة المذنب الذي لا إصلاح له.. وفق ما يقولون.
الطرف الثالث.. الهارب
أنا من فريق، أرجو له أن يتبلور كتيار بوضوح أكبر، يقسم المسألة بطريقة مختلفة.. من حيث توصيف الحال.. ومن حيث تقسيم أعباء المسئوليات.. فلا يقصرها علي فريقين وإنما يضم لهما فريقا ثالثا.. وهكذا أشخص الإشكالية كما يلي:
1- الحال إجمالا بخير. لكن الوعي التاريخي والفخر الحضاري للمواطن المصري يدفعه إلي أن يطلب المزيد.. بحيث يؤمن أنه يستحق ما هو أفضل..وإن بلده يستحق ما هو أكثر استنادا إلي تراث عريض من الإنجازات التي حققها الشعب.. وإلي عدم رضائه عن المستوي الذي بلغناه.. رغم كونه يعتبر تقدما كبيرا جدا عما كان عليه الحال في نصف القرن الأخير.
2- إن في داخلنا إحساسا هائلا بأن متغيرات العصر سوف تفرض علينا تحديات أكبر مما نواجهه الآن.. وأن علينا أن نستعد لها وأن نتصدي لأوضاع سوف تحتاج إلي المزيد من التطوير والإصلاح.
3- إن معادلة المسئولية تتوزع بين ثلاثة أطراف.. لااثنين فقط: (الحكم)، ويشمل ذلك النظام العام ومجموعة قواعد التفاعل وأشخاص الإدارة، و(الشعب) بعموم فئاته وكل تكويناته، و(النخبة) التي تتقمص حالة التذوق المنفصل عن الواقع غافلة عن دورها.. فهي تعتبر نفسها حكما بين طرفين، بينما هي شريك أصيل في الحال إن كان خيرا أو عكسه.. وهي التي يجب أن يقع علي كاهلها جل العبء.. فبسبب تشرذمها وتقطع أوصالها وعدم وجود سياق جامع لها وتناقضاته المروعة وعدم حسمها لأمور كثيرة.. كان أن انعكس هذا علي المجتمع كله.
الانقسام النفسي
ولست أقصد في حديثي عن (النخبة)، أن أضم إليها من يمكن أن يكونوا فيها من (النخبة السياسية الحاكمة)، ذلك أن مفهوم النخبة يتسع لكي يشمل من بلغوا مواقع القيادة في العمل السياسي.. ولكني أقصد بها (مثقفي مصر)، طليعتها التي يفترض أن تكون فاعلة، لها دور في التنوير والتغيير، سواء كانت تضم السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الإعلامي أو الديني أو الفكري.. أو غير ذلك.. المثقفين ورجال الأعمال ورجال الدين والكتاب والمفكرين والعلماء وقيادات الرأي علي تنوع مجالاتها وآرائها.
بالطبع ،لاتوجد نخبة في أي مجتمع لديها توافق عام علي كل التحديات والقضايا المثارة فيما حولها.. لكن علي الأقل من المفترض أن يكون هناك نسق عام يجمعها.. وحد أدني يمكن أن يلم شملها.. لا يمكن مثلا أن تجد في الولايات المتحدة أحد أطراف النخبة يقف مناصرا للإرهاب.. وإن دافع عن حقوق الإرهابيين في استجواب قانوني نزيه.. ولا يمكن أن تلمس اتجاها قويا ومؤثرا في النخبة البريطانية يرغب في تغيير طبيعة النظام الملكي وأن يحول بريطانيا إلي جمهورية.. ولا يمكن أن تجد في النخبة الفرنسية من يناقض مبادئ الثورة التي تقوم عليها الجمهورية ولو اختلف مع ساركوزي في مسألة الحجاب والنقاب.
لكن المشكلة التي نعانيها الآن في مصر هي أنه لا يوجد نسق جامع شامل لنخبتها.. هناك حالة شرذمة منقطعة النظير.. انعكست علي حال الناس الذين ليس عليهم أن يخوضوا نقاشا متعمقا لوضع أجوبة عن أسئلة معقدة تواجه بتحدياتها البلد.. ومع رسوخ التشرذم فإن الحيرة بين الفئات المختلفة للمجتمع تعمقت.. وساد تردد وضبابية هائلان.. ولم يعد هناك قوام يمكن أن يجتمع عليه الناس.. بخلاف مصريتهم.. فهي المشترك الباقي الذي يحفظ للبلد تماسكه.
البلد موحد جغرافيا.. مترابط مجتمعيا.. دولته واحدة.. لكنه منشق علي ذاته نفسيا.. وهذا يعرقل تقدمه.. ويعطل نموه.. ويعوق نضجه العصري.. تتجاذبه النزاعات الثقافية العريضة.. فلا يمكنه أن يحسم مسائل حيوية.. ويبقي تائها.. هذا يريده في جانبه.. وذاك يريده ناحيته.
الهروب الكبير
دعني أطرح عليك بعضا من المعضلات التي تتهرب النخبة من أن تضع لها سياقا أو تبحث لها عن إجابات.. فتعين الحكم.. وتقود الشعب إلي الطريق.. لكي تعرف إلي أي مدي نحن نعاني من مشكلات عميقة:
# من نحن؟ ما هي هويتنا؟ ما هي مواصفات تلك الأمة.. بما يموج في تاريخها وجغرافيتها وانتماءاتها من تنوع؟.. هل نحن عرب.. أم نحن مسلمون.. إذن أين مسيحيونا.. أم نحن متوسطيون..ولو كنا كذلك أين عروبتنا.. أم نحن أفارقة.. أم نحن مصريون فحسب؟.. وإذا كنا مصريين فحسب ما هي مواصفات المصري ومرجعياته؟..هذه مسألة حين تحسم فإنها تضع حلولا لعشرات من الأمور المصيرية.. وتجعل قدرتنا علي مواجهة تحديات متنوعة أبسط بكثير مما نعاني الآن.
# كيف نريد دولتنا؟.. مدنية أم دينية.. وحين نقول أنها مدنية فهل نعني أن تكون علمانية.. وإذا كانت علمانية كيف يمكن أن نوظف مكوناتها الدينية أم أن علينا أن نحيدها.. فتكون عناصر تلك الثقافة أيا كان انتماؤها هي فقط في علاقة العبد بربه وفي إطار تنظيم القانون لحرية العقيدة.. وإذا كنا نريدها دولة دينية.. بالطبع إسلامية.. فكيف يكون مصير ملايين المسيحيين وقليلين غيرهم ينتمون لعقائد أخري؟
# وعلي أساس المعضلتين السابقتين.. تنبني المعضلة التالية: كيف يكون تفاعلنا مع الآخر.. حولنا.. في الدائرة الأضيق من الإقليم والدائرة الأوسع من العالم.. أهو خصم.. أهو شقيق.. أهو عدو.. أهو منافس.. أهو شريك.. أو إنسان.. أهو تابع.. أين نحن منه.. هل هو أرقي منا.. أم نحن أرقي منه.. ألدينا خصائص تجعلنا الأخيار وغيرنا أشرارا.. أم أن التفاعل يقوم فقط علي أساس المصلحة.. هل لدينا ثأر ما؟.. مع من؟.. هل صداقتنا للبعض أبدية.. هل عداؤنا لا نهاية له؟
# كيف نتعامل مع متغيرات العالم.. ما هو تفاعلنا مع العولمة.. أهي غزو.. أم أنها ثقافة لابد أن نندمج فيها.. كيف نحمي هويتنا من الذوبان.. وقبل أن نحميها أليس علينا أن نحددها أولا.. وحين نحددها ونقرر أن نتفاعل.. إن قررنا.. ما هو إسهامنا الذي نتوقع أن نقدمه للعولمة.. أم سنكون متلقين إلي الأبد؟
# كيف نريد نظامنا الاجتماعي والاقتصادي.. هذه مسألة تختلف عن البرنامج السياسي الذي يمكن أن يطرحه حزب ما.. وإنما تتعلق بتصورنا للمنظومة التي نرتضيها للبلد في صناعة مستقبلها.. بحيث تكون الأسس المتفق عليها ثابتة.. وإن تغيرت التفاصيل مع تغير الحكومات مختلفة البرامج.. ما هو دور الرأسمالية الوطنية.. وما هو دور الرأسمالية الأجنبية.. وما هو دور رأسمالية الدولة.. هل الفرد مسئولية الدولة أم أنه مسئولية نفسه أولا.. ومن ثم ما هو دور الدولة.. أهي منظم.. أهي راع.. أهي حام.. أهي حكم.. أهي كل هذا؟
# هل نحن مسالمون أم نحن محاربون.. وإذا كنا مسالمين فهل نحن مثل سويسرا.. وإذا كنا نفترض احتمالات الحرب.. فمتي نحارب وضد من.. ما هي انحيازاتنا.. وكيف نغيرها.. إن بيننا من يعتقد حتي اليوم أنه كان يمكن أن نحسم عشرات من الأمور حولنا بالحل العسكري.. فهل هذا جائز.. ومتي.. وكيف.. وفي أي أرض؟
الفجوة مع الحكم!
هذه المعضلات هي بعض من كل.. وهناك غيرها يفرض تحديات أشرس.. ولست أفترض حين أطرحها أن أطلب العودة إلي نصوص الدستور.. وهو ببساطة العقد المتفق عليه تشريعيا بين الشعب والدولة.. ويحدد كثيرا من تلك الأمور.. لكنه لم يحسم مثلا مسألة الهوية.. فضلا عن أن قطاعات من النخبة لم تزل تطرح نقاشا حول بنود فيه.. لا أقصد البنود المنظمة للتفاعل السياسي.. وإنما أقصد مثلا المادة الثانية حول المصدر الرئيسي للتشريع.. ومثلا المادة الخامسة حول تدخل الدين في السياسة.. ومثلا - بدرجة أقل - المادة الخاصة بنصيب العمال والفلاحين في المؤسسات البرلمانية والممثلة لفئات الشعب.
كما أني لا أقصد حين أطرح تلك المعضلات أن أعود إلي إجابات الدولة عليها من خلال الممارسة اليومية.. فهي تضع علي مدار الساعة (أي الدولة) إجابات مختلفة لكل معضلة منها.. حسب المصلحة الوطنية.. ووفقا لاعتبارات الأمن القومي.. ولكن هذا لا ينفي أن من يعارضونها يعودون لطرح المعضلات علي الناس.. بدون أن يقدموا إجابات محددة.. وصولا إلي نتيجة يقدمونها وهي أن هناك فجوة بين الناس والدولة.. هي تسير في طريق وهم في طريق.
وعلي الرغم من أني لست مقتنعا بأن تلك الفجوة موجودة.. من حيث الشرعية.. لأن الدولة تتخذ قراراتها وفقا للمصالح العليا للبلد وفي إطار قانوني يجعل تلك القرارات معبرة عن الشرعية.. ولكني أتحدث عن الفجوة التي تسببها النخبة في نفوس الناس.. فتشعرهم بأن ما يجري لا يعبر عنهم بقدر ما يعبر عن توازنات تقوم بها الدولة.. في الداخل أو في الخارج.. ويبدو القرار وفق هذا التشخيص كما لو أنه اضطراري.. إجباري.. فالسلام نحن مضطرون إليه.. لكنه كما تقول قطاعات من النخبة ليس قرارنا.. والوحدة العربية مثلا حلم نحن نريده لكن العالم لايريده لنا.. ونحن مجبرون علي أن نتغاضي عنه.. والناس تريد حسب ما تقول قطاعات من النخبة - كمثال إضافي - دولة دينية.. ولكن البلد لا يمكنه.. أن يلجأ إلي هذا الاختيار ترضية لقوي الضغط في العالم الخارجي.. ومن ثم فإن كل المطالبين بها إنما يتعرضون للاضطهاد لأن الحكم يخضع لضغوط ضد ثقافة المجتمع.. هكذا يقولون .
الإجابات المطلوبة
وحين أتحدث عن ضرورة أن تضع النخبة تصورات محددة لإجابات علي تلك المعضلات.. وغيرها.. فإنني لا أقصد بالطبع أن يتطوع أحدنا فيكتب مقالا في جريدة.. أو يلقي بكلمة في ندوة.. أو يخرج لكي يعبر عن شطحاته وتذوقاته في برنامج تليفزيوني.. هذا كله فعل ليس له وزن حقيقي في بناء عقول المجتمعات وتحديد توجهاتها.. وإنما أتحدث عن بناء معرفي متراكم يكون قيد العمل المنظم الذي تجبر النخبة نفسها عليه.. وبحيث تخضع لواجباتها ومسئولياتها التي تفر منها بالانغماس المتوالي والمستمر في سجالات لا قيمة لها علي المدي البعيد.
لقد شخص أحدهم، في مقال له الأسبوع الماضي، مشكلة البلد بأن سببها يعود إلي (استبداد النظام).. باعتباره - حسب توصيفه - منبع الشر ومنبت المعاناة التي قال إن المجتمع يعيشها.. وهو تشخيص يلجأ إليه الأيديولوجيون الذين تورطوا في تصنيف أنفسهم علي أنهم خصوم سياسيون للنظام أكثر من كونهم نخبة مجتمعية صادقة.. تقوم بدورها.
لقد تحولت فئات مختلفة من النخبة إلي العراك السياسي ولا أقول إلي النضال السياسي.. ويعود هذا في جزء كبير منه إلي تراكم تاريخي في علاقة النخبة بالدولة.. إذ بعد الانفتاح الفكري والثقافي الذي تميزت به قبل الثورة.. كان أن تحولت النخبة إلي تبعية الدولة في الفترة التالية علي نشوء ثورة يوليو 2591. تلك التبعية حولت النخبة إلي آلة دعاية للدولة أكثر من كونها آلية إعمال ثقافي وتفكيري وتنويري في المجتمع.. فلما رفعت الدولة يدها عن النخبة كان أن جرت متغيرات كثيرة.
هكذا راح فريق مصدوم من أثر نكسة 7691 ليسجن نفسه في تيه الهزيمة.. والانكفاء عليها.. وراح فريق ثانٍ من النخبة لأسباب سياسية يبقي علي انحيازه ضد الدولة في شكلها وتوجهها الجديد في السبعينيات وما تلا ذلك.. ومضي في خصومة مستديمة.. وراح فريق آخر يرتبط شيئا فشيئا بثقافة البترو دولار وترويجاتها.. وراح فريق رابع يعيش حالة اغتراب بعيدة عن المتغيرات.. ونجح التيار الديني في أن يستقطب فريقا خامسا يردد مقولاته ولا يضيف حتي إلي تنظيراته.. وفي التسعينيات وما تلاها تبلور فريق سادس من المستغربين المرتبطين باتجاهات وأجندات المجتمعات الأوربية والأمريكية.. وبقي فريق ضئيل من الحريصين علي الواقع المصري ومقومات مجتمعه يتناثر هنا وهناك.
إن النخبة في هذا السياق لم تعد جديرة بمكانتها في أغلب الأحوال.. لا هي تجتهد.. ولا هي تقوم بدورها.. ولا هي تخلص للمجتمع.. وإنما تتبع هوي أجنداتها المختلفة والمتنازعة.. وتتبع أهواء السياسة.. بدلا من أن ترتقي عليها.. وهي حالة لو بلغتها - أي الارتقاء - لكان الحال أفضل بكثير.. بدلا من أن تصدر نفس النخبة شرذمتها إلي الناس.. فتبقيهم في حالة تيه لابد من مخرج لها.
آليات الفرز
ولانريد دولة يمكن أن تجند النخبة لكي تردد وراءها ما تشاء.. ولكي تقوم هذه النخبة بتسويق خطاب الحكم.. نريد عقلا حرا مضافا ومخلصا.. أجندته وطنية.. وبرنامجه مصري.. وإذا كانت الدولة تتحمل قدرا من العبء في أنها كان يمكن أن تخلق المناخ الذي يؤدي إلي فرز النخبة النشيطة والفعالة والقائدة.. بدلا من الإجراءات التي تؤدي إلي تقييد هذا الفرز وإعاقة التفاعل الإيجابي الذي يمكن أن يقدم للساحة غير هذه الوجوه المكرورة والمتكررة.. فإن بلوغنا حالة ثرية لبلورة نخبة مبدعة قادرة علي التفكير العام لصالح البلد يؤثر بلا شك في يسر وسهولة أداء الدولة لمهماتها وحمايتها للأمن القومي وتقدمها بمشروع النهوض.
ولنناقش الوجه الأول لتلك الفكرة السابقة.. مثلا: ما هي معايير حصول هذا المثقف أو ذاك علي جوائز الدولة؟ هل كلها تخضع لقيمته الحقيقية أم أن هناك عوامل أخري تساهم في نيل التقدير؟ لاشك أن هناك عوامل أخري.
مثلا: هل الحياة الجامعية في مصر تتمتع بأجواء تمكنها من أن تقدم صفوفا متتابعة من أصحاب العقول في مختلف المجالات؟.. للأسف الجامعات لا يمكنها بالوضع الحالي إلا أن تقدم قدرا كبيرا من الموظفين والمدرسين الذين لايمكن تصنيفهم علي أنهم نخبة بالمعني الحقيقي للكلمة.
مثلا: هل مناخ البحث العلمي في مصر قادر علي تفجير الطاقات وإفراز القدرات المتنوعة؟..الإجابة معروفة.. فالميزانيات محدودة والبيروقراطية حاكمة والصراعات ليست بين مدارس فكرية وإنما بين أصحاب مصالح وأهداف.
مثلا: هل لدينا في مصر نشاط ثقافي ثري بالمعني الشامل الذي لايقتصر علي الأدباء والشعراء.. بحيث لايجعل البلد قبلة للمؤتمرات غير السياسية والاقتصادية وإنما أيضا مقصدا لأنشطة التفاعل الفكري المختلفة؟.. للأسف لا يوجد ما يساعد علي هذا.. ومن ثم فإننا نفتقد أحد أهم آليات الفرز.
مثلا: هل الظرف السياسي يتيح المناخ المناسب للنقابات المهنية باعتبارها أحد أوعية النخبة أن تقوم بدورها كأدوات تفكير.. وجمعيات قادرة علي إرساء القواعد والأصول وبالتالي فرض سياقات علي المهنيين فلا يتحولون إلي لاعبين متفرقين في مختلف الأنحاء والأنواء؟.. لايتيح الظرف السياسي هذا.. وإن كانت الجماعات المهنية وجماعات التطرف تتحمل أعباء كثيرة من مسئولية هذا بعد أن تركت النقابات لتيارات التطرف فحادت بها عن مهمتها.
مثلا: هل هناك إجراءات قادرة علي تحفيز المجتمع المدني ليكون بإمكانه أن يقدم أوعية مختلفة للتفكير وتقديم الخبرات.. بخلاف التعريف القاصر للمجتمع المدني علي أنه جمعيات اجتماعية خيرية ومنظمات حقوقية.. تعمل علي أجندات خارجية؟.. العكس هو الصحيح.أقول هذا وأنا مقتنع تماما من أنه لايمكن أن تنزع من ذهنية كافة أفراد النخبة المصرية إيمانهم العميق بدور الدولة وريادتها في إحداث التحولات.. منذ نشأت الدولة الحديثة في عهد محمد علي.. بغض النظر عن كل التقولات التي يرددها أشد خصوم الدولة والحكم ضدهما.
أوجه الفوائد
إن الوجه الثاني لتلك الفكرة هو أن الدولة تستفيد إيجابيا من المسعي الواجب اتخاذه لحشد النخبة المصرية في سياق له ملامح.. ولا أقول له اتجاه سياسي.. كما يستفيد كل المجتمع بالتالي من هذا.. والأدلة علي ذلك كثيرة:
1- عديد من برامج الإصلاح في مختلف المجالات في مصر.. وجدت عرقلة مضادة.. وإعاقات سلبية.. منعتها من أن تحدث التقدم.. نتيجة لتورط فيالق من النخبة في العمل ضدها.. لأسباب سياسية بغض النظر عن المصالح العامة. (كمثال: مدنية الدولة - برنامج الصكوك الشعبية - تنظيم الإعلام - دعم الطاقة وما يماثله - عديد من الإصلاحات الاقتصادية- الزيادة السكانية.. وغيرها).
2- كثير من الحوارات العامة حول مسائل مصيرية كان يمكن أن تصل إلي بر التوافق الوطني لو أنها لم تخضع لأعراض انقسامات النخبة.. ومنها: العلاقة مع إسرائيل - دور التيارات الدينية في الحياة الديمقراطية - موقفنا من إيران المهيمنة والتوسعية.. وغيرها.
3- يؤدي هذا الحشد الإيجابي، وليس التجنيد للنخبة من قبل الدولة، إلي منع نشوء ثغرات في الجدار العقلي المصري.. تظهر آثارها الجسيمة في أزمات مختلفة ومنها علي سبيل المثال أزمة غزة الأخيرة التي راحت دول تحرك فيها اتجاهات مناوئة للمصالح القومية.
4- هذه البلورة سيكون لها الأثر الأكبر في عملية إعادة تأهيل المجتمع للتفاعل مع متغيرات العصر.. وقبوله بتحدياته.. ومن ثم تغيير سلوكيات الناس التي تهدر كثيرا من جهد الإصلاح في مختلف المجالات.. نتيجة لأن النخبة تشعر الرأي العام بأنه بصدد مسألة خلافية.. أو في بعض الأحيان يتعرض لمؤامرة من قبل الدولة التي يتم تصويرها علي أنها عدو وخصم ومصدر كل شر.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
WWW.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.