ظهر كل يوم تتوجه شيماء وساندرا وجون وغيرهم الملايين في انحاء العالم الي محال ومنافذ بيع المخبوزات بأنواعها بدءا من الخبز التقليدي وصولا الي الكعك حيث ينفق الملايين من الناس في انحاء العالم المليارات لشراء احتياجاتهم من منتجات القمح الذي يعد عنصرا رئيسيا من عناصر الغذاء..وهو ما رشحه ليكون السلاح القادم للسيطرة علي العالم!! فقد ادي الحظر الذي اعلنته روسيا في شهر أغسطس2010 علي صادراتها من القمح الي تنامي المخاوف من نتائج تلك الخطوة الأحادية الجانب خاصة وانها قد فتحت بقصد او بغير قصد ملف الإستخدام السياسي للحبوب القمح علي وجه التحديد في تحقيق اهداف السياسات الخارجية للدول. فعلي الرغم من تأكيد روسيا علي ان قرارها بحظر صادراتها من القمح قد جاء نتيجة موجة جفاف شديد الي جانب الأثار السلبية للحرائق الضخمة التي اجتاحت مناطق زراعة القمح في البلادفإن إحجام ثالث اكبر مصدر للقمح في العالم عن تصدير محصوله لمدة شهور قادمة فتح تساؤلات حول الإستخدام السياسي للقمح. فقبل شهور من اعلان القرار الروسي وقبل نشوب الحرائق واستفحال الجفاف ظهرت في وسائل الإعلام الأمريكية بوادر القلق من القدرات المتنامية لروسيا في مجال السيطرة علي اسواق القمح العالمية.وأتت تلك النظرة التنافسية مصبوغة بالتنافس بين روسيا من جانب والولاياتالمتحدة من جانب اخر في مجال القمح واستخداماته السياسية قبل الإقتصادية. فالولاياتالمتحدة مازالت تذكر انها كانت من كبار مصدري القمح لروسيا خلال عقد التسعينيات وحتي بدايات القرن ال21 عندما تمكنت روسيا من العودة بقوة الي سوق صادرات القمح بحلول عام2002 وهي تحتل حاليا المركز الثالث عالميا خلف الولاياتالمتحدة التي تحتل المركز الأول.اما ما يزيد من قلق واشنطن فهو ربطها بين تزايد حصة روسيا في سوق القمح العالمي من جانب والتراجع الذي شهدته حصة الولاياتالمتحدة في ذات السوق خلال الأعوام القليلة الماضية وظهرت تنبؤات تشير الي ان استمرار التقدم الروسي في انتاج القمح قد يمكنها من احتلال المركز الأول عالميا في تصدير القمح بحلول عام2019. والسيطرة علي سوق صادرات القمح يعني الكثير خاصة للولايات المتحدة التي توظف تفوقها في مجال تصدير القمح سياسيا. ولم يكن من الغريب ان يصدر فريق مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بالولاياتالمتحدة تقريرا حمل عنوان له مغزاه الواضح الذي لا يحتمل اللبس..'تشجيع الأمن الغذائي العالمي:استراتيجية تحقيق زعامة الولاياتالمتحدة للإنتاجية والأبحاث الزراعية والتجارة'.وجاء التقرير نتاج جهود فريق عمل بزعامة يوحنا توتل و ثلاثة من ابرز اعضاء الكونجرس وهم ريتشارد لوجر وروبرت كيسي وبيتي ماك كولم.وكانت مهمة الفريق هي التوصل الي توصيات بشأن تعامل امريكي استراتيجي طويل الأمد مع الأمن الغذائي العالمي.. وتمت مناقشة التقرير والتوصيات بهدوء في غرفة الاستماع الخاصة بلجنة' العلاقات الخارجية' بمجلس الشيوخ في الكونجرس. ويبدو ان الساسة في انحاء العالم وعلي مر التاريخ قد ادركوا أهمية التوظيف السياسي للقمح منذ وقت مبكر فقد عكفت الدول علي اجراء الدراسات ووضع الخطط والإستراتيجيات لاستغلال القمح في تحقيق اهدافها الخارجية تجاه الدول الأخري.وتذكر الكتب السماوية ان مصر الفرعونية كانت اول من وظف القمح لذلك الغرض علي يد نبي الله يوسف ابن يعقوب عليه السلام بعد ان نصح الفرعون باتخاذ تدابير لحفظ الحبوب في سنابلها خلال سنوات الخصب السبع استعدادا للإستعانة بها اثناء سنوات الجدب السبع وهي السياسة التي اقرها فرعون مصر. وعندما حلت سنوات الجدب وانتشر الجفاف في مصر والبلاد المحيطة تمت الإستعانة بما في السنابل من حبوب لتوفير الغذاء للشعب وقدمت مصر العون لدول الجوار لتتجاوز سنوات المجاعة بسلام مما أمن لها الريادة والزعامة بين كافة الممالك المحيطة المعروفة في ذلك الزمان دون حرب وانما لأسباب أخلاقية دينية وبمزيج من الإرادة والمعجزات الإلهية والحكمة. ولكن وفي اعادة حديثة لإنتاج تلك السياسة قامت الولاياتالمتحدة بتوريد القمح لأعدي أعدائها الإتحاد السوفيتي اثناء الحرب الباردة لأغراض ذات طبيعة سياسية استراتيجية وهو ماثبت بالفعل عندما اقدم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر(حاصل علي نوبل للسلام) علي اصدار قرار بحظر تصدير القمح الي الروس عقابا لهم علي غزو افغانستان عام1979 واضرارهم بالمصالح الإستراتيجية الأمريكية في تلك المنطقة.ولم يكن كارتر هو اول من مارس الضغوط علي موسكو بواسطة شحنات القمح وانما سبقه الرئيس فورد. ..وبعيدا عن التوظيف السياسي للقمح تتناول اسر شيماء وساندرا وغيرهم المليارات في كافة انحاء العالم منتجات القمح في سعادة غير مدركين ان هناك مليار جائع اخرين ينتظرون فتات القمح وان الأمل اصبح متعلق بزيادة انتاج الغذاء في العالم بمقدار50% لسد أفواه الجياع خلال العقدين القادمين.