أخيرا.. وبعد ثلاث سنوات من المناقشات والمراجعات التفصيلية ستدخل التعديلات المقترحة لقانون حماية الآثار تحت قبة البرلمان صباح اليوم لمناقشتها وإدخالها الي القانون الذي سيستطيع بموجبها معاقبة مهربي الآثار والمتاجرين في تاريخ مصرنا والذين ينبشون في مواقعنا الأثرية بحثا عن الثروة. التعديلات المقترحة وصل عددها الي39 مادة من بين51 مادة يشتمل عليها القانون الحالي الذي صدر قبل27 عاما, بعض التعديلات يغلظ العقوبات والبعض الآخر يستحدث عقوبات مشددة علي جرائم كان القانون الحالي ينص علي عقوبات مخففة عنها. يناقش مجلس الشعب صباح اليوم التعديلات المقترحة بخصوص قانون حماية الآثار117 لسنة1983 فحماية آثار مصر تعني بكل المقاييس حماية لها ولتاريخ وحضارة امتدت إلي سبعة آلاف عام.. تحقيقات الأهرام تعرض هذه التعديلات الجديدة وتناقشها مع الخبراء والمسئولين. أشرف العشماوي المستشار القانوني للمجلس الأعلي للآثار يشير بداية إلي أن مشروع القانون تأخر كثيرا بين أروقة مجلس الدولة والمجموعة الوزارية ولجان مجلس الشعب, واستغرقت مراجعته ومناقشته حوالي ثلاث سنوات.. وفي حقيقة الأمر أنه لم تكن هناك مشكلات فيما يتعلق بالمشروع ولكنه اختلاف ما بين وزارة الثقافة ولجنة الثقافة والاعلام بمجلس الشعب, فقد تقدمنا بمشروع قانون جيد تم من خلاله تعديل39 مادة من إجمالي51 مادة يشملها القانون الحالي الخاص بحماية الآثار وهو القانون رقم117 لسنة1983.. وكانت وجهة نظر لجنة الثقافة والإعلام انه لا داعي لعمل قانون جديد وأن التعديلات المقترحة يمكن أن يتضمنها القانون الحالي.. وبالفعل تمت الموافقة علي ذلك وعاد المشروع من المناقشة العامة منذ شهر تقريبا.. وأخيرا وبالتحديد خلال الاسبوع الماضي لاقت التعديلات المقترحة قبولا وموافقة من اللجنة التشريعية بمجلس الشعب برئاسة د. فتحي سرور حيث تمت مراجعتها والموافقة علي26 تعديلا جوهريا بينما رأي أن ال13 تعديلا الاخري لا داعي لها. وأهم هذه التعديلات كما يضيف المستشار أشرف العشماوي ما ورد في باب العقوبات حيث تم تغليظها لضمان تحقيق الردع.. فعلي سبيل المثال تمت زيادة الغرامات المالية في جرائم تهريب الآثار لتصل إلي مليون جنيه بعد أن كانت50 ألف جنيه فقط في القانون الحالي بالاضافة إلي السجن لمدة15 عاما وقد تم الإبقاء عليها وهي موجودة في القانون الحالي.. وكذلك تشديد عقوبة سرقة الآثار والحفر بدون ترخيص, حيث أصبحت10 سنوات بعد أن كانت7 سنوات كذلك تمت زيادة الغرامة المالية إلي500 ألف جنيه بعد أن كانت50 ألف جنيه. جرائم مستحدثة وهناك أيضا جريمة تم استحداثها وإضافتها إلي التعديلات المقترحة لم تكن موجودة علي الاطلاق في القانون الحالي ولكن الواقع العملي أثبت حدوثها وهي تتمثل في جريمة تجميع آثار بقصد التهريب بمعني إختيار شخص معين لتجميع الآثار لديه تمهيدا لتهريبها إلي الخارج.. فلم يكن هناك أي عقاب يلحق بمرتكبها سواء عن السرقة أو الإخفاء ولكن كانت التهمة تتمثل في حيازة آثر بدون ترخيص والغرامة المالية الخاصة بها هي500 جنيه فقط!! أما الآن فقد أصبحت العقوبة هي السجن لمدة5 سنوات.. وكذلك التعديات علي أرض الآثار سواء موقع أو منطقة أثرية بالحفر أو بالبناء فإن عقوبتها هي السجن لمدة5 سنوات وغرامة100 ألف جنيه وكانت عقوبتها الحبس سنة أو الغرامة500 جنيه أو إحدي هاتين العقوبتين. ولعله من الأمور المستحدثة أيضا أنه أصبح بإمكان القاضي إعفاء مهرب الآثار من العقوبة في حالة قيامه بالإرشاد عن الآثار التي قام بتهريبها أو قيامه بإعادتها مرة أخري.. كذلك تم استحداث مواد جديدة خاصة بالملكية الفكرية والعلامة التجارية في النماذج الآثرية التي يقوم المجلس الأعلي للآثار بعملها مطابقة لمواصفات الأثر الأصلي حيث يتم ختمها بختم المجلس. وبالفعل تم عمل علامة تجارية لقطع الآثار وصور الفوتوغرافيا.. حيث يوجد لدينا بالمجلس الأعلي للآثار بنك صور يتضمن صورا لجميع المواقع الأثرية بتقنية عالية لكي يتم إستخدامها في أغراض محددة مثل إصدار كتب عن الآثار أو لكي تقوم بشرائها الجامعات أو البعثات الأجنبية أو يتم عرضها في المعارض الدولية.. وهذه الصور لها علامة تجارية ويتم استغلالها بتصريح من المجلس الأعلي للآثار كيلا تتم إساءة استغلالها.. كذلك فإنه بالنسبة للتعديات بالبناء علي المناطق الأثرية فإن الوضع الحالي يشهد بقدر كبير من التراخي والتباطؤ وقد التفتت التعديلات الجديدة إلي أن هذه المشكلة ينحصر الأمر بصدور قرار مباشر من الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار بالازالة بحيث تتم خلال مدة زمنية لا تتجاوز10 أيام كحد أقصي.. تراخيص البناء وفي الإطار نفسه فإن رخص البناء في الأراضي المجاورة للمناطق الأثرية.. قد جعلتها التعديلات الجديدة في أيدي جهة واحدة فقط هي المجلس الأعلي للآثار فهو وحده المختص بإصدار هذه التراخيص لتحديد مدي مناسبة ذلك من عدمه.. كما منحت التعديلات أيضا المزيد من الصلاحيات للمجلس الأعلي للتخطيط العمراني لمراعاة تخطيط المدن والألوان والارتفاعات في المناطق المجاورة للمناطق الأثرية.. حيث إن هذا المجلس يعمل تحت رئاسة رئيس مجلس الوزراء وبعضوية وزير الثقافة ولكيلا تصبح مثل هذه الأمور في أيدي صغار الموظفين في هيئة الأثار.. وبالاضافة إلي ذلك فقد تضمنت التعديلات الجديدة تحديد أماكن معينة للباعة الجائلين في مناطق مجاورة للمناطق الأثرية في الأقصر والهرم كي لا تحدث ضوضاء فيها وحفاظا علي البيئة وبانوراما الآثر.. وعلي الجانب الآخر والكلام لايزال علي لسان المستشار القانوني للمجلس الأعلي للآثار فإن التعديلات الجديدة ألغت النص الحالي الموجود في القانون والذي يتمثل في أن البعثات الأجنبية لها الحق في الحصول علي10% من الآثار التي تقوم باكتشافها.. فقد ألغي هذا النص حيث أن الآثار المصرية المكتشفة هي ملك مصر وحدها.. ومن كل ما سبق يتضح أنه لو صدر القانون مشتملا علي جميع هذه التعديلات فإنه يحقق دون شك الحماية الحقيقية للآثار في مصر.. إبراهيم الجوجري وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشعب يلفت الانتباه إلي أن التعديلات الجديدة شملت أيضا حماية للمواطن الذي يقتني مقتنيات أثرية قديمة تدخل ضمن التعريف الجديد للآثر( وفقا للتعديلات) ويتضمن ذلك الاقتناء عن طريق الميراث أو الشراء فتم إضفاء المشروعين علي ذلك وإضافة كيفية استمرار الحيازة والتصرف في هذه المقتنيات أو التنازل عنها للغير بشرط موافقة المجلس الأعلي للآثار. ولا توجد الآن أية عقبات أمام إقرار هذه التعديلات فهناك شبه إجماع عليها الآن حيث يتم عرضها علي البرلمان اليوم الأحد تمهيدا لإقرارها خلال هذا الاسبوع.. جزء من المنظومة د. عبد الحليم نور الدين رئيس هيئة الآثار الأسبق وأستاذ المصريات بكلية الآثار جامعة القاهرة يشير إلي أن القانون هو جزء من منظومة حماية الآثار فليس وحده الكفيل بتحقيق الحماية الكاملة للآثار فهناك آليات أخري إلي جانبه تكفل ذلك منها أجهزة الانذار وتأمين المخازن والاضاءة الأمنية ليلا والحراسة البشرية وكذلك تبصير المواطنين أن الحفاظ علي الأثر له مردود اقتصادي حيث أن الآثار مصدر رئيسي للدخل القومي المصري.. وفي رأينا أن أبرز التعديلات هي تغليظ عقوبة سرقة الآثار مهما كانت طبيعة الأثر فإن مرتكب مثل هذه الجريمة لابد أن يعامل معاملة الخائن لوطنه.. وكذلك الاحتفاظ بالملكية الفكرية للنماذج الأثرية مع ضرورة تشديد الرقابة في جميع قري البضائع ومنافذ الخروج من خلال إدارات الضبطية الأثرية منعا لعدم التحايل بتغليف القطع الأصلية وتهريبها إلي الخارج.. وعلي الجانب الآخر فإننا كنا نتمني كما يضيف د. عبد الحليم نور الدين أن تتضمن التعديلات الجديدة إيقاف حق الحيازة للأفراد, لان القاعدة العامة تقول إن كل أرض مصر أثرية وكل آثارها يجب أن تتبع الأمة من خلال المؤسسات المشرفة علي ذلك. مصطفي شردي نائب الوفد عن دائرة بورسعيد يؤيد التعديلات الجديدة المقترحة ويؤكد أنها اشتملت علي عقاب جنائي رادع لكل ما يتعلق بجرائم الآثار وكذلك منحت مزيدا من الامكانات للحكومة المصرية علي التحرك قضائيا داخل مصر لكل من يقوم بسرقة الآثار أو يحاول التنقيب عنها.. نظرا لأن العقوبات الحالية لم تكن رادعة بل أنها مطاطة إلي حد كبير, فالتشريعات ينبغي مراجعتها علي فترات دورية كي تتلاءم مع آليات كل مرحلة خاصة مع انتشار التطور التكنولوجي الهائل الذي نشهده الآن.. فكل دول العالم تحافظ علي آثارها بطريقتها الخاصة وصناعة المنتجات الفرعونية يجب أن تكون مصر هي رائدتها وهي صاحبة التحكم في النسخ طبق الأصل منها.. وما نلمسه الآن هو وجود اتفاق علي أهمية التعديلات الجديدة في الحفاظ علي تراث مصر.