«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنام الوردي
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 09 - 2010

في المنام الوردي كنت أتمدد مسنودا علي مسند محطوط فوق الحصيرة المفروشة علي سطح دارنا وحيدا‏,‏ متحيرا ومترددا في بداية مشروع القصيدة المقلقة التي ناوشتني وهي تتبدي لي حسبما أتوهم كيانا مكتملا يستحق المكابدة قبل ان يتواجد مكتوبا‏,‏ رغم أنني لم أنشغل أو أفكر طوال حياتي في كتابة قصيدة شعر‏,‏ ولا انشغلت علي هذا النحو بموضوعات الشعرفي صحوي‏,‏ لكنني في المنام الوردي كنت في غفلة خاطفة‏,‏ ثم سمعت رنين هاتف جوال كان محطوطا علي طرف المسند‏,‏ فتناولته مندهشا وبدأت أدوس بخفة علي الزر المخصص لتوصيل صوت الطالب‏,‏ لكن الصوت لم يصل لمسامعي‏,‏ وعاودت الضغط عدة مرات علي الزر المخصص لتوصيل الصوت لأخلص نفسي من رنينه المتواصل‏,‏ يتأكد لي وأنا أحاول سماع الصوت البشري بديلا عن الرنين أنني لم أمتلك في واقع الأمر هاتفا جوالا‏,‏ لكنني لم أكف عن محاولات التواصل مع من يطلبني بهذا الإصرار‏,‏ لعلني بمحض الصدفة لمست ودون قصد أو وعي زرا كان أكثر قدرة علي توصيل الأصوات مكنني من سماع صوت من يطلبني في جهاز لا أعرف كيف انحط فوق المسند وأنا في غفلة الرقاد الخاطف‏,‏ سمعت صوتا مهذبا يحدثني ويسأل إن كنت أنا فلان الفلاني ؟
وأجبته بأنني هو‏,‏ عبر عن سعادته الغامرة لأنه يسمع صوتي شخصيا‏,‏ وبكل الأدب عرفني علي نفسه قائلا‏:‏ أنا ياأستاذ اسمي‏:‏ حسن الساعاتي‏,‏ وممن يتابعون الشخصيات التي تتميز بالوعي والأصالة وتتضح مواهبها في معرفة طبيعة عصر العولمة وضرورة تواصل البشر في كل المجالات‏,‏ وقد حاولت مرارا وتكرارا أن أصل إلي رقم هاتفك أو عنوان مسكنك‏,‏ وعجزت علي امتداد السنوات الفائتة‏,‏ لأن من يعرفونك من أنصاف الموهوبين في مجال عملك أنكروا معرفة عنوان مسكنك أو مقر عملك أو هاتفك الأرضي أو الجوال‏,‏ ولولا مصادفة لم أكن أتوقعها ما توصلت إليك‏,‏ وسامحني لو ذكرتك باسمي مرة أخري لأنني أعرف أن ذاكرة الشعراء من أمثالك تحتاج دوما لمعاودة التعريف‏:‏ حسن الساعاتي‏,‏ وأتمني ألا يتوه من ذاكرتك المزحومة في زحمة انشغالاتك بالعولمة وفوائدها للإنسان في وطننا المصنف ضمن بلدان العالم الثالث ولا أقول المتخلف‏,‏ بمثل انشغالاتك بالشعر وأوزانه ومدارسه وقضاياه‏,‏ وما انجزته وتنجزه في عملك والذي لا يمكن ان يتجاهله أحد‏.‏
كنت مدهوشا لما قاله عني والذي يوشك ان يكون معكوسا لقناعاتي بتلك الدعاوي الرائجة عن زمن العولمة وفوائده بالنسبة لعالمنا الثالث‏,‏ لكنني شكرته علي اهتمامه بما كنت قد أنجزته في مجال عملي خلال السنوات السابقة‏,‏ وعبرت عن سعادتي بسماع صوته‏,‏ وتمنيت له دوام القدرة علي متابعة ما يتم إنجازه في كل المجالات‏,‏ وسألت نفسي بيني وبين نفسي إن كان حسن الساعاتي كلف نفسه بنفسه بعبء المتابعة التي تتطلب سعيا ووعيا أو أن أحدهم كلفه بذلك ؟ وقلت لنفسي إن الأمر لا يخصني في شيء ويلزم تقديره إن كان قد تطوع ليستكشف ما يدور حوله‏,‏ أو أنهم كلفوه ونفذ التكليف في زمن تتزاحم فيه المعلومات والشائعات‏,‏ وكيف أن حقائق كثيرة تتواري وأن أكاذيب أكثر منها تنتشر حول قضية التواصل البشري بين العالم الثالث والعالم الأول والثاني‏,‏ وكأنه لم تكن هناك علاقات متبادلة بين البشر منذ بدايات الحياة علي كوكب الأرض في كل العصور‏,‏ قديمها ووسيطها وحديثها ومعاصرها‏,‏ حسبما هو مسطور وثابت في كتب التاريخ البشري‏,‏ لعل تكرار تلك الدعاوي بفعل ما ينشر في صحف صفراء أو سوداء‏,‏ أو يعرض في قنوات مدسوسة علي أجهزة التلفاز ومواقع النت في أجهزة الكمبيوتر التي يمكن نقلها للهواتف النقالة بهدف تسطيح عقول البشر دون أن يتمكن مسئول في العالم الثالث من منعها أو مصادرتها ولو كان حريصا علي مستقبل وطنه وناسه‏,‏ خلافا لمن يمالئون ويسكتون تواطؤا‏,‏ فيوافقون علي دعاوي التواصل الفاعل بين البشر والتي هي غلاف يداري ما يمكن أن نسميه بالتبعية للأقوي‏,‏ واسترسلت متشكيا مما نراه ونسمعه غصبا عنا ودون اختيارات حرة‏,‏ وكيف أن كل ما أخشاه هو ما سوف يواجهه عيالنا في مستقبل الأيام‏,‏ كاشفا له‏:‏ يكفي أننا كنا نتلهف وننتظر ما يصدر مثلا من الصحف والمجلات والكتب التي تسهم في تثقيفنا وتزويد وعينا الفكري والعلمي والمسنود علي منجزاتنا الخاصة وحضارتنا وعقائدنا‏,‏ دون أن نرفض ثمرات الفكر الإنساني الوافد إلينا دون ترتيبات مسبقة علي امتداد العصور في شبابنا المبكر‏,‏ وبدا لي أنه كان يتسمع ما أبوح به مفتونا ومؤيدا من خلال همهمات الموافقة وآهات الاستحسان فأواصل بحماس المطمئن الواثق‏,‏ لابد أن اندفاعي في الشكاية له تسبب في جفاف حلقي‏,‏ وسمعت حشرجات حنجرتي التي جاهدت أن أداريها عنه لكنها انفلتت غصبا عني وسمعها‏,‏ وبدا لي وهو يعلق علي ما سمعه مشفقا علي حالتي‏,‏ وراح يطلب من المولي جل شأنه سلامتي وسلامة صوتي وحلقي‏,‏ ولعلني تنبهت لنفسي وتباطأت علي نحو واضح خوفا علي نفسي من احتمال أن يبح صوتي أكثرأو ينحبس تماما في مكالمة لم أتوقعها من شخص لم ألتق به وجها لوجه أو حتي أعرف هويته من خلال هاتف نقال أثق بأنني لم أسع لامتلاكه يوما‏,‏ وبصوته المتملق اعتذر لي لأنه واصل الكلام معي كل هذا الوقت رغم أنه عرفني باسمه لأول مرة‏,‏ ثم قال بزهو ممزوج بالتواضع الجم بعد أن وافقته علي السماح له بتقديم هويته بشكل أوضح فقال لي‏:‏
أنا ياأستاذ مكلف ومسئول عن تقديمك أنت وأمثالك للدنيا بأسرها‏,‏ ونأمل أن تقبل دعوتنا لحضور مؤتمر يعقد الأسبوع القادم بواحدة من أهم عواصم العالم‏,‏ ومخصص لشخصيات مثالية تم اختيارها من نشطاء العالم الثالث كله‏,‏ وسوف يسعدنا أن تكون معنا إذا تكرمت وقبلت هذه الدعوي‏,‏ صحيح أن الزيارة ستكون لمدة اسبوعين فقط‏,‏ لكنها بداية تتبعها زيارات وحضور مؤتمرات بعواصم العالم الكبري في شتي أنحاء العالم فيما بعد لتأكيد خصوصيتنا الحضارية‏,‏ وحقنا في علاقات دولية متوازنة مع العالم الأول‏.‏
واصل امتداحي لأنه قرأ ديواني الأخير الذي لم يصدر وانشرح صدره وكمواطن عاشق لوطننا‏,‏ يحاول أن يظل أمينا في تقديم المتميزين في كل المجالات‏,‏ ليكونوا واجهة مشرفة اختارني‏,‏ ولولا تعويقات متداخلة بين بعض المسئولين غير الواعين بأدوارهم في تقديم الأفضل لكنت من أوائل من يسافرون تباعا لتمثيلنا بديلا عن أنصاف الموهوبين الذين يختارهم هؤلاء المسئولون‏,‏ ويكلفونهم بالتعتيم علي أمثالي وتسليط الأضواء أكثر علي من يتبعونهم‏,‏ وقد نجحوا في إنكار معرفتهم بعناوين من يرفضون التبعية أو الطاعة العمياء لسادتهم ممن يمنحونهم مزايا لا تخطر بخيالاتهم أو يستحقونها بديلا عمن يعترضون علي تلك الدعاوي التي شاعت مؤخرا لتقسيم سكان العالم إلي متخلفين وأنصاف متخلفين‏,‏ أو متقدمين موهوبين في كل المجالات برغم قناعتي المؤكدة بأن العالم ينقسم إلي فقراء وأغنياء‏,‏ وضعفاء وأقوياء‏,‏ ومستقلين وأتباع وأدعياء لا يفكرون في مسائل الاستقلال القومي أو تقوية قدراتهم في كل المجالات‏,‏ وهو ما يليق بحقوق إنسان يفكر علي نحو يخصه أو يختاره دون وصاية‏,‏ أوضح لي أن هؤلاء الأتباع تبرعوا بموافقتهم علي تكليفهم بعدم تقديم أي بيانات تخصني وتخص أمثالي‏,‏ حتي ولو كانت رقم هاتف عملي أو سكني أو رقم هاتفي الجوال شأني شأن من يستحقون التوقير والتقدير‏,‏ نظير رضي سادتهم عنهم بإغداق المزايا والمكافات والسفريات وبدلات متنوعة مع مقابل التكليفات التي يتم إنجازها ليكتمل التعتيم تماما وأنتم خارج الساحة‏,‏ ولابد أنني استغربت هذا الكلام‏,‏ وقلت لنفسي بيني وبين نفسي أنه يبالغ ويلزم أن اوضح له أنه احتمال قائم أن يكون قد أخطأ في مقصده عندما طلبني علي وجه التحديد‏,‏ وأنه احتمال قائم أن يكون التباسا ناتجا عن تشابه في الأسماء‏,‏ وربما فكرت بأن أعترف له بأنني لم أشغل نفسي بقضايا العولمة بشكل علني أو مكتوب‏,‏ وربما أبديت بعض الآراء بشكل عارض في بعض المناسبات دون قصد‏,‏ وأنني لم أكتب في حياتي قصيدة واحدة ولا فكرت في كتابة الشعر إلا في هذا المنام‏,‏ ورغم أنني كنت منتشيا وشاعرا أنه حلم وردي سحبني من عنفوان الواقع الصعب الذي أعيشه‏,‏ كنت أود أن أبوح له بأنني لا أملك هذا الهاتف النقال الذي يجدني من خلاله فلم يتح لي الفرصة للبوح أكثر‏,‏ وسألني متوددا عن أسباب صمتي وعدم تعليقي علي تلك المعلومات التي جمعها عني والتي لابد أنها قد غابت عن ذاكرتي‏,‏ تحيرت كيف أجيب علي أسئلته المتتابعة واعتذرت لأن حشرجة لم تكن في الحسبان‏,‏ اعتدت عليها وكأنها إنذار يسبق الكحة الشديدة التي تداهمني في بعض الأحيان‏,‏ فأتوه عن نفسي تماما‏,‏ وأوشك أن أستسلم لملك الموت الذي يحوم بالقطع حولي منذ سنوات‏,‏ لكنه أخرجني من الحالة بسؤال مباغت‏:‏
عفوا وسمحت لنفسي وسألتك إن كنت قد تناولت وجبة إفطارك؟ ليتك تبوح لي بلا خجل مثلما يفعل الشعراء أحيانا رغم مكابداتهم من مصاعب الحياة‏.‏
لا‏,‏ لم أتناولها‏,‏لقد أشعرتني بالجوع عندما ذكرتني بوجبة إفطاري‏,‏ فسامحني لو سمحت وأطلبني بعد ساعة زمن‏,‏ كي أكون جاهزا للحوار المفتوح معك علي مهل وبلا تعجل‏.‏
رائع‏,‏ رائع‏,‏ لقد كنت أتمني سماع هذا التصريح الجسور‏,‏ سوف تتكرم بالنزول الي السوبر ماركت المفتوح تحت العمارة‏,‏ ستجد وجبة إفطارك مغلفة وجاهزة‏,‏ سوف تجرب أنواع الطعام الذي يقدمونه هناك في عواصم العالم الكبري لضيوفنا الواعين والواعدين من أمثالك‏.‏
ولكن
أرجوك يااستاذ‏,‏ المسألة ابسط مما تتصور‏,‏ إنهم ينتظرون تشريفك‏,‏ سوف يتعرفون عليك ويفرحون لأنهم سيسهمون في خدمتك بتسليمك وجبة افطارك‏,‏ وسامحني لأنني مجبر علي إخبارهم بتشريفك من خلال الهاتف النقال الذي أحدثك منه‏,‏ سوف أتابع وصولك وخروجك بعد تسلم وجبة إفطارك‏,‏ عفوا‏,‏ عفوا‏,‏ عفوا‏.‏ قال كلماته الأخيرة متعجلا وسحب الخط فلم يعد هناك صوت غير صوت الصمت لتتأكد وحدتي تماما‏,‏ ولعلني نظرت لكفي فلم أر الهاتف النقال فزادت دهشتي‏,‏ تبدل المكان وبدا لي أنني اطل من شرفة فاخرة وبراح تطل علي شارع فسيح نظيف تتحرك فيه سيارات فاخرة آتية وذاهبة وبينها مساحة تعادل ثلث الشارع وكلها مزروعة بزهور ملونة باللون الوردي والأرجواني‏,‏ وتحيط بها زهور ألوانها بنفسجية وبيضاء وصفراء بخفة‏,‏ وورود نضرة ومتفتحة تجذب وتجبر العيون التي تراها لتأمل البراعة البادية في تنسيقها وترتيبها بخبرة مذهلة‏,‏ وبدا لي إنني سمعت صوته يستعجلني من أسفل العمارة‏,‏ فشعرت بالخجل من نفسي وقررت النزول‏,‏ لابد أنني اندهشت من مكونات الشقة البراح المفروشة بسخاء وبترتيبات واعيه راقية‏,‏ والستائر تبدو في الخلفيات متجانسة تريح العين وتطمئن القلب‏,‏ وتبدي لي أنني صرت مالكا وساكنا للمكان‏,‏ وبأنني سوف أعود إليه بعد مشواري القريب كي أكمل إستمتاعي بما آراه‏,‏ وسألت نفسي كيف تبدل بيتنا علي هذا النحو المفاجئ‏,‏ لكنني وقد اطمأن قلبي لأسباب لا أعرفها لم أتردد في الخروج من باب الشقة أو النزول في المصعد الكهربائي الذي كان العامل يقف خلف بابه المفتوح في إنتظاري باسما‏,‏ دخلت ولم أنطق بكلمة‏,‏ لكنه كان يعرف مقصدي ويهز رأسه بأدب جم ويدوس زر النزول حتي توقف المصعد ففتح بابه لي‏,‏ ورأيته في نصف إنحناءة توقير وتقدير وسمعته يهمس مودعا‏:‏
سأبقي في إنتظار عودة سيادتك ياباشا‏.‏
أو مأت له وخرجت نحو باب العمارة المفتوح الذي بدا لي وكأنه باب قصر‏,‏ وعدد من حراسها يقفون ويرفعون أياديهم فوق جباههم ويؤدون التحية لي‏,‏ رفعت يدي بخفة لأرد علي تحيتهم وخرجت لأتأمل الشارع العريض والزهور تتوسطه وتزينه علي نحو لم أشهد له مثيلا في كل عمري‏,‏ ولعلها كانت محض إلتفاتة خاطفة للناحية اليسري جعلتني ألمح باب السوبر ماركت وقد أومأ لي بعض من يعملون بالعلاقات العامة أو ربما الحراسة لكي أتكرم وأتوجه لبابه المفتوح علي بعد خطوتين‏,‏ فقلت لنفسي إنهم لا يضيعون أوقاتهم مثلما نفعل برضانا أو غصبا عنا ودخلت‏.‏ كان المكان متسعا علي نحو مدهش‏,‏ وكان الزحام البشري للزبائن والرواد يثير الدهشة‏,‏ ربما لأنه كان يتكون من خمسة أو سته طوابق يمكن ملاحظتها من خلال دوائر متابعة حول المحور الكامن في الطابق الأرضي‏,‏ وحركة الرواد تتبدي من خلال تلك الدوائر‏,‏ وتذكرت مجمع التحرير الذي كنت قد عملت في طابقه الثالث في بدايات عمري الوظيفي‏,‏ وإن كانت الفروق بين الحلم والواقع شاسعة وقادرة علي أن تربك الدماغ الصاحي وتدغدغ الدماغ السارح في المنام الوردي‏,‏ فقد توطأت وواصل مشواري مع منام نادرا ما أستمتع بتفاصيله في الصحو أو اقدر علي استعادته مهما حاولت‏,‏ لأنه مهما حدث في وقت الغفلة‏,‏ فقد كنت أقوم من نومي ناسيا مشاهد بهجتي الخاطفة تماما رغم محاولاتي المضنية للتذكر‏,‏ ربما طلبت من نفسي في المنام أن أسمح لخيالي الجامح بأن يسرح بعيدا كيفما يحلو له ما دامت النهاية آتية والصحو محتمل‏,‏ هل تخوفت أن تكون نهاية عمري ستتبدي لي في نفس المنام ككابوس يكبس علي أنفاسي في هذا المكان لينتزع روحي؟ كان الاحتمال قائما في الوعي أو اللاوعي‏,‏ لكنني تجاهلته وتذكرت وجبة الإفطار التي لم أحصل عليها‏,‏ وفي نفس اللحظة رأيت الفتاة صافية الملامح أمامي تبتسم‏,‏ عينان زرقاوان ورائقتان وساطعتان‏,‏ ووجه مرسوم بدقة علي مهل وشعرها الذهبي الناعم جدا يناوش التقاطيع ويداريها أو يظهرها فيفتن الرائي‏,‏ لابد أنني استعدت شبابي الذي ولي منذ سنوات لا أعرف لها عددا‏,‏ وللحظات أوشكت أن اغازلها وأؤكد افتتاني بها بالكلمات التي تحاول أن تصف فتنتها أو بتقصير المسافة بيننا أكثر ولو بالحركة الخفيفة‏,‏ كانت هي تبتسم واثقة من قدرتها علي مراوغتي وتزويد انبهاري بكيانها المنسق علي نحو لم أكن أراه إلا في الأحلام ممزوجا بأجمل جميلات العالم في الزمن الذي عشته‏.‏ أشارت هي بيدها اليمني لأتقدمها ناحية مكتب قريب‏,‏ يقف وراءه أستاذ متأنق وباسم الثغر‏,‏ بينما ينظر لي علي نحو يوحي بالترحيب البالغ‏,‏ وعلي سطح المكتب قرأت لافتة مكتوبة تعرف من يقرأها أن الرجل هو رئيس المجموعة‏,‏ كان يمد يده ناحيتي‏.‏ فمددت يدي وتصافحنا‏,‏ وباشارة من يده سارعت الفتاة بالتوجه ناحية اليسار متباعدة عنا وجلست علي واحد من المقعدين امام المكتب حيث اشار‏,‏ جلس قبالتي وقد اطمأن أنني قبلت دعوته كانت بيننا ترابيزة صغيرة قوائمها وزواياها تلمع زهوا بمعدنها النادر‏,‏ وسطحها ارابيسك مشغول بدقة علي نحو يؤكد خبرة من تصابر ورص القطع الصدفية الملونة علي هذا النحو النادر‏,‏ رفعت نظرتي فلمحت وجه رئيس المجموع يبتسم لي قبل ان يعلق‏:‏
تشريف سيادتك لنا كان حلما حققه‏:‏ حسن الساعاتي‏,‏ ووجبة إفطار سيادتك جاهزة‏,‏ وعفوا لاننا إخترنا الانواع دون ان نستشيرك‏,‏ لان حسن الساعاتي لم يتح لنا معرفة رقم هاتفك النقال‏,‏ وقد قبلنا عذره لانه يعتبر رقم هاتفك سرا لا يحق له ان يبوح به لأمثالي‏,‏ هاهي دودي التي رأيتها وتشرفت بتوصيل سيادتك لمكتبي تحمل الوجبة‏.‏ قال عبارته الأخيرة ونظر خلفي‏,‏ فلم املك غير توجيه نظرتي الي حيث تركزت نظراته‏,‏ فرأيتها تقف ورائي بابتسامتها الصافية وخصلات شعرها الذهبي تغطي علبة مغلقة محمولة بحرص زائد فوق يديها‏,‏ ربما فكرت ان اعفيها من تلك الوقفة او تمنيت لو وضعت الوجبة المغلقة فوق سطح الترابيزة الصغيرة لتشغل حيزا بين قطع الارابيسك المرصوصة بكل الدقة‏,‏ لكنها لم تفعل وظلت واقفة ورائي تماما‏,‏ وبين ظهر المقعد الذي اجلس عليه وبدنها سنتيمترات قليلة‏,‏ تتيح لي ان اتشمم عطرها الفواح الممزوج بانفاسها الهادئة والواثقة من قدرتها علي تأكيد وجودها‏,‏ لكن الرجل أخرجني من حالتي وهو يهمس لي وكأنه يطمئنني‏:‏
أتمني أن تتكرم وتوافق ان تقوم دودي بمرافقة سيادتك لتوصيل وجبة إفطارك الي شقتكم حسب رغبتها وقد باحت بها للكاشير فأشار لي باعتباري مسئولا عن المجموعة‏,‏ ولا يجرؤ اي واحد غيري في هذا المكان ان يستأذنك في مثل هذه الامور الحساسة‏,‏ حتي دودي الواقفة خلفك والراغبة في توصيلك لاتجرؤ‏,‏ أليس كذلك يا دودي؟
قال عبارته الاخير وهو يركز نظراته علي دودي الواقفة في نفس مكانها خلفي مطرقة باستحياء‏,‏ وعيناها تتجاسران وتطلان نحوي في صمت يشئ برجاء كامن‏,‏ وبدا لي وأنا أتفكر بيني وبين نفسي ان الموازين في المنامات الوردية تنعكس تماما حيث يصبح الراغب مرغوبا والمرغوب راغبا‏,‏ ودون تردد هززت رأسي له علامة الموافقة فتفتحت تقاطيعه علامة الرضا التام عن نفسه‏,‏ وسمعت تنهيدة ارتياح من خلفي‏,‏ فتأكد لي ان دودي ستقوم بتوصيلي وهي تشعر بنوع غامض من البهجة لم أكن أتصور أنني قادر علي توليده في نفوس العذاري‏,‏ لعلني استعدت للحظات ما كنت استشعره بصدر شبابي ايام الانفلات المفتوح غير المسئول عن هفواتي في البدايات والخطايا الخاطفة‏,‏ ولعلني استعدت سنوات الاستقرار بعد ان صرت ربا لاسرة تغيرت حساباتها عني‏,‏ فتحولت الي كيس عملة عتيق يلزم ان يقوم بدوره في تلبية مطالب الكل‏,‏ ويسدد الضرائب ويجاهد بغباء ناتج عن العجز عن تحقيق التوازن بين الدخل المحدود وحركة الاسعار الصاعدة دوما دون قواعد أومبررات‏,‏ ولابد ان الرجل اخرجني من الحالة عندما تنحنح لانتبه لوجودي في دائرة اختصاصه لا ازال‏,‏ ابتسمت وهززت رأسي علامة الاستعداد للرحيل‏,‏ وهز هو رأسه ثم أشار بيده يستمهلني وهو يشير ل دودي وكأنه يمنحها مكافأة أو ترقية لم تكن في حسبانها‏,‏ فتحركت ووقفت عند ضلع الترابيزة الخالي امام المكتب فصرت عن يمينها ورئيس المجموعة عن يسارها‏,‏ وعندما انحنت برشاقة ووضعت العلبة المغلفة امامي‏,‏ توجست متوهما أنها ستعتذر عن تنفيذ المأمورية‏,‏ لكنها فتحت العلبة علي مهل وعيناها مركزتان علي وجهي وبدأت تفض كل لفافة لتريني محتوياتها وتصفها بمسميات لم اسمع بها قبلا‏,‏ اسماء بلغات متداخلة ربما نطقت بها بعد دراسات متأنية لاكثر من عشر لغات وافدة من العواصم الكبري في عالمنا المعاصر‏,‏ لعلني تذكرت حسن الساعاتي وحديثه عن العولمة‏,‏ وضرورة ان نتعرف علي الاخر ومنجزاته‏,‏ تنهدت هي وأعادتني لتأمل عينيها وشعرها الناعم المسترسل الهفهاف والذي كان يلامسني علي نحو خاطف فيشعرني بالنشوة‏,‏ وعدت لاسمع عباراتها المتداخلة عن كل لفافة تفضها وتريني محتوياتها‏,‏ اشياء صغيرة الاحجام متنوعة الألوان لها مسميات متباعدة في جذورها اللغوية‏,‏ وبنفس البراعة التي فتحت بها اللفافات اعادتها ملفوفة بخبرة وهي تكرر نفس الكلمات‏,‏ كنت أهز رأسي موافقا علي ما اسمعه دون ان افكر في استعادة اي كلمة‏,‏ ربما اختصارا للوقت أو استعجالا للصعود الي مسكني الجديد لاتناول الوجبة وقد شعرت بالجوع الحقيقي‏,‏ جوع لكل شئ‏,‏ المعدة والمشاعر والأمنيات والرغبات الكامنة بداخلي والتي نادرا ما تتحقق في غير هذه المنامات‏,‏ تنحنح الرجل بعد ان أفلحت في تغليف العلبة‏,‏ كما كانت وعادت لتحملها وتتراجع للخلف خطوتين‏,‏ وكان من اللازم ان أتابع حركته التي بدأها متلطفا وبيده ورقة اخرجها من جيبه وراح يتأملها ويغمغم قبل ان يتكلم بزهو زائد‏:‏
هذه الوجبة المتميزة تقدم في العادة الي رؤساء الدول في العالم المتقدم الذي يلزم ان نترسم خطاه ونتبعه باختيارنا‏,‏ وتكلفة اعدادها تتجاوز كل ما كنت اتصوره في بداية إسناد رئاسة هذه المجموعة لي شخصيا بموافقات مسنودة علي تقارير لم أكن أتصور أن تكتب عني‏,‏ لكنني كنت محظوظا لأبعد الحدود‏,‏ والفضل في أول الامر يرجع لاستاذ الجميع‏,‏ الاستاذ حسن الساعاتي شخصيا رعاه الله وزود حسناته‏,‏ لعلك عندما تعرف ان كل لفافة صغيرة الحجم لها ثمن يفوق تخيلاتك‏,‏ كما كان يفوق تخيلاتي في اول الامر‏,‏ وكلها بالاسترليني واليورو أو الدولار والفرنك‏,‏ ولو بدلتها بعملاتنا المحلية فسوف يكون المجموع باهظا ويتأكد لنا أننا نعيش في عالمنا الثالث الفقير والمتخلف مقارنة بهم‏,‏ ويلزم ان نعي للحاق بهم بوسائلهم البراجماتة هل تفهمني؟ تظاهرت انني لم أفهم مقصده وشرعت في تحسس جيوبي كي أتأكد من إمتلاكي لثمن الوجبة بالعملة المحلية وبحسب ما يحدد هو‏,‏ فوضع راحته علي ظهر راحتي باشفاق ربما ليعفيني من البحث عن ثمن الوجبة باسما وهو يعتذر بنوع من السخرية الخفيفة وكأنه واثق بأنني بالقطع لا أملك الثمن بحسب تقديراته التي حدثني عنها‏,‏ وبطرف عينه نظر الي دودي ولوي عنقه ليركز نظرته نحو باب الخروج من المكان‏,‏ وكانه يامرها ان ترافقني في مشوار العودة‏,‏ فابتسمت هي بخفة واشارت بيدها اليمني باستحياء تطالبني ان اتكرم واقوم لامشي أمامها كما يلزم لعميل مهم ونادر مثلي لكنني تجاهلت إشارتها وقلت للرجل المندهش من بقائي في نفس مكاني‏:‏
سوف اسمح لنفسي بأن أسألك عن تكاليف وجبة الافطار التي حدثتني عنها‏,‏ فلابد أولا ان أكون علي دراية باسعار وجبات الافطار والغداء في بلدان هذا العالم المتقدم والذي دعاني لزيارة واحدة من عواصمه صديقنا‏:‏ حسن الساعاتي الذي كلفك بتجهيز الوجبة‏.‏
لو كنت تفكر في الدفع فليس عندنا مانع‏,‏ بعضهم يسدد لنا فاتورة الحساب قبل ان يخرج من الباب ونحن لانملك الحق في الاعتراض علي رغبات العملاء‏,‏ عفوا يا دودي لانني آمرك بالابتعاد عنا لعدة دقائق حتي ينتهي حوارنا مع الاستاذ‏,‏ وسوف استدعيك إذا لزم الامر بهاتفي النقال‏,‏ تباعدت دودي وبين يديها وجبة الافطار الملفوفة والتي كانت تحملها وتشهدني علي محتوياتها باللغات المتداخلة‏,‏ وكان الرجل يتأملني وكأنه يعايرني بإبعادها‏,‏ لكنني تماسكت ولم يبد علي تقاطيعي بحساباتي انني تأثرت كثيرا‏,‏ وربما استشعرت ان الرجل كان يعاني من إحساس يجاهد ان يداريه كي لا تتأكد لي هزيمته الكامنة علي نحو غامض والتي لم يكن يتصورها أبدا‏,‏ وعندما قمت واقفا في صمت وتحركت دون ان ألتفت إليه‏,‏ كانت دودي هناك في أحد الاركان‏,‏ تتأملني وتودعني بصمتها دون ان تجرؤ علي التحرك من مكانها‏.‏ وعندما خرجت من الباب وجدت ان الشارع الذي رأيته قد تبدل وعاد لحالته السابقة‏,‏ فلا ورود ولا زهور ولا سيارت فارهة تعبر الشارع الضيق من الاتجاهين‏,‏ وبعد خطوات رأيت باب دارنا الذي أعرفه كما اعتدت عليه‏,‏ فدخلت ولم أر رجال الأمن ولا المصعد الكهربائي وعامله‏,‏ وعلي مهل صعدت سلما مألوفا لي لاصعد واتمدد في نفس مكاني السابق مسنودا علي وسادة لم تتبدل‏,‏ وصحيح انني كنت اشعر بالجوع يداهمني ويحرمني من الدخول مرة اخري لنفس المنام الوردي‏,‏ لكنه عندما رن جرس الهاتف الجوال الذي انحط مرة اخري علي طرف الوسادة لم أرفعه من مكانه‏,‏ معاندا رغبتي في تخليص ثأري من حسن الساعاتي ولو ببضع كلمات‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.