ظلت السياسة الفلسطينية طوال السنوات الأخيرة تعيش حالة من التكامل بين برنامجي حركتي فتح وحماس في ظل حالة من الخلاف الجذري بين فكر برنامجي الحركتين. فبينما انتهجت فتح برنامجا يعتمد علي التسوية السلمية والدخول في المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي كانت حماس تستمد برنامجها من مبدأ المقاومة كحل رأته الامثل لإنهاء الاحتلال وظلت الحركتان في حالة توافق كبير تؤدي كل منهما برنامجها بما يخدم الصالح الفلسطيني الذي من الممكن القول انه حقق استفادة معقولة بتوقيع اتفاقية اوسلو عام1993 بعد مفاوضات طويلة بدأت عام1991 بمؤتمر مدريد في أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وطوال السنوات الماضية كانت السيطرة السياسية علي مقاليد السلطة في أيدي حركة فتح التي استطاعت الاستحواذ علي مختلف السلطات للنظام السياسي الفلسطيني والذي يتكون من ثلاث سلطات الأولي تنفيذية وتشمل رئيس السلطة ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي بمقاعده ال132, ويمثل السلطة التشريعية وينتخب أعضاؤه لمدة4 سنوات بالإضافة إلي السلطة القضائية ولم تكن سيطرة فتح علي مقاليد السلطة الفلسطينية متمثلة فقط في رئاسة الراحل ياسر عرفات للسلطة بل امتدت منذ عام1996 بالسيطرة علي مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في ظل مقاطعة لحركة حماس للانتخابات حتي استطاعت حركة المقاومة الإسلامية إحداث ما وصف بالزلزال السياسي بنجاحها في الانتخابات التشريعية عام2006 في فوز لم يستطع المراقبون وصفه إلا بأنه كان خارج التوقعات لتسيطر حماس علي أغلبية مقاعد المجلس التشريعي بحصولها علي76 مقعدا مقابل43 لحركة فتح في انتصار جيد للحركة وبانتخابات وصفت بالنزيهة لتتقاسم بذلك حماس مقاليد السلطة مع فتح بسيطرتها علي السلطة التشريعية مقابل سيطرة فتح علي السلطة التنفيذية بوجود محمود عباس أبو مازن علي مقعد الرئاسة لتبدأ حماس عملها بفشل في تشكيل حكومة ائتلاف وطني بعد رفض كل الفصائل المشاركة بها ويتولي إسماعيل هنية رئاسة حكومة حمساوية خالصة تتمسك بمبادئها كحركة رافضة التفاوض مع إسرائيل ولا تعترف بالاتفاقيات التي وقعت معها بما فيها اوسلو برغم أنه لولا تلك الاتفاقية لما استطاعت حماس الوصول إلي مقاليد السلطة في انتخابات تؤكد حماس ديمقراطيتها, لتشتعل الخلافات بين طرفي السلطة مرورا باقتتال داخلي فلسطيني دموي وإسقاط حكومات وتعيين أخري لتنتهي بسيطرة حركة حماس علي غزة. ومنذ اشتعال الخلاف بين الحركتين كانت القضية الفلسطينية الخاسر الوحيد وبالتأكيد الشعب الفلسطيني الذي عاش حالة من الانقسام لم يشهدها في تاريخه الذي تميز بوحدة الصف والاتفاق علي هدف تحرير الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس ولم تكن تحلم إسرائيل بأجواء مثالية أكثر من ذلك هيأها لها الفلسطينيون أنفسهم لتزداد اسرائيل في تصرفاتها الغاشمة تجاه الشعب الفلسطيني وتنجح في استغلال حالة الصراع الداخلي لتشويه صورة الفلسطينيين كثيرا امام شعوب وحكومات العالم المتعاطفة معهم بإظهار نفسها طرفا بعيدا عن الخلافات وان الفلسطينيين شعب دموي انقلب علي نفسه وابتعد عن السلام ليفقد الفلسطينيون الكثير من تعاطف العالم معهم, وتواصل إسرائيل اعتداءتها المستمرة علي غزة حتي جاءت عملية الرصاص المصبوب مع ديسمبر2008 التي شهدت انتهاكات إنسانية إسرائيلية بشعة علي أهالي غزة مستغلة في ذلك حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي. واستمرت إسرائيل في استغلالها للانقسام الفلسطيني بمواصلتها تجميد عملية السلام التي توقع الكثيرون انتعاشها بعد نهاية فترة حكم بوش للولايات المتحدة ووجود إدارة جديدة برئاسة باراك اوباما الذي أكد مع بداية فترة حكمه اعترافه بحقوق الشعب الفلسطيني وسعيه لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي, بالإضافة إلي حالة الخلاف أو علي الأقل الفتور في العلاقة بين اوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو بسبب الاستمرار الإسرائيلي في بناء المستوطنات بالأراضي المحتلة, وظهور صدامات بين الطرفين لم نعتدها في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة, وهو ما مثل أيضا فرصة جيدة للفلسطينيين بوجود إدارة أمريكية معتدلة ترغب في رعاية السلام وإدارة إسرائيلية تمثل اليمين المتطرف ولكن برغم مرور عام حتي الآن علي وصول اوباما إلي البيت الأبيض لم تنجح القوي الفلسطينية طوال تلك الفترة في استغلال تحمس اوباما تجاه قضاياها ووعوده بالسعي لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي والتي نال من خلالها, وهي مجرد دعاوي ووعود, جائزة نوبل للسلام. ولم تكن القدس والمقدسات الإسلامية في منأي عن خسائر حالة الخلاف الفلسطيني خاصة مع الهجمات الإسرائيلية المتكررة علي المسجد الاقصي وآخرها اقتحام العشرات من اتباع حركة أمناء جبل الهيكل له لولا تصدي المصلين لهم بالإضافة إلي الحفائر الإسرائيلية التي لا تتوقف تحت المسجد في ظل حالة انشغال فلسطيني بصراع داخلي يبدو في ظل استمراره وعدم التوصل إلي اتفاق بين فتح وحماس واستمرار استقلال حماس بغزة وعدم التوصل إلي حكومة موحدة لدرجة أن الشعب الفلسطيني أنه أصبح في حاجة لانتفاضة داخلية سلمية جديدة لإنهاء حالة الانشقاق التي جعلت من الفرقة سببا لضياع الحقوق الفلسطينية. محمود مكاوي [email protected]