انتظر آلاف من المثقفين والمفكرين العرب, ما يسفر عنه اللقاء التحضيري الأول للقمة الثقافية العربية, الذي شارك فيه ممثلون عن مؤسسات ثقافية رسمية, وجمعيات أهلية ثقافية. جنبا إلي جنب مع اتحاد الكتاب والأدباء العرب, واتحاد الناشرين العرب, وأعضاء مجامع لغوية عربية, فضلا عن الهيئة العربية للمسرح, ومعاهد للترجمة, ومراكز دراسات وأبحاث عربية, ومؤسسات إعلامية, ومفكرين, وكتاب وشعراء ومسرحيين عرب ينتمون إلي ثماني عشرة دولة عربية, تحت مظلة جامعة الدول العربية وذراعها الثقافية, المنظمة العربية للتربية والثقافية والعلوم, ومؤسسة الفكر العربي صاحبة المبادرة في الدعوة لهذا اللقاء. كانت توصيات اللقاء التحضيري للقمة المقترحة للطريق التي ستسلكه القرارات التي ستصدرها أول قمة ثقافية عربية, وهو ما دفع كتابا عديدين إلي إبداء الرأي فيما قرأوه من توصيات عن إنقاذ اللغة العربية, والرقي بالتعليم, والارتقاء بالإعلام, وحماية التراث, وصون الملكية الفكرية, والاهتمام بثقافة الأطفال والشباب, وتكريس حوار الثقافات, وإقامة سوق ثقافية عربية, مع دفع حركة الترجمة إلي الأمام. الحوار مع الآخر شهد الاهتمام به توصيتين, إنشاء معهد عربي لحوار الحضارات, واقتراح تأسيس هيئة عربية للترجمة والنشر مرتبطة بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تمثل فيها كل الدول العربية, وأهم مراكز الترجمة والمؤسسات الأكاديمية ودور النشر العربية, ونخبة من الخبراء المختصين. حظيت اللغة العربية, بالاهتمام المستحق فقد ارتأي المجتمعون ضرورة إنشاء مجلس أعلي للغة العربية, يرتبط مباشرة بالقمة العربية علي أن تنشأ له فروع بكل قطر عربي. ثم كان من التوصيات تأسيس مركز عربي لصيانة التراث وحمايته, بهدف رصد وحصر أشكال التراث المادي وغير المادي كافة في الدول العربية. وفي سياق تسويق الثقافة, دعا اللقاء التحضيري إلي ايجاد سوق حية للفنون العربية ومهرجانات سنوية يمولها صندوق دعم, وإنشاء مركز ثقافي عربي ذي فروع دولية, وكانت هناك توصية واضحة بدعم صناعة السينما وأنواع الإنتاج الفني الأخري, مع تشجيع الاستثمار في هذا المجال وتقديم التسهيلات والحماية اللازمة له. أما في فرعي الطفولة والشباب, فقد ارتأت التوصيات ضرورة تشكيل هيئة عربية مرجعية عليا خاصة بتنمية ثقافة الطفل العربي, وتأسيس مراكز بحوث علمية خاصة بالنتاج المعرفي والفني الموجه للطفل علي مساحة الوطن العربي. وهكذا بعد ربع قرن من صدور الخطة الشاملة للثقافة العربية نعود لنجتمع, ونصدر التوصيات ذاتها; أو أغلبها, وكأننا نعترف أننا لم نحقق ما كنا نصبو إليه, وكنت أطمح إلي أن تكون هناك نظرة لتجربة الخطة الشاملة للثقافة العربية, لكي نعي من نجاحاتها وإخفاقاتها ما يكفي لبناء تغيير ثقافي حقيقي واللافت أن كل التوصيات الصادرة جديرة بالاحترام. إن الدور الذي ينتظره المثقفون لأنفسهم هو أعظم مما اكتفي به هنا في تلك التوصيات, فردود مائتي مثقف ونيف علي دعوة إبداء الآراء لاتكفي للتعبير عن أصوات مثقفي أمة بأكملها لذا أري أن تكون هناك توصية بإنشاء مجلس دائم في جامعة الدول العربية يتلقي اقتراحات المزيد من المثقفين, ويتواصل معهم مباشرة, بل ويتابع تلك الإراء المنشورة هنا وهناك لتطويرها وتفعيلها. إن ما يشغل بال المثقف العربي المهموم بأمته, والمتهم لواقعها, والمنشغل بقضاياها, والمخطط لمستقبلها ليس الجوائز والمنح, وإن كان هذا أمرا مهما وضروريا لحماية وضمان استقرار معاشه, بل إن ما يشغله هو حماية فكره وإبداعه, بالدرجة الأولي; حمايته من العزل والمنع والمصادرة والملاحقة, همه حماية حريته في أن يفكر ويجتهد ويقترح وينقد مايراه من أوضاع معوجة في مجتمعه, فالمثقف هو العين الساهرة الفاحصة نيابة عن جموع الناس للأخطاء والاعوجاجات التي تحدث في المجتمع والدولة علي حد سواء, ولابد من ضمانات لحماية هذه العين الساهرة لتؤدي دورها في حماية وتطوير المجتمع, لأن المثقفين هم صمام أمان حماية المجتمع من الانحراف والسقوط. هذا الدور الذي يقوم به المثقفون يحتاج إلي تشريعات حكومية وبرلمانية لحمايته وصونه من المنع والاعتداء, وإلا فلن يجدي حديث عن الثقافة والمثقفين في بيئة لا تحمي الفكر ومنتجيه. ومن أخطر ما غاب عن توصيات اللقاء التحضيري الأول كان مفهوم الثقافة العلمية صحيح أن هناك مفكرين قدمت تثوراتهم الثاقبة حول سمات هدا العصر لما يجعل المفكر العربي البارز السيد يسين حين تحدث عن تحديات الفضاء المعلوماتي, منبها النخب السياسية العربية للوعي بأهمية نشوء نفضاء عام جديد هو الفضاء المعلوماتي الذي يعد أبرز علامات الثورة الاتصالية الكبري وفي هذا الفضاء تتم تفاعلات شتي اقتصادية ومالية وتجارية وسياسية واجتماعية وثقافية لكن لاتكفي الإشارة في توصيات اللقاء التحضيري إلي تعريب المحتوي الرقمي, بل يجب بداية أن يكون لدينا محتوي يفرض نفسه, تستخدم جميع الأدوات للارتقاء به وشيوعه. ان التفكير العلمي سابق للإنتاج المادي وعلينا أن نبدأ في تعليم أبنائنا طرائق هذا التفكير وأدواته, قبل أن نعلمهم استخدام تلك المنتوجات المادية, هذا هو بيت القصيد في نقطة البدء ببناء مجتمعاتنا العربية إن أردنا, وآمنا بضرورة اللحاق بأمم العالم المتحضر.