كانت البداية في جادنسك اي في الجانب الاشتراكي من العالم, هكذا يؤكد المحللون الغربيون عندما يشيرون إلي بدايات سقوط الاتحاد السوفيتي, ولكنهم لايذكرون ابدا حادثين نقابيين عماليين وقعا في الغرب وكانا اشارة إلي بداية الهجمة الرأسمالية علي النقابات. كما كانا ملمحا اساسيا للتحول الرأسمالي في العالم الغربي ولدخول الرأسمالية ذاتها إلي واقعها الجديد, مرحلة العولمة وعلاقاتها, كما كان الحدثان بداية المساس بكل تلك الحريات النقابية الديمقراطية إلي كان الغرب يتشدق بها. كان الأول في المملكة المتحدة, عندما تصدت مارجريت تاتشر القادمة الجديدة إلي رئاسة الوزارة عام1980 للحركة النقابية العمالية في المملكة المتحدة لأقلمة اظافرها تنظيميا وقانونيا ثم هيكليا إعدادا لتحول الرأسمالية في البلاد إلي مرحلة العولمة, أول تصدي لرئيسة الوزراء البريطانية كان في مواجهة حركة اضرابات عمال المناجم التي نظمتها النقابات لرفضها خصخصة مناجم الفحم وصناعاته. تبريرا لتدخلها قالت مارجريت تاتشر ان القطاع العام فشل في إدارة صناعة الفحم واستخراجه وبالتالي لابد من خصخصة هذا المرفق, ورد عليها المضربون ان إدارة الصناعة والاستخراج تحتاج إلي التطوير ولكن في ظل الملكية العامة, وقدموا مشروعهم للتطوير, ولكن انتصرت رئيسة الوزراء وطويت احدي الصفحات الاجتماعية التي اسسها حزب العمال البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية, وحتي هذا الحزب, حزب العمال, الذي امتلك برنامجا اجتماعيا سارت عليه البلاد منذ عام1945 حذف عام1997 اهم بنوده الاجتماعية وهو البند الرابع من برنامجه العام الناص علي دور القطاع العام الاقتصادي القيادي في البلاد, ودعم توني بلير خطوته هذه بشعاره الانتخابيnewlabour..newengland اي حزب جديد بريطانيا جديدة. وكان الحدث الثاني في الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما تصدي رونالد ريجان القادم الجديد عام1980 إلي رئاسة البيت الأبيض لاضراب العاملين في المطارات الأمريكية, وهو ذات العام الذي تصدت فيه مرجريت تاتشر للنقابات البريطانية, في هذا الحدث, استعان الرئيس الأمريكي بسلاح الطيران لفض الاضراب, فبدأت النقابات الأمريكية هي الأخري مرحلة انكماش لحركتها حتي انها استمرت طوال ادارتي ريجان ثم ادارة بوش الاب تعاني من تراجع قدرتها علي ابرام اتفاقيات عمل جماعية لرفع معدلات اجور العمال أو التقدم بشروط وظروف عملهم في الصناعات الاساسية في البلاد العم سام. ولكن هذه الضربات لم تكن لها ان تضعف النقابات إلا بعد ان لحقتها خطوات أخري تدخل في صلب التكوين والبناء الهيكلي لوحدات الرأسمالية الجديدة, منها: ان هذه الرأسمالية التي نادت ثم علت اصواتها لتؤكد حرية انتقال الافراد والسلع والمال, بدأت هي ذاتها بالانتقال من بلدها الاصلي إلي بلدان اخري تتيح لها فرصا أكبر للاستثمار الأكثر ربحا, فتحركها كان من اموالها واستثماراتها الصناعية اساسا, إلي حيث توجد اليد العاملة الرخيصة سواء في أوروبا الشرقية أو جنوب شرق اسيا أو في الاسواق الكبيرة المتعطشة للسلع كالصين, نتج عن هذه الحركة فقدان العمال في البلد الاصلي لفرص العمل وبالتالي تأثرت عضوية نقاباتهم اما في بلدانهم الوطنية فقد ركزت الرأسمالية الجديدة علي الاستثمارات الكثيفة الرأس المال والقليلة العمالة وهي بشكل عام استثمارات تعبر عن التحولات التقنية الجديدة المتصلة بالثورة المعلوماتية والاتصالاتية. ثم وهو ايضا مهم احتضنت الحكومات والمنظمات الدولية برامج لتنشيط المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والتي قيل انها تستطيع ان تصبح صناعات مكملة ومرتبطة بالصناعات الكبيرة ومغذية لها, كما انها هكذا قالوا وبرروا, مشروعات تواجه الفقر بشكل اسرع أو في افضل الظروف تخفف منه, وبذلك نشطت وزادت اعداد شرائح النشيطين لحسابهم في مقابل اعداد العاملين باجر الذين هم دعامة التنظيمات النقابية. واخيرا جاءت الحقبة التسعينية من القرن الفائت واتجهت الحكومات إلي التخفيف من اعباء ومسئوليات الرأسمالية الجديدة تجاه اجرائها حتي تساعدها علي توظيف العمال ولكن في إطار ظروف وشروط عمل جديدة, وضح هذا التوجه بشكل سافر في ظل إدارة بيل كلينتون وكان التوظيف في غالبيته العددية, بلا عقود عمل او بعقود مؤقتة قصيرة الامد تتجدد إذا ارادها صاحب العمل, وبالتالي بات الاجراء لايحصلون علي حقوق العمل الاساسية كالاجازات والعلاوات الدورية أو الضمانات المالية للتقاعد أو الوفاة أو اصابات العمل, وبالاضافة إلي كل هذه الحقوق المفقودة, فقد الاجراء توافر شروط للانضمام للنقابات. ومع التقدم التقني الهائل الذي احدثته ثورة المعلومات والاتصالات لم تعد خطوط الانتاج التقليدية القديمة التي كانت تجمع العمال حولها والتي دارت حولها بدايات مناقشاتهم الأولي والتي قادت إلي تلك التجمعات التي سميت لاحقا بالنقابات, صالحة للانتاج, حلت محلها, بحكم فنون العمل والانتاج الجديدة تنظيمات انتاجية اخري أهم مايميزها انها لاتعمل وفق تجمعات كبيرة ثم انها تكسر وتزيل الحواجز بين العمل الذهني من العمل العضلي وكما ازيلت الحواجز بين قطاعات عمل النساء والتخصصات التقليدية القديمة لعمل الرجال, وبات الجميع يجلسون علي اجهزة تقنية جديدة لينتجوا ذات العمل بذات السرعة وبذات الكمية. اثرت كل هذه التطورات علي بنية الاجراء في كل البلدان وبالتالي علي بنية نقاباتهم, فتراجع عدد المنضمين إلي عضويتها كما تراجع عدد عمالهم الصناعيين بالمقارنة, بعدد اجرائها من القطاعات الاقتصادية الأخري, فكان التغيير كميا وكيفيا في المملكة المتحدة, بلد مولد النقابات ونموها, انخفض عدد اعضاء العمال النقابيين من اثني عشرة مليون ونصف المليون عامل وعاملة عام1980 إلي سبعة ملايين عامل وعاملة عام1994 وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية, حيث النقابات المشهورة باتفاقيات العمل والمفاوضة الجماعية, لم تستطع النقابات إلا في احوال قليلة التحرك باجور عمالها إلي مستوي تحرك الأسعار. وباتت النقابات تطرح اسئلة كثيرة حول طرق الخروج من الحصار المفروض عليها, وهي اسئلة مشروعة لان النقابات مهما تغيرت وتطورت فنون الانتاج وظروفه, لابد ان تبقي لتحافظ علي حقوق الاجراء طالما انفصل هؤلاء الاجراء عن ادوات انتاجهم واستمروا يعيشون علي بيع قوة عملهم للغير.