منذ بداية الأزمة المالية في الولاياتالمتحدةالأمريكية عام8002 ثم انتقالها عبر الأطلنطي إلي البلدان الأوروبية وغيرها من البلدان اتجهت غالبية بلدان الاتحاد الأوروبي إلي إتباع سياسة ضغط في الإنفاق العام. بدأت في اليونان ثم تحركت إلي أسبانيا ثم إلي ألمانيا, والآن تلحق بها حكومة المحافظين في المملكة المتحدة بعد أن نجحت الحكومة في فرنسا تمرير قانون جديد للضمان الاجتماعي يقضي برفع بدء سن الإحالة إلي التقاعد من06 إلي26 عاما, ورفع سن استحقاق المعاش الكامل من سن56 إلي76 عاما. ثم يأتي التعديل الثالث الهام المؤثر علي حجم الاستحقاقات المعاشية الذي نجح الرئيس ساركوزي إدخاله علي قانون الضمان وهو رفع عدد سنوات الاشتراك في الصناديق لاستحقاق المعاش الكامل من5.04 إلي5.14 عام. وتقول الحكومة الفرنسية إن هذه التعديلات المقترحة ستساعد علي ألا يزيد العجز الحالي في صناديق الضمان. وهو العجز الذي وصل عام0102 إلي31 مليار دولار. وعلي أساس ذات الذريعة, تضع الحكومات سياسات التقشف وضغط نظام التقاعد. فرفع سن التقاعد سيؤدي إلي الاستمرار في دفع الاشتراكات بمعدل عدد السنوات التي رفعت وبالتالي يتأجل بدء الإنفاق. فيخف العبء علي صناديق التضامن. مرت هذه السياسات التقشفية في ألمانيا بمواجهة القليل من الاحتجاجات. وفي المملكة المتحدة بدأت حركات التذمر الشعبية لأن سياسات التقشف طالت ما هو أبعد من النظام التأميني. فحكومة المحافظين تتقدم ببرنامج لخفض الإنفاق الحكومي وتسريح000005 مستخدم قطاع عام وحكومي. ولكن واجهت هذه السياسات في فرنسا حالة تذمر ليست جديدة علي النقابات والاجراء الفرنسيين. توحدت وتضامنت الاتحادات العمالية ونظمت الاحتجاجات فملأت التظاهرات العمالية شوارع باريس والمدن الفرنسية الكبري. وتعرض الاقتصاد الفرنسي لخسائر فادحة وفي كل بلدان الاتحاد الأوروبي واجهت برامج التقشف في الإنفاق الحكومي الضغوط وحركات التذمر الشعبية والعمالية, لكنها في النهاية مرت من خلال المجالس النيابية وباتت في موقع التنفيذ وسط انقسام شديد في الشارع الأوروبي. فالأوروبيون بشكل عام يرفضون دفع فاتورة الأزمة المالية بمفردهم. ويريدون دفع هذه الفاتورة بشراكة مع صانعيها من الذين اساءوا إدارة المؤسسات المالية العالمية وقدموا لمجتمعاتهم ميزانيات وهمية تخلو تماما من الشفافية وتتسع للكثير من سوء توزيع الأجور والأرباح والحوافز وحتي التعاملات المالية العامة. لذا تلجأ المنظمات النقابية الأوروبية إلي الحركات الجماعية وإن لم تستطع, هذه النقابات, تعبئة كل جماهيرها للمشاركة فيها. والسؤال الذي يطرح نفسه علينا هو لماذا تحتل المعاشات تحديدا موقعها وسط الهجمات الحكومية من جانب والدفاعات النقابية علي الجانب الآخر؟ لماذا لا تحتل الأجور الآن ذات الأهمية في موقع الصراع بين الحكومات والنقابات ؟ أليست الأزمة المالية واحدة, كما أنها تقع بذات التأثيرات علي الأجور والوظائف المعاشات؟ هذا صحيح, فالأزمة المالية العالمية تقع بتأثيراتها علي العناصر الثلاثة ولكن كانت واستمرت المعاشات تحديدا, كجزء من منظومة تشريعات الضمان الاجتماعي, توجد تحت مظلة حماية الدولة, فالدولة في أوروبا الرأسمالية تحدد الحد الأدني للأجور والمرتبات ولكن تقوم النقابات من خلال التفاوض النقابي علي تنظيم غالبية علاقات العمل بدءا من المرتبات إلي العلاوات إلي الحوافز إلي ساعات العمل الإضافية, وفي كثير من الأحيان تتدخل النقابات تدخلا مباشرا في حالة إقدام الشركات ومؤسسات العمل علي تسريح البعض من العمال والعاملات. فالتفاوض الجماعي وما يليه من اتفاقيات عمل مشتركة يشكلان جزءا أساسيا من بنية العلاقات اليومية بين المنظمات النقابية وأصحاب الأعمال. تنظم هذه الاتفاقيات جميع تفاصيل علاقات العمل في الوحدة مع الالتزام بالإطار القانوني الذي تضعه الدولة منها الحدود الدنيا للأجور والمرتبات. وقد استمرت الدول الأوروبية حامية لمنظومة الضمان الاجتماعي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلي أن بدأت الأزمة المالية وبدأت ذات الحكومات تضع سياسات التقشف بادئة بحقوق الأجراء. وكان معروفا عن المجتمعات الأوروبية الرأسمالية أنها أكثر سخاء من دولة كبيرة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية المالكة لأكبر الاقتصاديات العالمية في مجال الضمان الاجتماعي كمنظومة متكاملة.وكان يقال إن بلدان أوروبا الرأسمالية قدمت هذه الحقوق لأجرائها تحت تعريف مجتمع الرفاهية الديمقراطي ب في مواجهة المجتمع الاشتراكي الذي كان يدعي أنه مجتمع تحالف العمال والفلاحين, والواقع علي حدودها الشرقية. ويقال الآن, طالما سقط هذا المجتمع الاشتراكي بحقوقه العمالية, لماذا لا يعيد مجتمع الرفاهية هذا تنظيم أموره استنادا علي سياسات التقشف الموضوعة لمواجهة الأزمة المالية العالمية الحالية. والحجة المطروحة لإدخال تعديلات علي نظام الاستحقاقات التقاعدية بما يعدل من سنوات الاستحقاق والأعمار حال الاستحقاق امع الأخذ في الاعتبار أن التعديلات لم تقترب من الاستحقاقات في حالات الوفاة أو إصابات العمل إلا فيما يخص عدد سنوات الاشتراك منطقية إذا ما كنا نري هذه الاستحقاقات في إطار التطور التقني والصحي اللذين تغيرا تماما عما كانا عليه الحال بعد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لابد من الاعتراف أن التقدم التقني خفف الكثير من أعباء العمل العضلي الذي كانت تحتاجه العديد من المهن. كما يجب الاعتراف أن انتشار الخدمات الصحية زاد من معدلات الحياة في غالبية الدول المتقدمة, والبعض من الدول النامية. ولكن يجب الاعتراف أن التطورين, التقني والصحي, بتأثيراتهما, علي فنون العمل وعلي الصحة العامة, لم يشملا كل الأجراء في كل قطاعات العمل بنفس الدرجة. فمن الخطأ أن تتعامل الحكومات مع كل العاملين في كل القطاعات بمعايير واحدة. فلا تزال قطاعات عمل تحتاج إلي الجهد, العصبي والجثماني, أكثر مماتحتاجه قطاعات أخري. كما أن التقدم التقني ذاته, وإن كان قد خفف من الجهد العضلي إلا أنه عرفنا علي أشكال من الجهد العصبي الجديد الذي دفع, علي سبيل المثال, عددا من العاملين الفرنسيين في قطاعات الاتصالات إلي الانتحار. وأمام هذه الحقائق الجديدة تملك النقابات جانبا كبيرا من الحق في تحركاتها. وأبسط نموذج لهذه الحقائق الجديدة يأتي من كل من شيلي وأحداثها الأخيرة والانهيارات المتواصلة لمناجم الفحم في الصين. المزيد من مقالات أمينة شفيق