هذا هو الرئيس مبارك يده دائما علي نبض الجماهير وقراراته وتوجيهاته تسبق الحكومة والواقع أن تأمل بعض الظواهر والأحداث الجارية يجعلنا نتساءل وبحق: ماذا تفعل الحكومة بالضبط؟ هل هي مسئولة عن وضع رؤي واستراتيجيات وخطط؟ أم أنها تقوم بعمليات اطفاء حرائق تشب هنا أو هناك مثل انهيار منزل أو هبوط في أرض أو مشكلة مياه أو صرف صحي؟ لماذا تقف الحكومة موقف المتفرج تجاه قضايا كثيرة ترتبط بالمواطن وتمسه وتتخذ موقف الاطفاء إما لشراء خاطر المواطن, وهي مشاعر مزيفة أو لتأجيل حسم كثير من القضايا, وإن كان هذا كله يصب فمزيد من التخلف والتأخر هل تريدون أمثلة؟.. الأمثلة كثيرة سوف نكتفي بطرح بعض القضايا.. لنأخذ مثلا موضوع المياه والزراعة إذ فجأة نكتشف أن المساحة المزروعة بالأرز تبلغ2 مليون فدان, بينما المتوقع نصف هذه المساحة فقط أو أقلها والنتيجة معروفة وهي أن الأرز الذي يعتبر أكثر المنتجات الزراعية شراهة للمياه يلتهم تلك الكمية ويتم تصديرها للخارج بمبالغ بخسة ولكنها ترضي جيوب بعض المصدرين ثم نتباهي بأننا ضاعفنا صادراتنا من الأرز وسنضاعفها طالما لا أحد يحاسب علي المياه المهدرة ولا أحد يحاسب علي أن ذلك تم علي حساب زراعة القطن عماد وكبير الزراعة المصرية. ويضيع القطن وتمتليء خزائن مصدري الأرز بالدولارات وتنام الزراعة والري في سبات عميق. وتعيش البلاد والعباد في تخبط زراعي وانتاج مشوه في بلد المفترض أنه زراعي بالوراثة وتستورد مصر غذاءها والفاكهة والأرز وتصبح أكبر أهم دولة مستوردة للقمح في العالم. وكل هذا يجري أمام بصرنا ولا نتحرك, فالفلاح حر يفعل ما يشاء مادامت المياه ببلاش ومادامت أرقام نجاح صادرات الأرز تشغل الصفحات الأولي في الصحف. وقد تكون هناك غرامات علي هذه التجاوزات, ولكن المناسبات تمحو الغرامات.. أليس كذلك. لقد كان لدي مصر سياسة زراعية مستقرة ثلث الأرض قطن والثلث أرز والثلث الأخير يزرع برسيما, فما الذي حدث وتحولت الزراعة إلي مصيدة العشوائية. مثال آخر وهو البنزين والكهرباء والغاز والطاقة وهي لدينا أمور مستباحة, سواء في استهلاك الفرد أو استهلاك الصناعة, فمثلا تقوم السياسة الصناعية, علي التوسع في الصناعات كثيفة استخدام الطاقة, ومؤخرا تمت الموافقة علي انشاء ستة مصانع جديدة للأسمنت وهي من الصناعات التي تستخدم الطاقة بشكل بشع حيث تصل نسبة تكلفه الطاقة إلي تكلفة الأسمنت حوالي50% أيضا يلاحظ في استهلاك الصناعة من الطاقة أن ثلثي هذا الاستهلاك يذهب إلي مجموعة محددة من المصانع, وهو ما يعني إهدار الطاقة في صناعات تحصل علي الكهرباء والغاز بأسعار مدعمة. وتصبح القضية الآن ليست الاختيار بين الصناعة أو الطاقة, ولكنها البحث عن الاستخدام الأمثل للطاقة وتصحيح كثير من الأوضاع المقلوبة, فمثلا في البنزين يبلغ الدعم5,7 مليار جنيه تمثل17% من اجمالي الدعم الذي تحصل عليه الطاقة والأمر الخطير هنا أن ثلثي دعم الطاقة يذهب إلي الأغنياء, كما أن دعم بنزين الأغنياء يبلغ46% من قيمة اللتر, بينما يبلغ36% من قيمة لتر بنزين90 والسؤال هل عجزنا عن اصلاح هذا الخلل الجسيم في توزيع الطاقة والبنزين؟ ولماذا نقف عاجزين عن طرح حلول أو علاج لهذه المشاكل؟ اننا إذا بحثا في ملفاتنا سوف نجد العديد من الدراسات والتوصيات ولكن يبدو أن أحدا لا يلتفت إليها إلا إذا حدثت الأزمة. إن التأخر في اتخاذ الاجراءات والحلول يضاعف من حجم الأزمة ويزيد صعوبة حلها. هل نطرح مزيدا من الأمثلة فقضية التعليم التي تعتبر أساس مستقبل مصر ومازالت الأفواه تتحدث عن انهيار التعليم ومشاكله وضعف المستوي.. الخ من كل هذا الكلام الذي مللنا الاستماع إليه من كثرته دون أن يبدأ أحد شاهرا سيفه أمام شبح هذا الانهيار ويقول نبدأ من اليوم الاصلاح الحقيقي والهيكلي للتعليم وليست عمليات الترقيع بزيادة رواتب أو بدلات العاملين في العملية التعليمية علي مختلف مستوياتها أو بالحديث عن نظام جديد للثانوية العامة أو إلغاء لسنة في التعليم الابتدائي أو عودتها. هل نضبت عقولنا وأفكارنا؟ هل لا ندرك أن التعليم هو مستقبل الأمة؟ هل لا ندرك أن أمما سبقتنا بالتعليم والتدريب؟ اننا نشاهد أمامنا التعليم في غرفة الانعاش أو أكثر قليلا ثم نتلذذ باللطم علي الخدود والبكاء علي انهياره دون أن يتقدم أحد بكل شجاعة ويتعرض للاصلاح الحقيقي مهما كان الثمن. وأحد الأمثلة البارزة الخبز المدعم منذ بداية التسعينيات أصبح رغيف الخبز والحصول عليه هو الشغل الشاغل للحكومة والمواطن وانتشرت ظاهرة طوابير الخبز وانحدر من جميع النواحي, السعر أصبح مرتفعا والجودة متدنية. ويعتبر الخبز البلدي المدعم هو السلعة الغذائية الوحيدة المدعمة المتاحة لجميع المستهلكين دون قيد ويحصل علي النصيب الأكبر من دعم السلع التموينية حيث يبلغ نحو14 مليار جنيه تمثل72% من دعم السلع التموينية. وتظهر أزمة الرغيف مع كل ارتفاع في أسعار القمح والذي أصبنا بالادمان في استيراده وعجزنا عن زيادة نسبة الإنتاج المحلي, ووقعنا في مصيدة القمح وتصاب الحكومة بالدوار بين ضغط محلي للاستهلاك وضغوط خارجية تتمثل في ارتفاع سعر القمح أو التوقف عن تصديره, وتظهر الأرقام المزعجة حيث يقال إن متوسط استهلاك مصر من الخبز يوميا في رمضان يبلغ250 مليون رغيف, أي كل أربعة أيام مصر تستهلك مليار رغيف, وأن كل10 أرغفة بلدي6 منها قمح مستورد أي أن60% من قمح الخبز مستورد. والسؤال: هل هناك خطر أكثر من ذلك؟ وماذا ننتظر؟ أليست لدينا دراسات وعلماء وخبراء وآباء لزراعة القمح والبحث عن البدائل؟ علي اية حال, إن القصد من وراء طرح مثل هذه النماذج علي سبيل المثال أن وقت الاصلاح قد حان وأن مثل هذه القضايا تحتاج إلي مشاركة الشعب وجدية من الحكومة في اتخاذ القرارات, وتنفيذها يحتاج أيضا إلي تعليم الناس الترشيد والرشادة في الاستخدام, سواء في السلع أو الخدمات كالكهرباء, ومن غير المقبول أن يظهر هذا التقصير المروع في الخدمات دون أن نلتفت إليه بجدية ونتعامل معه بحسم, فالمستقبل لن ينتظرنا, ولن يقبل تأجيل الحلول والإصلاح والسكوت عن الملفات المفتوحة. المزيد من مقالات عصام رفعت