اتجاهات فكرية وسياسية مختلفة، ليبرالية وعقلانية ويسارية وإسلامية، واهتمامات متباينة فلسفياً وثقافياً واجتماعياً لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلو فوق هذه الانقسامات. فالمشترك بين الجميع هو الانشغال الحقيقي الجاد بالحياة ومعطياتها, فلا يملك أحدا أن يدعي الصدق و الإخلاص في الرؤية دون أن يقر بعظمة النبي وتغلغل تأثيره في الحياة اليومية المصرية, ومن ثم في الأدب المعبر عن تلك الحياة بكل ما فيها. هذا ما خلص إليه الكاتب مصطفي بيومي في كتابه الصادر مؤخرا النبي محمد في الأدب المصري والذي يقف بين الدراسات الأدبية والأدب ذاته والاجتماع والدين. حيث يغوص بيومي في أعماق روايات كبار الأدباء المصريين متناولا شخصية الرسول صلي الله عليه وسلم علي مدي قرن من الزمان بداية من طه حسين و إنتهاء ب علاء الأسواني. ويتوقف مدافعا عن أدب نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس من خلال إبراز مدي تأثر شخوص رواياتهم بسيرة النبي وامتثالهم لأحاديثه الشريفة وإضفاء الشعبيون منهم هالات التقديس عليه صلي الله عليه وسلم, أما عبدالرحمن الشرقاوي و يوسف إدريس وصنع الله إبراهيم فقد تمثلوا بشخصية الرسول كداع للحرية والمباديء الإنسانية, و في كتابات يحيي حقي وفتحي غانم تتجلي سماحة الإسلام وإنسانية الرسول وحبه والاحتفاء بآل بيته الكرام مما يبرز مفهوم الدين الشعبي كما كان جليا في قنديل أم هاشم لحقي, وتأتي كتابات طه حسين وبهاء طاهر وعلاء الديب وسليمان فياض لتبرهن علي نبذ الإسلام ورسوله الكريم للتعصب, بينما تحاول شخوص علاء الأسواني البحث في كلمات الرسول المضيئة عن قوة فاعلة تساندهم وتبرر سلوكهم وتضفي عليه المصداقية. ولعل من الملفت أن أيا من الأدباء الذين تتناولهم الدراسة لم يقصد الكتابة عن الرسول صلي الله عليه وسلم بصورة مباشرة بل فعلوا هذا دون قصد كاشفين عن المكانة الراسخة التي يحتلها الرسول الكريم في حياتنا, حتي الأدباء المصريون المسيحيون مثل: يوسف الشاروني, وجميل عطية إبراهيم, لم يستطيعوا النجاة من المؤثرات الإسلامية في أدبهم لتأتي كتاباتهم مؤكدة علي أن الإنتماء الديني المختلف لا يؤثر في النظر إلي الرسول باعتباره عنصرا فاعلا في تشكيل الثقافة المصرية الوطنية التي تتجاوز الدين ولا تهمله. لذا سيظل الرسول محمد صلي الله عليه وسلم معاصرنا, حيا في قلوبنا وعقولنا, وفاعلا مؤثر في تشكيل ثقافتنا و ضمائرنا, وصانعا لقيمنا ووعينا وسلوكنا. تأليف: مصطفي بيومي تقديم: نوال مصطفي صدر ضمن سلسلة' كتاب اليوم' لدار أخبار اليوم