اتجاهات فكرية وسياسية متباينة، ليبرالية وعقلانية ويسارية وإسلامية واهتمامات متباينة فلسفيا وثقافيا واجتماعيا، لكن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، يحلق عاليا فوق كل هذه الانقسامات، فالمشترك بين الجميع هو الانشغال الحقيقي الجاد بمعطيات الحياة دون إغفال مكانة النبي محمد لدي الجميع، والتي لا تتغير وإنما تختلف زاوية رؤية كل فرد عن الآخر لهذه المكانة، هذا هو ما حاول الكاتب مصطفي بيومي إن يوضحه من خلال كتابه الصادر عن سلسلة كتاب (أخبار اليوم) "النبي محمد في الأدب المصري". تناول بيومي علي مدار دراسته التي تنوعت ما بين الدراسة والأدب والتحليل صورة النبي محمد لدي عدد من الكتاب من مختلف العصور وبدأها بالكاتب طه حسين عميد الأدب العربي حيث كان هو الشفيع والمجير والحارس والقدوة والذي يظهر في رائعته الايام عندما يمرض أخيه وهنا يحلم هذا الأخ بالنبي محمد وهو يقول له "لست خيرا من النبي اليس النبي قد مات؟"وكأنه كان يحاول بث الشجاعة والاطمئنان في قلب الصغير. وفي عالم يحيي حقي تتغلغل لغة الأحاديث الشريفة في أعماله فنجده يستشهد بعدد من الأحاديث النبوية التي تحض علي ضبط النسل ويطرح تساؤلات عن إمكانية وجود تناقض بين احاديث الرسول صلي الله عليه وسلم أم لا؟ فيتعرض للقضية بالمنطق العقلي الذي يسعي الي التصالح بين الدين والدنيا، فالرسول الإنسان جاذب لشخصية يحيي حقي والكاتب الكبير ليس فقيها ومتخصصا ليعلم الناس امور دنياهم لكنه منشغل بأمور الدنيا ومدرك إنه لا صلاح بها الا من خلال الوعي الديني المستنير ولذلك يطالب المسلمين من خلال كتاباته باستلهام المبادئ السامية التي حث عليها الإسلام والرسول. وبين روائع أديب نوبل نجيب محفوظ تنتشر أحاديث الرسول وكلماته عبر مختلف شخصياته بغض النظر عن المستوي الثقافي والمكانة الاجتماعية ففي رائعته بين القصرين كانت أم أمينة زوجته شديدة التدين دائما ما تستشهد بكلمات الرسول ومواقفه وتنصح بهما ابنتها وأحفادها حتي يتمكنوا من فهم الحياة الزائلة والتعامل معها فهذه السيدة تعد تعبيرا صادقا عن الإيمان الشعبي العفوي الذي يبجل الرسول ويحترم علماء الدين كافة. ومن اشهر التكوينات اللغوية التي تتخلل عالم نجيب محفوظ تعبير "زارنا النبي" وهو مصطلح يستخدم لإظهار مدي حرارة الترحيب. ويطرح المؤلف من خلال كتابات الكاتب يوسف الشاروني تساؤلا مهما حول إمكانية أن ينجو الكاتب المصري المسيحي من كل هذه المؤثرات الإسلامية في إبداعاته؟ ويجيب بالنفي حيث يطرح تفاصيل هذه الإجابة في الكتابات الأدبية لعادل كامل ولويس عوض ويوسف الشاروني وماهر شفيق فريد وغيرهم . فنجد في مؤلفاتهم أن أكثر الأسماء استخداما هو اسم محمد وهذا ما نجده في مؤلفات الشاروني والمستخلص من هذا ان الإحساس المصري لديه تفوق علي انتمائه المسيحي. كذلك نجد بعض التعبيرات مثل "صلاة النبي علي ....." كما جاء لدي الكاتب في قصته "العيد"، وهو تعبير صادق عن عن الحياة المصرية فهو يرصد ويخزن في ذاكرته الإبداعية ما هو كائن، ثم يعيد إنتاجه كمصري بغض النظر عن إسلامه أو مسيحيته.