جماعة طالبان الموجودة في باكستان أثبتت خلال الفترة الأخيرة أنها ذات تنظيم عال لايستهان به حيث تلقت عدة ضربات موجعة من الجيش الباكستاني والقوات الأمريكية المرابطة في أفغانستان . التي تستخدم الطائرات بدون طيار لضرب أهدافها في داخل الأراضي الباكستانية فما سر هذه القوة التنظيمية لتلك الجماعة ؟. قادة الجماعة أكدوا أنهم يتبعون حاليا استراتيجيات جديدة للتصدي للهجمات الأمريكية, حيث لايتجمعون في مكان واحد لفترة طويلة, كما امتنعوا عن استخدام الهواتف المحمولة وكذلك اكتشفوا نحو02 جاسوسا تم إعدامهم فورا عقب التأكد من أن لهم صلة بالجيش الباكستاني. والحقيقة أن الضربات التي تلقتها الحركة كانت غائرة بدرجة كبيرة حيث تعرض قائد الحركة في باكستان حكيم الله محسود, للاغتيال بعد أن استهدفته غارة أمريكية وكان ذلك بمثابة ضربة قاتلة إلا أن ذلك لم يؤثر علي عزيمة أعضاء الحركة بل استمر العمل المسلح لها الذي لا يتوقف علي الأراضي الباكستانية فحسب بل يمتد أيضا إلي أفغانستان, فكم عملية مسلحة تم التخطيط لها في باكستان وتنفيذها في أفغانستان. فعناصر طالبان الباكستانية والأفغانية متشابكون بشكل كبير. وهنا يتبين مدي قوة تنظيم الحركة وإيمان أعضائها بأهدافهم وهذا أمر غريب. والأمر لايقتصر علي أفغانستان فقد تمكنت الحركة مؤخرا ورغم الضربات التي تعرضت لها من قتل مدير أمن بيشاور إحدي أكبر المدن الباكستانية. فمن أين تأتي تلك القوة رغم حصار الجيش الباكستاني وضربات القوات الأمريكية بالطائرات بدون طيار ؟. والحقيقة أنه للإجابة عن هذا السؤال لابد أن نتطرق إلي نشأة طالبان أصلا فالحقيقة أن حركة طالبان نشأت في باكستان فهي من أبناء المدارس الدينية الباكستانية وهذه المدارس أنشأها سكان منطقة القبائل الباكستانية وهي منطقة محاذية للحدود الأفغانية ولها عادات وتقاليد متشددة وربما متطرفة في كثير من الأحيان. هذه التقاليد أصبحت عنصرا موروثا في تلك المنطقة التي أنشأ سكانها مدارس كل همها تكريس تلك العادات والتقاليد المتشددة بل والمتطرفة في أحيان كثيرة من خلال تدريس مبادئ عن الدين الإسلامي فيها مغالاة وتطرف. ومن هنا يتبين أن تلك المبادئ ليست شيئا مفروضا علي تلك الجماعة التي تعيش في هذا الجزء من الأرض بل هي معتقدات راسخة في وجدانهم فقد أخذوا من الدين كل ما هو مغالي فيه وآمنوا به بل وأقاموا له مدارس تعلمه للأجيال المختلفة. طلبة هؤلاء المدارس كانوا نواة المقاومة ضد القوات السوفيتية التي كانت تحتل أفغانستان فدخل العمل المسلح في دماء هؤلاء الطلبة وكان ذلك أخطر شيء لأن السلاح جعلهم لايتفاهمون إلا بلغته. ومن هنا نفهم أن التركيبة العقائدية لسكان المنطقة التي نشأت منها طالبان الباكستانية تؤيد أعمال تلك الجماعة وتساندها. وبناء علي ذلك نجد أن أفراد طالبان الباكستانية ليسوا منفصلين عن سكان المناطق, التي يختبئون فيها, فهم جزء من سكان تلك المناطق فلايوجد رفض شعبي لهم بل ترحيب ومساندة الأمر الذي يصعب من جهود القضاء عليهم فلو أردت أن تقضي عليهم عليك أولا أن تقضي علي سكان منطقة القبائل الباكستانية والغريب في الأمر أن الحكومة الباكستانية رغم علمها بتلك التركيبة بادرت باستخدام السلاح معهم ولم تدرس إمكانية التفاوض معهم والعمل علي جعلهم يلقون السلاح من خلال عوامل تحفيزية كثيرة يمكن أن تنفذها معهم بقليل من التفكير. والحكومة الباكستانية استفزت تلك الجماعة كثيرا عندما سمحت للقوات الأمريكية بأن تنفذ عمليات ضدهم علي الأراضي الباكستانية فهي بتلك الخطوة أعطت تلك الجماعات ذريعة استخدام القوة وتبرير استخدام السلاح فالجيش الباكستاني ذهب في حملات عنيفة ضد طالبان الباكستانية منذ نحو عامين إلا أن تلك الحملات لم تقطع دابر تلك الجماعة بل مازالت مستمرة وتقوم بعملياتها المسلحة. إذن فالحل لايمكن أن يأتي من خلال استخدام المدفع بل لابد من التفكير في سياسة لتغيير فكر تلك المناطق وموروثها الثقافي وهذا لايمكن أن يأتي بين ليلة وضحاها فالأمر يحتاج إلي وقت وصبر لأن عملية التغيير لايمكن أن تأتي سريعا. إن التغيير في منطقة القبائل الباكستانية لايمكن أن يأتي من خلال السلاح وقمع سكان المنطقة لأن هذا الأسلوب لن يولد إلا مزيدا من العنف وهو مجرد سعي للقضاء علي المرض بطريقة سريعة وهذا أسلوب خاطئ أما التصدي لظاهرة التطرف في هذه المنطقة فلن يتأتي إلا من خلال تغيير سلوكيات هذه المجموعة التي تعيش في هذا الجزء من الأرض وهذا من خلال تغيير حياة هؤلاء الناس وهذا يقع عبئه علي الحكومة الباكستانية التي لم تفعل شيئا حتي الآن للتعامل مع ظاهرة منطقة القبائل الباكستانية.