اثار قرار السلطات الألمانية إغلاق مسجد طيبة في ولاية هامبورج بعد أن تحول إلي ملتقي للجهاديين, ومركز لترويج الايدولوجية المعادية للنظام الديموقراطي الحر في الغرب, علي حد تعبير وزير داخلية الولاية, استياء في أوساط الجاليات المسلمة في ألمانيا. فالقرار لم يصدر فقط قبل ايام قليلة من بدء شهر رمضان ولكنه ايضا سابقة لا مثيل لها, فلم يحدث أن تم إغلاق مسجد في المانيا منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر, ولا حتي هذا المسجد نفسه الذي كان ملتقي لمحمد عطا ورفاقه, فقد اكتفت السلطات الألمانية حتي الآن بوضع هذه المراكز الإسلامية محل الاشتباه تحت الرقابة فقط دون إغلاقها, حتي لا تتم معاقبة اغلبية المسلمين المعتدلين الذين يترددون عليها. اما الآن فإن هذه الخطوة تفتح الباب في المستقبل لتكرارها ضمن إجراءات مكافحة الإرهاب وتضييق الخناق علي التيارات الإسلامية المتشددة في المانيا. وقد وصف خبراء مكافحة الإرهاب قرار إغلاق المسجد بأنه انتقل بالسلطات الألمانية لمرحلة أخري اكثر حزما في التعامل مع الحركات الإسلامية المتشددة التي تتبني فكر تنظيم القاعدة وطالبان وتحديدا السلفية الجهادية التي اصبح انتشارها السريع وتنامي عدد أعضائها بين الشباب الألماني المسلم بالذات هو الشاغل الأول لأجهزة مكافحة الإرهاب في المانيا وفي دول اوروبية أخري. وهناك مخاوف اوروبية عبر عنها رئيس جهاز الاستخبارات الألماني إرنست أورلاو في برلين, من التوسع الذي يشهده نشاط القاعدة, خاصة في المغرب العربي ومنه إلي داخل الدول الأوروبية نفسها, وهناك مخاوف من تجنيد الشباب الأوروبي حديث العهد بالإسلام, لإرساله إلي معسكرات تدريب الإرهابين علي الحدود الأفغانية الباكستانية, ثم إرسالهم بعد ذلك للجهاد المسلح في أفغانستان و أوزبكستان و العراق أو إعادتهم إلي اوروبا لتنفيذ العمليات الإرهابية وهو ما حدث بالفعل. وسر هذا التخوف كما قال اورلاو ان هذه الحركات علي درجة جيدة من التنظيم والهيكلة تمكنها من تنفيذ مخططها. وتشعر المانيا تحديدا بقلق خاص بعد تزايد اعتداءات حركة طالبان علي قواتها في أفغانستان والتهديدات التي يبثها عبر الإنترنت بلغة ألمانية سليمة شبان المان تسللوا من بلادهم وسافروا إلي معسكرات تدريب القاعدة و طالبان سرا بعد أن جندهم دعاة التشدد في مساجد المانيا. ووفقا للأرقام الألمانية فإن من بين اربعة ملايين مسلم معتدل يعيشون فيها يوجد نحو36 الفا من المسلمين المتشددين و29 منظمة إسلامية توصف بأنها متشددة وجميعها تحت المراقبة, ومن بين هؤلاء يوجد نحو مائة شخص يعتقد انهم يشكلون خطرا مباشرا علي امن البلاد. وكشفت الدراسة الهولندية عن أن السلطات الأمنية الأوروبية تعرف اسلوب عمل الجماعات السلفية جيدا وكيفية نجاحها في الوصول إلي عدد كبير من الشباب الألماني و أبناء المهاجرين علي حد سواء. فأعضاؤها ينخرطون تدريجيا في المراكز الإسلامية و الاتحادات ويشاركون في انشطتها بشكل مكثف وعندما يتكون عدد كاف من أنصار الجماعة يطيحون بإمام المسجد او المركز بصورة او بأخري ليتم استبداله بإمام آخر من أنصارهم. يضاف إلي ذلك أن دعاتهم يخاطبون المسلمين بلغتهم الأم ولذلك يلقي الخطاب السلفي المتشدد قبولا من سكان البلد الأصليين في دول مثل المانيا وهولندا و بريطانيا, اما في دول كفرنسا و إيطاليا و إسبانيا فلا تزال السلفية الجهادية ترتبط مباشرة بالتنظيم الأصلي في المغرب العربي. كما تنشر هذه الجماعات خطابها الديني عبر الإنترنت بكثافة, إضافة إلي قدرتها علي تعبئة مشاعر الشباب المجند وإقناعها بأن تنظيم القاعدة وحده القادر علي الدفاع عن الأمة الإسلامية والتصدي للقوي العظمي فيتكون لديهم بذلك ارتباط أيديولوجي بالتنظيم يمكن توجيهه بعد ذلك. ورغم اتفاق الدول الأوروبية علي ضرورة التصدي لهذا التيار بشدة وحزم إلا أن بعضها لجأ إلي اتباع اسلوب الجزرة والعصا. ففي إنجلترا مثلا يري كثيرون ضرورة التحاور مع هؤلاء المتشددين, خاصة أن بعضهم يجد طريقه لنشر خطابهم الديني الموجه عبرقنوات تليفزيونية, مثل قناة الإسلام التي تعد الأكثر شعبية بين مسلمي بريطانيا. اما في المانيا فقد إكتشفت السلطات الأمنية خطأ التركيز علي نشاط هذه الجماعات في المساجد والإتحادات وحدها, نظرا لتعدد منابر الخطاب الديني المتشدد خارجها في الجامعات اوالأندية الرياضية واماكن تجمع الشباب بشكل عام, وخاصة في الأحياء التي تقطنها نسبة كبيرة من العاطلين. بل اكتشفت السلطات ان السجون تحولت إلي ساحة لنشاط المتطرفين المدانين في قضايا تتعلق بالإرهاب فهم يواصلون دعوتهم بين السجناء, خاصة الإسلاميين الألمان العائدين من الجهاد في أفغانستان. لذلك قررت المانيا الاستعانة بأئمة معتدلين للحوار مع هؤلاء الجهاديين ليعدلوا عن أفكارهم, كما وضعت السلطات الالمانية برنامجا خاصا لمساعدة كل من يرغب في الخروج من تحت عباءة دعم الإرهاب.