في رحلتنا مع الأحاديث النبوية الشريفة نعود للوراء لنتعرف علي تاريخ كتابة الاحاديث وتدوينها ومعايير قبولها وتعريف الاسناد وأهم كتبها. يقول د. محمد يونس عبدالعال استاذ الادب العربي بآداب عين شمس أن أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم. هي المثل الأرفع للبلاغة العربية بعد القرآن الكريم وقد كثرت أقوال القدماء والمحدثين عن منزلتها العالية بما اشتملت عليه من روعة البيان وفي ذلك قال الجاحظ أشهر كتاب النثر في الأدب العربي يصف بلاغة رسول الله صلي الله عليه وسلم أو في جوامع الكلم ولم يسبقه الي سحر البيان عربي ولن يشاركه فيه أعجمي,ذلك أنه كان يكره التكلف والتعسف والاغراب في الألفاظ. ويقول د.بهاء حسب الله استاذ الأدب الاندلسي بآداب جامعة حلوان لعبت مصر دورا في العلوم الشرعية خاصة أن الخلفاء وجدوا في التربة المصرية وجه الاعتدال والمثالية واستقر في مصر عدد من العلماء المغاربة ومن أهل جزيرة العرب ممن لعبوا دورا مهما في العلوم الشرعية من بينهم أبوالعباس المرسي والسيد البدوي وابراهيم الدسوقي وأبوالحسن الشاذلي وغيرهم. وقد أهتم أهل مصر بعلم الحديث منذ وطأها حفاظ الحديث النبوي ورواته من الصحابة الكرام وفي مقدمتهم أبو ذر الغفاري والليث ابن سعد. ويقول الدكتور أحمد طه ريان عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر سابقا ورئيس لجنة موسوعة الفقه الاسلامي بالمجلس الأعلي للشئون الاسلامية ان خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز الذي تولي الخلافة عام99 هجرية, كلف محمد بن مسلم بن شهاب الزهري بجمع السنة من مصادرها يوم كان أبو بكر بن حزم واليا علي المدينة, ولكنه توفي سنة101 للهجرة, قبل أن تصل اليه الكتب التي جمعت فيها السنة, وقد أخرج البخاري نص خطاب الخليفة الي ابن حزم انظر ما كان من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم فاكتبه فإنما خفت دروس العلم أي غيابه وذهاب العلماء. ويضيف أنه بعد انقضاء عصر الصحابة ودخول عصر التابعين كانت جيوش المسلمين قد سيطرت علي بلاد فارس وأجزاء من الامبراطورية الرومانية الشرقية فعمل الخبثاء من هذه البلاد علي الكيد للاسلام وأهله, وكانت الفرصة متاحة لهم في اختلاق ووضع الأحاديث اذ لم تكن السنة مدونة حتي يمكن ضبطها ومعرفة الدخيل فيها من الأصيل, بالاضافة إلي سببين آخرين للأحاديث الموضوعة أولهما ان بعض المتدينين ممن لم يتبحروا في العلم هالهم انشغال المسلمين بالفقه والتفسير والتاريخ عن تلاوة القرآن وأرادوا بذلك أن يعودوا بالناس الي العهد الأول حيث كانت التلاوة هي الشغل الشاغل للكافة, فيما كان السبب الثاني يتمثل في ظهور الانقسام السياسي وما ترتب عليه من ظهور الفرق من معتزلة ومرجئة وقدرية وجهمية وغيرها ثم الخوارج بأقسامهم المختلفة ثم الشيعة بأحزابها فكانت كل فرقة تحاول أن تجد لها سندا من السنة تستند اليه في تثبيت وجودها ونزاعها مع الفرق الأخري. ويشير الدكتور ريان الي ظهور حركة علمية عكفت علي دراسة رواة الحديث من صحة لقاءاتهم بمن رووا عنهم ومدي ضبطهم وقوة حفظهم وفهمهم لما يروون من أحاديث, وظهر بذلك علم جديد يسمي علم رجال الحديث وقد بدأ هذا العمل الجليل في بداية القرن الثالث الهجري بعد انحسار موجة الأحاديث الموضوعة بنهاية القرن الثاني, ويقول الدكتور محمد فؤاد شاكر إن القول بتأخير تدوين السنة إلي نهاية القرن الأول الهجري, وأنها لم تكتب في السطور إلا في عهد عمر بن عبد العزيز أمر لا أساس له من الصحة, فالسنة قد كتبت في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم كتابة لاتبويب لها ولا تصنيف, كما هو معروف الآن. ويرد علي المستشهدين بحديث من كتب عني غير القرآن فليمحه بقوله والنهي المقصود هنا هو النهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صفحة واحدة, فقد ثبت أن بعض الصحابة كانوا يكتبون الاحاديث في طرف الصفحات المدون فيها القرآن, فنهي النبي عن ذلك. ويشير الدكتور شاكر إلي قول أحد علماء الحديث المعاصرين وهو الشيخ أحمد شاكر في كتابه الباعث الحثيث إن أحاديث السماح بالكتابة نسخت أحاديث النهي عنها, وذلك بعد أن رسخت معرفة الصحابة بالقرآن الكريم. وكان العلماء قبل القرن الثالث الهجري يقسمون الحديث إلي مقبول أو صحيح ومردود أو ضعيف تم تطور القسمان إلي ثلاثة هي صحيح وحسن وضعيف, وتعريفات الحديث الصحيح كثيرة كما يقول الدكتور مصطفي رجب أستاذ التربية الاسلامية ورئيس قسم أصول التربية بجامعة سوهاج أن الحديث الصحيح الحديث الذي يتصل سنده برجال عدول ضابطين من أول السند الذي يعني سلسلة الرواة إلي نهايته من غير شذوذ ولا علة ويعد صحيحا البخاري ومسلم وفقا لتقسيم وضوابط علماء الحديث حائزين علي أعلي درجات الثقة. وقد أجمع العلماء علي أن صحيح البخاري هو أول كتاب يجمع الأحاديث الصحيحة المجردة, وقد استغرق البخاري في تأليف كتابه16 سنة جمع فيها9 آلاف واثنين وثمانين حديثا صحيحا من بين600 ألف حديث, وما كتب حديثا إلا اغتسل قبل كتابته وصلي ركعتين. أما صحيح مسلم فيمتاز عن صحيح البخاري بأنه يجمع أحاديث الباب الواحد معا ويسوق الحديث بأسانيد مختلفة, وقد جمعه الامام مسلم من الاحاديث الصحيحة. ويبلغ عدد أحاديث صحيح مسلم4 آلاف حديث بعد اسقاط المكرر. ويشير الدكتور مصطفي إلي أن درجات الحديث الصحيح متفاوتة عند العلماء بقدر تحري الرواة, ومدي ضبطهم ودقتهم. أما الدكتور عبد المهدي عبد القادر أستاذ الحديث بجامعة الأزهر فيطرح مسألة المتواتر والآحاد من الأحاديث النبوية قائلا: ان بعض المنتمين الي العلم يعلمون شأن المتواتر وهو ما رواه جمع يحيل العقل تواطؤهم علي الكذب عن مثلهم وكان معتمدهم الحس ويقولون انه يفيد العلم واليقين ويقولون ان خبر الآحاد يفيد الظن, وبعضهم يقول انه لا يعمل به في العقائد. وحول موقف الفرق الاسلامية من حيث تناولها للحديث النبوي يقول الدكتور العراقي انه لا يري خلافات جذرية في مواقف تلك الفرق وتناولها للحديث, وأن ما يوجد من فروق انما يتمثل في تأويله, ومن المعروف أن المعتزلة من أكثر الفرق الاسلامية تمسكا بالتأويل لأنه صادر عن العقل, في حين أن أهل السنة والأشاعرة اتخذوا الموقف الوسط عندما وجدوا أن المعتزلة قد أسرفوا في اتجاههم. وإلي لقاء مع حلقتنا المقبلة عن بلاغة وأدبيات الحديث النبوي الشريف..