مع آخر أيام عيد الفطر نصل للمحطة الأخيرة في رحلتنا مع الحديث النبوي الشريف الذي عشنا في رحابه في رمضان هذا العام. فعلي مدي الاسابيع الماضية قدم فريق العمل بصفحة دنيا الثقافة من خلال رؤي المتخصصين قراءة وافية وجديدة لجوامع الكلم. الأحاديث النبوية الشريفة, لاستجلاء ملامح أدبياتها من حيث اللغة والأسلوب والبيان ووسائل ترابط النص والبناء القصصي وغيرها من جماليات النص ولاستكشاف الرؤي والأبعاد الثقافية والعلوم التي تبلورت حولها. وفي هذا السياق تطرقنا لتاريخ جمع وتدوين الأحاديث النبوية وظهور علم رجال الحديث والرواة وجهود بعض علماء اللغة والبلاغة القدماء والمحدثين لاستنباط منهج يتخذ علوم البلاغة العربية حجة في فهم الحديث والكشف عن جوانب مهمة من البلاغة النبوية, كما تطرقنا الي مكانة علوم الحديث في المجتمع المصري والدور الذي لعبته مصر في علوم الحديث واهتمام المصريين برواية الحديث منذ حل بينهم ابو ذر الغفاري والبخاري ومسلم والنسائي وازدهار العلوم الشرعية, بل وظهور راويات للحديث من النساء. وقد حدد المتخصصون جماليات الأسلوب في الحديث النبوي الشريف, وأهم خصائصه البلاغية التي تتمثل في الإيجاز والتلخيص والوضوح وتفادي الاستطراد واستخدام اللفظ المشع ذي الدلالة الواضحة حيث تقل الحروف وتتعدد المعاني علي حد تعبير الجاحظ في كتاب البيان والتبيان, كذلك فقد أوضحت مصادرنا مدي تأثر الأدب العربي وعلم البلاغة بالنثر النبوي من حيث الاسلوب والاستشهاد, الأمر الذي تجلي بوضوح في فن الخطابة وفي تطوير موضوعات البلاغة العربية وأغراضها. ومن خلال استعراض نماذج من أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم نتعرف اليوم علي أسلوب سرد القص النبوي وما عكسه من أسرار بيانية كبراعة الاستهلال ولحظة التنوير في الخاتمة واكتشاف الجوانب والعناصر الفنية المتطابقة مع العناصر الفنية للقصة القصيرة( الحدث الشخصيات الزمان والمكان الحوار) والبناء اللغوي في القصص النبوي وتنوع أدوات التعبير وأوجه التشابه بين القصص القرآني والقصص النبوي من حيث البناء والاسلوب. واليوم وقد شارفت رحلتنا مع الحديث النبوي علي الانتهاء لا نملك أن نختتم رحلتنا مع جوامع الكلم دون أن نتعرض لقضيتين علي جانب كبير من الأهمية, أولهما قضية إيصال البلاغة النبوية من خلال النشر والثانية قضية ترجمة الاحاديث الشريفة. ورغم أنه لا توجد بين أيدينا إحصائية موثقة لعدد دور النشر المتخصصة في نشر الكتب الدينية, إسلامية كانت أو مسيحية, أو تقارير مؤكدة عن آليات وضوابط النشر فيها, إلا أن ملاحظات عدد من العاملين في حقل النشر وملاحظاتنا الشخصية علي سوق النشر في مصر تشير الي عدد من الحقائق المهمة من بينها زيادة توزيع الكتب الدينية. فيحدد بعض العاملين في سوق النشر نسبة نشر الكتب الدينية في دور النشر المصرية( البالغ عددها450 دارا) بحوالي30% من انتاجها وأن نسبة90% من إجمالي الكتب الدينية تصب في خانة الكتب الإسلامية. من ناحية أخري فمع ظهور عدد من المطابع غير المرخصة والمعروفة بدور نشر تحت بئر السلم وانتشار ظاهرة الكتيبات التي توزع في الأفراج والجنازات والشوارع بجوار المساجد والأضرحة والتي وإن كانت تتميز بالطباعة الفاخرة, لا تخضع للرقابة يصبح السؤال الملح: ماهي الضمانات ألا يتسرب إليها, عمدا أو سهوا وبحسن نية أحاديث مقحمة أو أن تحتوي بعض الصفحات علي اسرائيليات أو أحاديث لا تمت للاسناد الصحيح ؟! ولعلنا في هذا السياق لا ننسي أن المغالطات قد امتدت لتطول آيات الذكر الحكيم, فظهرت مؤخرا عن إحدي دور النشر المصرية, طبعة محرفة للمصحف نتيجة أخطاء في جمع وتوزيع الملازم, الأمر الذي كشفته لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب وأدي لتحذير عدد من المواقع علي شبكة الانترنت من اقتناء المصاحف المطبوعة في مصر بلد الازهر الشريف (!!). والحقيقة أن قضية ضمانات نشر الأحاديث الصحيحة لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن قضية ترجمة تلك الأحاديث للغات الاجنبية والتأكد من سلامة المعني ودقة الترجمة, ولعلنا ندرك مدي أهمية القضية إذا ما عرفنا مدي محدودية الكتب المطبوعة التي تقدم الأحاديث باللغات الاجنبية وان المتاح منها لايضم غير الأحاديث الاربعين للإمام النووي وأنه في مقابل هذا العدد الضئيل من الاحاديث التي تمت ترجمتها يوجد علي شبكة الانترنت ما يربو علي11 مليون وخمسمائة موقع تتناول الأحاديث النبوية وتقدمها بمختلف اللغات. وهنا يصبح السؤال الملح ما هي الضمانات التي يجب ان تتوافر لضمان ترجمة الأحاديث النبوية بدقة وبشكل لائق وكيف يمكن اختيار مجموعات الأحاديث التي تتم ترجمتها وما هي ضوابط هذه الترجمات وما هو الدور الذي يمكن أن يقوم به الأزهر الشريف والمؤتمر الإسلامي في هذه القضية الحيوية بعد أن أصبح الإسلام والمسلمون سجناء صور نمطية صدرها للعالم أصحاب الأهواء والترجمات غير الدقيقة وسلوكيات البعض منا وما هي الوسيلة لتقديم ترجمة أمينة لمعاني القرآن الكريم والحديث الشريف ودرء خطر الترجمات غير الدقيقة او المشبوهة المنتشرة علي شبكة الإنترنت والأسواق الاجنبية؟ هذا ما نحاول أن نستكشفه مع آخر أيام العيد وكل عام وأنتم بخير. [email protected]