قبل الميلاد بأكثر من1500 عام بعث ملك الهكسوس برسالة الي سقنن رع حاكم طيبة يعرب فيها عن انزعاجه من أصوات أفراس النهر التي تسبح في البركة المقدسة بمعبدآمون بالجنوب. مؤكدا أن اصواتها تصل الي اقصي شمال مصر وانها تمنعه من الاستمتاع بالنوم في قصره وعليه ان يتخلص منها والا..فهي الحرب!! ولم يكن في الأمر مزحة فعندما تتزايد القوة العسكرية ويتنامي التسليح تتواري الحكمة ويتلاعب الغرور والطمع وقصر النظر بعقول الحكام يكون السقوط في فخ الحرب والدمار استنادا الي مبررات عجيبة واهية يصعب تصديق ما أدت اليه.وقد شهد الشرق الأوسط طوال تاريخه من المبررات الغريبة لنشوب الحروب والدمار ما يثير العجب والذهول. فمؤخرا دقت اجراس التليفونات في مقار الرئاسة بكل من لبنان وسوريا والأردن وطهران وواشنطن وموسكو ولندن وباريس ومصر لأن جنديا اسرائيليا كان يقلم شجرة أي انه لم يكن قد قطعها بعد قرب المنطقة الفاصلة بين القوات اللبنانية والإسرائيلية عند العديسة..وكان ذلك مبررا لأن يحدث تبادلا لإطلاق النار بين الطرفين وان يسقط قتلي من الجانبين وان تنطلق المدفعية وتتأهب الدولتان للحرب المنتظرة في الشرق الأوسط. واهتزت ارجاء مجلس الأمن في نيويورك للبحث عن مشروعية تقليم تلك الشجرة..ولكن احدا لم يبحث امر الاستعدادات والتصريحات السابقة علي الواقعة والتي تؤكد ان العديد من دول المنطقة والعالم تستعد لحرب كبري وشيكة في الشرق الأوسط. فاللبنانيون بما فيهم حزب الله والإسرائيليون والولايات المتحدة وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية وقبلهم جميعا الإيرانيون قد كدسوا الذخيرة وأكملوا علي وجه التقريب كل استعداداتهم للدخول في حرب مدمرة ضروس. وبالتالي فإن درجة التوتر الشديدة الخطورة في المنطقة لم تعد في حاجة الا لمبرر شديد التفاهة مثل تقليم شجرةأو إطلاق صاروخ لا تأثير له حتي يحدث الإنفجار. ولا يعد استخدام المبررات الواهية لتدشين الحروب المدمرة بالأمر الجديد في المنطقة. فحرب داحس والغبراء التي نشبت في عصر الجاهلية بين قبيلتي عبس وذبيان واستمرت علي مدار40 عاما وراح ضحيتها الآلاف من فرسان العرب, وفي مقدمتهم عنترة بن شداد, لم يكن مبررا نشوبها سوي واقعة الغش التي شهدها سباق بين الحصان داحس لقيس بن زهير من عبس والغبراءلحذيفة بن بدر من ذبيان! وحرب البسوس نشبت في الجزيرة العربية ايضا بسبب خلاف بين رجل وزوجته ادي الي قتل ناقة تملكها امرأة اسمها البسوس بنت منقذ فنشبت الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب واستمرت40 عاما! واذا كانت مبررات الحرب تبدو غريبة في مرحلة الجاهلية فإن المبرر الذي ساقته فرنسا لغزو الجزائر كان اغرب.فقد استقبل الداي حسين حاكم الجزائر دوفال سفير فرنسا بقصره عام1827 للتفاوض حول تسديد فرنسا لما تبقي من قيمة شحنة حبوب وكان250الف فرانك.وعند الرفض غضب الداي وقيل انه هش السفير بمنشة او مروحة كانت في يده.وكانت تلك الهشة هي المبرر الذي استعان به الملك شارل العاشر لغزو الجزائر عام1830 تحت شعار استرجاع مكانة وشرف فرنسا!ولم تخرج فرنسا من الجزائر الا في ستينيات القرن العشرين بعد حروب ومعارك علي مدار132 عام راح ضحيتها الملايين من الدولتين!! ولم يكن الفرنسيون بأغرب من الإنجليز الذين بدأوا احتلالهم لمصر عام1882 بحجة مشاجرة شهدتها الأسكندرية بين أحد ابناء مالطا واحد المصريين عقب خلاف حول أجر استخدام حمار..ليتطور الأمر فيقتل المالطي المصري وتنشب اعمال شغب ضد الأجانب في المدينة ليبدأ الإنجليز في قصفها ويبدأ احتلالهم الرسمي لمصر حتي العشرينيات من القرن العشرين ثم الخروج النهائي في الخمسينيات مخلفين مئات الآلاف من الضحايا المصريين والإنجليز! ولم يكن ما سبق بأغرب من الدمار الذي يلحقه الإسرائيليون بالفلسطينيين في غزة بأسلوب همجي بل وشن حرب مدمرة فقدت خلالها13 قتيلا وقتلت مايقرب من1500 فلسطيني بحجة استعادة جندي اسرائيلي وحيد فرنسي الأصل يدعي شاليط اسره الفلسطينيون عام2006. اما الأغرب فكان دخول إسرائيل في حرب ضد لبنان عام2006 شملت ضرب المدنيين بالطائرات والصواريخ بحجة قيام حزب الله بأسر جنديين فقط وتبين بعد انتهاء الحرب انهما لم يكونا من الأحياء واعيدت رفاتهما لإسرائيل بعد عامين!وقتل لاسرائيل121 عسكريا و44 مدنيا وفقد اللبنانيون ارواح ما يقرب من1191 مدنيا و310 من العسكريين! ولأن واقعة أصوات افراس النهر التي ازعجت ملك الهكسوس حدثت في الشرق الأوسط, وفي مصر علي وجه التحديد, فإنها كانت كافية لأن ينتفض الشعب المصري كالإعصار ويدخل سلسلة من المعارك استمرت لسنوات وفقد سقنن رع حياته خلالها ومن بعده نجله كامس قبل ان يتمكن شقيقه الصغير أحمس من القضاء علي الهكسوس وتدمير اخر حصن معروف لهما مما ادي لاختفائهم من صفحات التاريخ الي الأبد..والسبب شكوي متهورة منأصوات افراس النهر.. ولاعجب فنحن في الشرق الأوسط!