اكتب اليك هذه الرسالة والدموع تنساب من عيني, وأشعر أنني وصلت الي طريق مسدود, ولقد وجدتني أبوح لك بما في نفسي برغم انني لم اتخيل يوما انني سأحكي لاحد ما بداخلي. ودفعني الي ذلك متابعتي لردودك علي أصحاب المشكلات فتوكلت علي الله وقررت أن افضفض لك بكل ما يدور في حياتي لعلي أجد لديك حلا يريحني ويطفئ ما بداخلي. فأنا فتاة عمري عشرون عاما وانا اصغر اخوتي ويقولون عني دائما انني دلوعة العائلة حيث كنت آخذ ما أريده, ولا يرفض لي أحد من أفراد أسرتي طلبا, والنتيجة أني أصبحت غير قادرة علي تحمل أي مسئولية فكل ما يهمني هو نفسي, وترعرعت علي هذا, وكلما اعجبني شيء أفعل كل ما في وسعي لكي أمتلكه, وحتي أبي وأمي لم أكن اتعامل معهما ولا اكلمهما الا اذا اردت منهما شيئا مع اني احبهما بشدة ولكنه حب مكتوم لم أظهره. فهذه هي طبيعتي التي لم أستطع ان أغيرها, وتعاملت علي هذا النحو دون ان ادري بفقداني تعاطف من حولي ونظرتهم الغريبة لي. ومرت الأيام وانا في لهوي وغفلتي حتي جاء يوم اكتشفت فيه ان ابي مريض, ووجدت الأقارب مجتمعين حوله, والبيت مشغول عن آخره, ناس تدخل, وناس تخرج اما انا فكنت الوحيدة التي لم تعبأ بمرضه فلقد تصورت أنه سيشفي قريبا وكان الموت بعيدا عن خاطري ولكني كنت مخطئة فلقد تنبهت فجأة الي غلفتي مع بكاء اختي المرير ونحيب الاسرة كلها... لقد مات ابي وتقطع قلبي ندما وحسرة وأفقت من غبائي وانانيتي ولكن بعد فوات الاوان. يا حسرتي علي فقدانك يا أبي.. لو تعلم كم احبك.. لو تعلم انني احمل لك حبا جما.. انني لا انسي لك انك كم ضحيت من أجلي, وكم انني بحاجة لحمايتك لي, ولكن ضاع كل شيء وانا غرقانة في اللهو ولم يبق لي الا اجترار الاحزان. انني يا أبي لم ادرك قيمتك الا بعد رحيلك فلقد بدأت المشكلات تأتينا من كل مكان, ومن اقرب الناس فاستعدت صورتك حينما كنت اراك قويا في الحق, لا تأبه بما تواجهه من عقبات فنفضت عن نفسي غبار الانانية والكسل واصبحت فتاة جادة مستقيمة كل هدفها اسعاد امها حتي لا تضيع منها. نعم حاولت ذلك لكن يبدو انني استيقظت متأخرة حيث صارت امي جسدا بلا روح ولم يعد لي مكان في قلبها, أوكما تقول هي ان قلبها مات بموت ابي. هل تتصور انها اصبحت تنهرني بشدة بسبب وبدون سبب, ولأني لا أريد ان افقدها فانني اصمت ولا افعل شيئا غير الصمت وقل لي ماذا افعل فالنار المشتعلة في قلبي علي رحيل أبي مازالت تؤرقني وأمي تبعدني عنها, واخوتي كل منهم مشغول بنفسه وحياته. ماذا افعل وانا بلا حاضر ولا مستقبل, ولا امل لي في الحياة ولا يوجد من يريدني في حياته؟ * لايعرف المرء قيمة الاشياء الا بأضدادها, فلقد أدركت قيمة أبيك وتبينت قدره لديك عندما رحل عن الدنيا, وخلت الحياة منه مع انه كان بامكانك أن تسعديه ولو بكلمة حلوة وهو يصارع المرض والناس يلتفون حوله لكنك ظللت علي موقف اللهو والعبث غير عابئة بما قد يحدث من غياب مفاجيء له, وعرفت قدر أمك عندما تنبهت اليها بعد سنين من التجاهل فوجدتها شخصية أخري. وهكذا لم تتعلمي الدرس من أبويك حيث آزراك ووقفا الي جوارك ولبيا لك كل طلباتك وحان الوقت لأن تدركي مافاتك بالتقرب الي امك وأراك بالفعل تعيشين معركة مع نفسك, ولذلك تشخصين حالتك بانك فتاة عادت الي رشدها وأدركت خطأ مافعلته فراحت تصحح موقفها من امها فالواقع أن الانسان لايتعلم الا من خلال أخطائه وآلامه, وكما يقول المثل كل مالا يقتلني يقويني. واذا كانت أمك تعاملك الآن بقسوة علي حد تعبيرك فلانها فقدت فيك الأمل, ولم تجدك الي جوارها طوال سنين مضت ولكن بالإلحاح عليها والحديث المستمر معها دون ضجر أو تذمر سوف يلين قلبها ويجعلها تقترب منك أكثر وأكثر فأنت ابنتها ومن حقها أن تغضب لتصرفاتك السابقة فإذا لمست فيك تراجعا وأحست بأنك عدت الي جادة الصواب فسوف يتغير موقفها منك ولعل الابناء والآباء يستوعبون الدرس بأن يعجلوا ببر والديهم ويسعوا لارضائهما, فخير البر عاجله, وقد أوصانا الحق تبارك وتعالي بهما فقال ووصينا الإنسان بوالديه لدرجة أنه نهي عن أن نقول لهما أف تعبيرا عن الضجر والضيق. يا ابنتي مازالت أمامك الفرصة مواتية لاصلاح ما أفسدتيه ولا تنسي أن الجنة تحت أقدام الأمهات.