يهل علينا شهر رمضان وتهل معه أيامه ولياليه الجميلة, وهو شهر لا يترقب المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها شهرا مثله, فهو ينفرد بعبادة عالية لا يشاركه في فرضيتها شهر آخر من شهور السنة. لقد فرض الله علينا صوم رمضان لأسرار عظيمة وحكمة بليغة, نعرف منها ما نعرف, ونجهل منها ما نجهل, وعلينا أن نتأمل حكمة الله من وراء هذا الصيام. إن من حكم الصيام أنه تغذية للروح, فالإنسان ليس جسدا فقط وانما هو روح سماوية تسكن هذا الجسد, والإنسان مطالب بأن يعطي متطلباته للجسد والروح معا. والصوم تقوية للإرادة وتربية علي الصبر. ولا توجد مدرسة تقوم بتربية الإرادة الإنسانية وتعليم الصبر الجميل كمدرسة الصيام التي يفتحها الإسلام للمسلمين في رمضان علي سبيل الفرض والالزام, ويفتحها في غير رمضان علي سبيل التطوع من أجل تعليم الإرادة والصبر. إذا كنا نحتفل برمضان ونحتفي به شهرا للتعبد والصيام والقرب إلي الله وهو ما شرع له في هذا الشهر الكريم إلا أن كثيرا منا حولوه إلي شهر للطعام نأكل فيه ما يكفي الأسرة كلها في12 شهرا! وهذه الحالة أفرزت العديد من المخاطر التي ألمت بالأسرة والمجتمع علي حد سواء, منها الضغط الشديد علي ميزانية الأسرة الأمر الذي يؤدي إلي الاقتراض, والاستدانة, والاضطرار إلي انفاق المدخرات, فضلا عن احداث حالة من الاستغلال ورفع أسعار السلع الرمضانية علي مستوي المجتمع, خاصة أن نسبة الزيادة في رواتب العاملين لا تتناسب مع مقدار الزيادة في تلك السلع. والغريب أنه علي الرغم من أن المسلمين يفهمون جيدا أن الصوم ليس مجرد الامتناع عن الأكل والشرب حتي اذان المغرب, فإنهم يندفعون للأكل والشرب بكل ما أوتوا من قوة. وهذا يعد اسرافا, لأن الصحيح هو أن الصوم فيه حكمة عظيمة في الإمساك عن الطعام والشراب طوال اليوم مع الإقلال من تناول الطعام أثناء الإفطار والسحور لتتحقق الحكمة من الصوم الذي فيه فائدة عظيمة لكل أجزاء الجسم من خلال التخلص من الدهون والأملاح الزائدة علي جسم الإنسان. وإلي جانب كل ذلك فان الصوم يشمل أيضا صوما عن الأخطاء والخطايا, أي تهذيب أخلاقنا والرقي بسلوكنا برغم أننا لا نكف عن ترديد المقولة التي تقول إن الدين المعاملة أي أن الدين يحدد لنا القواعد الأخلاقية التي يتعين أن نلتزم بها في معاملاتنا وتعاملاتنا وكل أعمالنا وعلاقتنا مع الآخرين.