تحتاج التقنيات الحديثة في مجال الزراعة إلي حيازات واسعة من الأراضي. ولذلك فنحن نحتاج إلي المحافظة عليها من التفتيت ونحتاج أيضا إلي ابتكار أشكال من الحيازة تجعل الزراعة نشاطا استثماريا. 1القضية ليست في حق الانتفاع, أو حق الملكية, علي الرغم من أن استبعاد حق الملكية, يصدم المزارع في شيء جوهري تعود عليه, فالمزارع الذي يتوجه نحو الأراضي الجديدة المملوكة للدولة, سيضع فيها أغلب ما يملك من فوائض مالية. وربما يبيع ما يملك من الأراضي في الوادي القديم. كل هذا حتي يستطيع أن يستصلح الأرض الجديدة, ويجعلها ممهدة للزراعة. فضلا عن الأموال التي تحتاجها عملية توفير مصدر الري, والآلات اللازمة, إلي جانب إقامة شبكة للري, سواء بالرش أو التنقيط. وبعد كل هذا, سوف يحتاج إلي عمل عدة سنوات, حتي تبدأ هذه الأرض في إعطاء محصول يمكن أن يبدأ في تعويضه عن أيام العمل والشقاء. تصور فقط, أنك بعد هذا كله. ستأتي إلي هذا الرجل أو تلك الأسرة وتقول لها إن هذه الأرض لن تكون ملكا لك! هل أقول إننا بذلك نطلق رصاصة قاتلة علي محاولات زراعة الصحاري المترامية الأطراف في مصر؟ ولمصلحة من نفعل ذلك؟ أعتقد, أن الجدل الدائر الآن, بخصوص حق الانتفاع أو التملك يجب أن ينصب علي من يريد أن يحوز الأراضي ويحولها إلي أراضي بناء. فهذا هو مجال تسقيع الأراضي, وتقسيمها, وتحقيق مكاسب مذهلة دون جهد يذكر. أما استصلاح الأراضي, وزراعتها, فهي بعيدة تماما عن كل هذا. بل أنها تحتاج إلي استثمارات مالية كبيرة, وإلي جهد عقلي وبدني شاق, يستغرق سنوات مثل أي عمل انتاجي, فأين التسقيع, والمضاربة علي الأسعار في هذا العمل؟ 2 ماهي القضية, في أن يأخذ من يرغبون في استصلاح الأراضي وزراعتها الفدان ولو حتي بقرش صاغ واحد؟ ليست هناك أي مشكلة. فهؤلاء سوف يصرفون كل جهودهم ومواردهم علي تحويل أراض صحراوية إلي أرض زراعية تعطي محاصيل, وفواكه, وخضراوات, إلي جانب أنها تتسع لاقامة حظائر وبطاريات لتربية المواشي والأغنام والدواجن. نحن نري إذن, أن هؤلاء بعملهم هذا, يحققون وفرة في إنتاج الغذاء اللازم, وتنخفض الحاجة إلي الاستيراد, بل ان الانتاج مع استخدام الأساليب الحديثة في الزراعة عن طريق علم الوراثة يمكن أن يرتفع إلي مستوي لايغطي فقط الاستهلاك المحلي وإنما أيضا تتاح وفرة يمكن تصديرها. ماهي المشكلة في أن يأخذ هؤلاء المنتجون الأراضي ولو بالمجان؟ أو بأقل سعر ممكن؟ لاحظ أننا هنا لسنا بصدد عملية مضاربة علي أسعار الأراضي. إنما نحن أمام تحويل أرض عقيم لاتنتج إلي تربة خصبة حافلة بالنماء لاتتوقف عن الإنجاب علي مدي الأيام والسنين, القضية الجوهرية لكي تتحقق هذه الفائدة, تتعلق بضرورة المحافظة علي الحيازات الزراعية كبيرة, بآلاف الأفدنة, وعدم السماح لها بأن تتفتت أو تنكمش لتصبح بالقراريط والأسهم, فمثل هذا التفتيت هو العدو الأول لكي تصبح حيازة الأرض الزراعية عملية استثمار تحتاج إلي رؤوس أموال. فالمنتج الصغير فقير, فمن أين له بالأموال اللازمة لهذا العمل؟ فنحن بحاجة إلي منتجين كبار. 3 كيف يمكن أن يتوافر هؤلاء المنتجون الكبار؟ بقليل من التفكير يتضح لنا أننا في مصر يمكن أن يتوافر لنا الكثيرون منهم. ولا نحتاج إلي استيرادهم من الدول المحيطة بنا. ولن نحتاج في هذه الحالة للذهاب إلي دول أخري لنزرعها ونأخذ انتاجها. فهناك عدة أشكال لحل هذه المشكلة. أولها أن تتكون شركات أهلية في كل حوض زراعي. والشركة تطرح مجموعة أسهم. ولمن يرغب يستطيع أن يشتري سهما أو سهمين أو100 إلخ حسب قدراته. فلكل سهم قيمة حسب قيمة المزرعة وقدرتها علي الانتاج وتزداد قيمتها وقيمة السهم مع تزايد انتاجيتها. وهكذا, يصبح التبادل والبيع, والشراء, والتقسيم بين الورثة, محصورا في الأسهم وليس في الأرض. وتبقي الحيازة الزراعية كما هي علي اتساعها. والأهم من كل هذا أنه يصبح لدينا انفصال بين الملكية والادارة. فليس بالضرورة أن يكون المالك أو حائز الأسهم ممن لهم دراية بالعمل الانتاجي في الزراعة, فهذا عمل متخصص مثله مثل العمل الصناعي. وهو يستطيع أن يجذب أموالا كثيرة موجودة في هيئة ودائع بالبنوك لاتجد من يستطيع توظيفها في عمل مفيد. ليست القضية إذن, في حق الانتفاع أو حق الملكية. فهذا الأمر يجب أن ينصب علي من يريدون تحويل الأراضي إلي أراضي بناء أما من يستصلحون الأرض, ويزرعونها, ويجعلونها تنتج ما يحتاجه الناس من غذاء, فهؤلاء يجب أن تكون الأرض متاحة لهم أو يجب أن نجعلها متاحة ولو بالمجان أو بأقل سعر ممكن.. يكفي أنهم ينشرون العمران في كل مكان, ويحولون أراضي صحراوية غير منتجة إلي أرض ولود.. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن