منه لله الدكتور جمال الدين بكير, قلب علينا المواجع, بإحصائية مذهلة جمعها في خمس صفحات فلولسكاب وأرسلها الي بريدي الإلكتروني مع خالص تحياته, مواجع قد تتسع الي الرغبة في الهجرة او الذوبان في الفراغ او الدخول في حالة دروشة, فالرجل شدنا من حالة التوهان التي نحن عليها, ووضعنا قسرا وعمدا امام صورتنا في المرآة دون روتوش او مكياج, لنري مدي القبح والجهل والتخلف الذي نحن عليه!. يا تري كم واحدا منا يعلم هذه الحقائق المرة عنا؟!. تقول رسالة الدكتور جمال الدين بكير وهي عبارة عن مقارنة بين المسلمين واليهود: تعداد اليهود في العالم14 مليون نسمة نصفهم في الولاياتالمتحدة وخمسة ملايين في آسيا والباقي في اوروبا, اليهود لهم ألمع الاسماء العلمية والادبية والفكرية والسياسية والاقتصادية والطبية والفلسفية في القرنين التاسع عشر والعشرين: ألبيرت إينشتاين, سيجموند فرويد, كارل ماركس, ميلتون فريدمان( جائزة نوبل في الاقتصاد عام1976), هنري كيسنجر وزير خارجية امريكا في ادارة الرئيس ليندون جونسون, آلان جرينسبان الاقتصادي العظيم, جون كي رئيس وزراء سنغافورة, بنجامين روبن مخترع الحقنة الطبية, يوناس سالك مخترع لقاح شلل الاطفال, جيرترود إليون مخترع دواء سرطان الدم, باروخ بلومبيرج مكتشف التهاب الكبد الوبائي وعلاجه, ليو زيلاند مخترع المفاعل النووي, بيتر شولتز مخترع الألياف الضوئية, تشارلز جينسبيرج مخترع مسجل الفيديو, سيرجي براين صانع جوجل أداة البحث علي الإنترنت, وغيرهم المئات في الإعلام والإبداع والفنون, وهؤلاء حصلوا علي180 جائزة نوبل في مائة وخمسة أعوام فقط!. فماذا عن المسلمين؟!. 1500 مليون مسلم يمثلون خمس سكان العالم, منهم6 ملايين في أمريكا والثلثان في آسيا والشرق الاوسط.. فماذا اضافوا للعالم والحضارة الانسانية من اختراعات ونظريات في الفكر والفن والسياسة والاقتصاد والعلوم والطب في العصور الحديثة؟!. بالطبع الاجابة مخزية للغاية, وتدفع اي مسلم الي التفكير في سؤال مهم: هل تفوق اليهود مجرد مصادفة أو مؤامرة أو غش أو وساطة؟!. من السهل أن نجيب ب نعم ويرتاح بالنا ونغط في نوم التخلف الي الابد, وقد يتفذلك بعضنا ويقول ان هؤلاء اليهود المتفوقين هم نتاج حضارة الغرب المتقدمة يرضعون لبنها وثقافتها وتفكيرها العلمي المنظم, وتفوقهم لايرجع الي كونهم يهودا فقط. وهذا كلام صحيح وسليم الي حد كبير, لكنه يفتح الباب الي سؤال له حد السيف البتار: ولماذا لم ينجح المهاجرون الآخرون الي الغرب كالبوذيين والهندوس والمسلمين بنفس القدر الذي نجح به اليهود؟!. قد يكون الفارق في أزمنة الهجرات الي الولاياتالمتحدة واوروبا بين هؤلاء وهؤلاء هو السبب, فاليهود من اوائل البشر الذين هاجروا الي العالم الجديد هروبا من الاضطهاد في اوروبا, فزرعوا انفسهم في تربة الولاياتالمتحدة زراعة صحيحة لزمن طويل, بينما الآخرون لم يهاجروا في هجرات جماعية إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين, فلم يتمكنوا من صناعة تراكم من الثروة والمعارف والعلاقات بالمجتمع الامريكي مثل اليهود!. لكن لو نظرنا الي اسرائيل من ناحية الحضارة والتقدم, وليس من القوة العسكرية التي تستمد عناصر كثيرة فيها من الولاياتالمتحدة, سنجد ان6 جامعات اسرائيلية في قائمة افضل500 جامعة في العالم, بينما ولاجامعة من اي دولة مسلمة اقتربت من هذه المكانة الرفيعة, مع أننا نتحدث عن التقدم في تركيا وماليزيا, وبعضنا يتخذ من ايران نموذجا للدولة الاسلامية او يتحدث عن القنبلة النووية الباكستانية. باختصار الدول الاسلامية غير قادرة علي صناعة المعرفة, ولا علي نشرها حتي لو كانت مستوردة, فمصر تنتج مثلا17 كتابا لكل مليون مواطن فيها, بينما بريطانيا تنتج2000 كتاب لكل مليون بريطاني.. أليست هذه مصيبة؟!. إذن كيف نعيش؟!, وفيما نفكر؟!, وما الذي نهتم به؟!. هذه الاسئلة لكل المصريين, فقد لانستطيع ان ننقذ العالم الاسلامي من تخلفه, لكن علينا ان نفكر كيف ننقذ انفسنا؟!, ولن نستطيع ان نفعل هذا دون ان نشخص واقعنا, وقد لا أنكر ولا أجادل في ان النظم السياسية تلعب ادوارا شديدة الاهمية في حياة شعوبها وقد تصعد بها الي القمة او تخسف بها الارض, فالحريات والديمقراطية وحقوق الانسان وتكافؤ الفرص والمساواة وتوزيع عوائد التنمية بطريقة اقرب للعدالة عناصر بالغة الخطورة والتأثير في تصرفات الناس والخاصة والعامة في اي مجتمع, لكن لو توقفنا فقط عند هذا السبب وحملناه كل الخطايا والاخطاء.. فقد نفسد علي انفسنا اي محاولة للبعد عن التفكير التقليدي الهارب من تحمل المسئولية ومواجهة احوالنا! من فضلك عاود التفكير فيما نحن مهتمون به.. بما انت نفسك مهتم به.. بما اغلب الناس حولك مهتمون به.. دقق النظر في جيرانك, في زملائك في العمل, في المواطنين الذين يمشون الي جوارك في الشارع, في الفضائيات التي تشاهدها في الموضوعات التي يكاد عقلك لايخلو منها.. واسأل: هل الطريقة التي نعيش بها ونفكر بها والموضوعات التي تشغلنا يمكن ان تقودنا الي التقدم؟. هل ثمة علاقة بين الحقائق المرة التي ترصد تخلفنا وقضية الدكتور جابر عصفور التي خسرها امام الشيخ يوسف البدري او جريمة الاعتداء البشع علي مواطنينا المسيحيين وهم خارجون من الكنيسة في احتفال عيد الميلاد المجيد؟!. التصور ان ثمة علاقة.. وهي ان العقل معطوب او معطل او مشغول بأشياء لا تمت لصناعة الحضارة والتقدم بصلة او مسافر الي الماضي يحاول استرجاع عصر ذهبي يستحيل استنساخه او يتعصب لدينه الي الدرجة التي يغرق فيها في تفاصيل تحجب عنه الرؤية السليمة للحياة او حتي للدين ذاته او يكون فيها دم الآخر المخالف في الدين رخيصا هينا يمكن سفكه! هل يوجد في العالم المتقدم هذا النوع من الجدل والانشغالات التي نحن مشغولون بها حتي الموت؟!. هم عقول حرة مشغولة بالعمل ونحن عقول اسيرة مشغولة بالكلام عن النقاب والحجاب والسواك ومطاردة الروايات والافلام وادعاء الاخلاق.. والبقية في حياتكم!. [email protected] المزيد من مقالات نبيل عمر