أثار حادث نجع حمادي بالهجوم الاجرامي ضد المصلين الخارجين من الكنيسة حالة من الرعب والفزع بين المواطنين المصريين باختلاف عقائدهم وذلك لعدة أسباب: الأول: إنه حادث إجرامي مدبر من مجرمين مسجلين, ومن ثم فإنهم معروفون لأجهزة الامن وهذا مايستدعي اعادة النظر في الاجراءات الامنية التي تترك اناسا من هذا الصنف الاجرامي طلقاء يعيثون في الارض فسادا. الثاني: إن هؤلاء المجرمين ليسوا شخصيات اجرامية تقليدية, بل هم مجرمون تم غسل ادمغتهم بفكر ديني مشوه ينشر مفاهيم الكراهية والحقد ضد الآخر من المواطنين الشرفاء الذين يشكلون لبنات مهمة في صرح المجتمع وبنياته الديمغرافي وتاريخه وحضارته, وهذا كله يستدعي اعادة النظر في ترك الحبل علي الغارب لمثل هذه الجماعات الدينية التي تنشر المفاهيم الخاطئة وتبعث الكراهية بين المواطنين بعضهم بعضا, وهذا يؤثر علي تماسك المجتمع وحب الوطن والاحساس بالطمأنينة والانتماء, اي ان المسألة ليست مجرد اختلاف في الرأي والعقيدة وانما تمثل مساسا جوهريا بامن المواطن و أمن الوطن. الثالث: ان ثمة حوادث عديدة متكررة من هذا الصنف من الاحداث, بما يعني ان مصر تواجه خطرا حقيقيا يؤثر في بنيتها الاجتماعية وتراثها الحضاري ويشوه صورتها العالمية. ولايعبر عن حضارتها التي عشناها وعرفناها عبر السنين عندما كان يعيش الاقباط والمسلمون في سلام وامان ومودة مع بعضهم بعضا. ولذلك يجب علي المسئولين عن الاعلام والثقافة والسياسة ان يضعوا خطة عملية لمواجهة مثل هذا الحادث ووأد الفتنة من جذورها. الرابع: ان كل مصري ايا كانت عقيدته او طائفته او مذهبه له نفس الحقوق التي للآخرين وعليه نفس الواجبات, ومن ثم يجب توفير الامن والحماية الشخصية وحرمة مسكنة وعمله دون المساس بهما والمعاقبة الصارمة لمن يعتدي علي اخرين ايا كان مذهبهم او عقيدتهم, لان المسألة اخطر من مجرد حادث عابر يمس حقوق المواطن التي تدعو لها مصر والعالم اجمع بضرورة احترام حقوق الانسان, وقد اصدر احد مؤتمرات الحزب الوطني الحاكم وثيقة هامة عن حقوق المواطن والمواطنة وثم تعديل الدستور لينص صراحة علي موضوع المواطنة, وعقد المجلس القومي لحقوق الإنسان عدة ورش عمل ومؤتمرات حول هذا الموضوع المهم. والواقع ان الخطر الذي تتعرض له اية دولة واي نظام سياسي ينبع من عدم احترامه وضمانه وصيانته لحقوق مواطنيه, مما يؤدي الي تصارع طوائفه وعقائده مع بعضها بعضا. وانا ادرك ان الدولة كمؤسسة رسمية حريصة علي حماية المواطن ولكن يبدو ان ثمة نقصا في الامكانيات او الاجراءات, الامر الذي يجعل الامن الجنائي لايحظي بالاهتمام والاولوية التي يحظي بها الامن السياسي, وفي تقديرنا ان كلا الامرين بالغ الاهمية والخطورة و ينبغي عدم تجاهل احدهما او عدم اعطائه مايستحق من الاولوية. الخامس: إن ثقافة احترام الآخر والتسامح الديني التي كانت سائدة في مصر في عصر مضي بدأت تتراجع بصورة تنذر بالخطر, وهوالامر الذي يجب ان ننتبه اليه ونسعي لمعالجته قبل تفاقم الموقف وفوات الآوان. ولقد كانت ثورة1919, وقياداتها بالغي النضج السياسي عندما رفعوا جميعا الدين لله والوطن للجميع ومفاهيم نشر الدين لدي الطرف الآخر, والسعي لتغيير عقيدته هو من اخطر الامور التي تجر الدول للكوارث والنكبات, ولايقل خطورة عنها مفاهيم التمييز ضد دين معين او مذهب معين, او تحول هذا الدين او ذاك المذهب للعمل في السياسة تحت شعار الدين. ولقد كان الإسلام في تاريخه العريق وسلوك ابنائه الاسوياء رمزا للتسامح حتي ان المصريين رحبوا بدخول الاسلام لمصر فرارا من ظلم الحكم الروماني الذي كان جائرا, وشهدت مصر القبطية عملية إبادة جماعية للاقباط في العصر المسمي عصر الشهداء, ونتمني ألايكرر اصحاب الفكر المنحرف مثل تلك الاحداث في مصر في القرن الحادي والعشرين, والاتتركهم السلطات يروجون لفكرهم المضلل وينشرون الفساد في البلاد. فالحرية للانسان وحدة لاتتجزا, وحقوق الفرد المواطن متساوية ومصلحة الوطن في الامن والاستقرار اولوية ينبغي عدم التفريط بها او التقليل من شأنها تحت دعاوي الانشغال او عدم توافر امكانيات او نحو ذلك من المبررات. والمطلوب الان صدور وثيقة وطنية رسمية تؤكد مجددا علي مبادئ احترام المواطنين جميعا وترفض الفكر المتطرف وتضع قوانين صارمة لمعاقبة هؤلاء الافراد وامثالهم.