أنادي المرأة المصرية والعربية بل أحرضها علي الثورة من أجل تغيير نظرة المجتمع إليها والتوصل إلي المساواة الفعلية مع الرجل في الحقوق والواجبات. ولأن العنف ليس من طبيعة المرأة فلا شك عندي أن هذه الثورة الضرورية ستكون ثورة سلمية. ومنذ111 عاما كتب أحد أهم رواد الاستنارة قاسم أمين كتابا فذا بعنوان' تحرير المرأة'. وقد تحررت المرأة بالفعل إلي حد كبير منذ الثلاثينيات من القرن العشرين وبلغ هذا التحرر ذروته في الستينيات من القرن الماضي.. لكن المرأة عادت وانتكست وانكسرت وتراجعت كما عادت تسيطر أفكار شاذة حول دونيتها وعورة جسدها واستعدادها الفطري للوقوع في الخطيئة. لذلك فقد وجدت من واجبي أن أسهم بكتاب يحمل هذا العنوان محذرا ومطالبا المرأة بعدم تقبل عملية غسيل المخ المستمرة التي تتعرض لها منذ مئات السنين وأدت إلي اعتبارها مواطنا من الدرجة الثانية في كل المجتمعات. وأنا مقتنع أنه حين أدافع عن حقوق المرأة فإنني في حقيقة الأمر أدافع عن حقوقي حيث إن المجتمع الذي يتقبل وضع المرأة في موقع دوني سوف يتقبل التفرقة بين الغني والفقير والقوي والضعيف والأبيض والأسود والمسلم والقبطي. وإذا كنا نشكو في هذه الأيام من أحداث طائفية محزنة فالسبب العميق وراءها هو ثقافة التفرقة والفرز والتصنيف التي تهيمن علي عقول الغالبية. والمجتمع الذي يقوم علي مبدأ التفرقة بين المواطنين لأي سبب من الأسباب هو مجتمع يخاصم التقدم ويغلق أمامه أبواب التفوق. وهذا ما أدركته المجتمعات الغربية منذ فترة طويلة بفضل عباقرة مثل فولتير وروسو وجون لوك, كما أدركه أقطاب النهضة عندنا من أمثال الطهطاوي وقاسم أمين والشيخ محمد عبده. لكن حالة الردة الثقافية التي يعيشها العالم العربي هذه الأيام أعادت عقارب الساعة إلي الوراء وأجهضت كل أفكار ومباديء عصر النهضة والتحرر والاستنارة. ولست في حاجة إلي أن يذكرني أحد بأن هناك فروقا كبيرة بين الرجل والمرأة.. لكن هذه الفروق لا تبرر عدم المساواة في الحقوق والواجبات. فأنا لا أطالب بالمساواة الكاملة في الحقوق فقط. فالمساواة في الحقوق مرهونة دائما بالمساواة في الواجبات. وفي الماضي كان الرجل دائما متفوقا علي المرأة ومسيطرا عليها لأنه كان يضطلع بالواجبات والمهام الأساسية في الحياة. لكن الأمور تغيرت اليوم تغيرا جذريا وصارت المرأة تسهم في بناء المجتمع وتسيير الحياة مثلها مثل الرجل. وقد أطلقت علي المجتمعات القديمة تعبير' مجتمع العضلات' حيث كانت كل متطلبات الحياة تستلزم القوة الجسدية والجلد. فقد كانت القاعدة التي تسود علاقات الكيانات المجتمعية المختلفة هي الحرب والنهب والاقتتال. وفي ظل تلك الظروف كانت المرأة مستكينة وخاضعة للرجل ومتقبلة لوضعها في مكان دوني لأنها كانت تدرك أنها عاجزة عن تلبية تلك الاحتياجات المجتمعية القائمة علي العضلات والقسوة والعنف, وأنها تحت رحمة الرجل الذي يحميها من الأخطار ويوفر لها سبل العيش. ولو طالب أحد خلال عصر هيمنة مجتمع العضلات بالمساواة بين الرجل والمرأة لكان ذلك ظلما للرجل وافتئاتا علي حقوقه. وقد أسهم العلم في كسر هذه القاعدة حيث جعل مجتمع العضلات ينحسر شيئا فشيئا لصالح مجتمع العقل والقانون والتقنيات الحديثة. وليس غريبا أن الأفكار الجادة عن تحرر المرأة في أوروبا قد واكبت الثورة الصناعية التي جعلت مجتمع العضلات يتقلص وينكمش. وكان قاسم أمين ابن هذه المرحلة وزار أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر وشهد آثار الثورة الصناعية فآمن بضرورة تحرير المرأة ونقل هذه الأفكار المتطورة إلي مصر. وقد ساعد مناخ النهضة والانفتاح الفكري علي نشرها في بلادنا. أعتقد أن الظروف الموضوعية لتحقيق مساواة حقيقية بين الرجل والمرأة في مجتمعنا مواتية لكن الأفكار الرجعية والسلفية تجعل هذه المساواة أملا بعيد المنال. فالقضية ليست قضية قوانين لصالح المرأة فحسب. فالأهم هو تغيير نظرة الرجل العربي إليها واقتناعه بأنها ند كفئا له في العمل والانتاج وخدمة المجتمع وتلبية احتياجات الحياة. وللأسف أن المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه يضع المرأة دائما في قفص الاتهام. فهي إن تحرش بها أحد في الطريق فإن الذنب يقع عليها نظرا لأنها لا ترتدي ملابس محتشمة بما فيه الكفاية.. مع أن المعاكسات لا ترحم المحجبات ولا حتي المنتقبات. وإذا ضربها زوجها فلا بد أنها خرجت عن طوعه ومن حقه أن يؤدبها. وباختصار فإن المرأة دائما علي خطأ علي الصعيد الاجتماعي والشخصي حتي وإن كانت القوانين تحميها إلي حد كبير. لكن من بيدهم سلطة التنفيذ ينظرون إليها دائما علي أنها سبب المشكلة وأس البلاء. وإذا كنا نتطلع إلي التقدم والنمو فإن الخطوة الأولي هي انهاء ثقافة التفرقة والاعتراف بحقوق الآخرين وبمساواة المرأة والرجل في الحقوق والواجبات. فالرجل والمرأة كائنان متكاملان لا تستقيم الحياة ولا ينصلح حال المجتمع إلا بالانصهار بينهما علي أساس المساواة والتكافؤ. ولا شك أن الاستقلال الاقتصادي شرط مسبق لحصول المرأة علي كل حقوقها وتغيير نظرة المجتمع إليها. وصدقت الكاتبة الفرنسية الكبيرة سيمون دي بوفوار عندما قالت في كتاب' الجنس الثاني: إن حرية المرأة تبدأ بحافظة نقودها. لكل هذه الأسباب أعتقد أنه آن الأوان لتعلن المرأة عن العصيان والتمرد ورفض نظرة المجتمع الحالية لها. آن الأوان أن تنفض المرأة المصرية والعربية عن نفسها غبار قرون من القمع والاستكانة والتبعية للرجل.. آن الأوان أن تتخلص من الفكرة التي زرعها الرجال بأن حريتها تكمن في فرض القيود علي نفسها وعلي جسدها. وأنا علي يقين من أن المطالبة بحقوق المرأة هي في جوهرها مطالبة بحقوق الإنسان ورهان علي مستقبل أفضل لمصر وللإنسانية. [email protected]