السوق الأمريكية متعطشة إلي بيانات صريحة تقدم صورة حقيقية عن الإقتصاد بعد أن أرهقته التخمينات والتقديرات والتصريحات التي تثبت الأيام عدم قدرتها علي تشخيص العرض الحالي. وفي كل مرة يظهر بن بيرنانكي رئيس مجلس الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي أمام مجلس الكونجرس يترك وراءه أسئلة محيرة أكثر مما يقدم إجابات شافية عن مستقبل الإقتصاد الذي يتأرجح ما بين الأمل في إنتعاش فعلي والخوف من الدخول في ركود كارثي! في شهادته الأخيرة أمام الكونجرس في تقريره نصف السنوي, تحدث بيرنانكي عن عدد من المحفزات التي يمكن ان تعين الإقتصاد الأكبر في العالم علي تصحيح بعض الأخطاء والشروع في إنطلاقة جديدة مثل الإبقاء علي تخفيضات الضرائب التي سبق أن قدمتها الإدارة الجمهورية السابقة دون أن يحدد موقفه من مطلب الديمقراطيين تمديد الإعفاءات للشرائح التي يصل دخلها إلي مستوي250 ألف دولار سنويا أو ما يدعو إليه الجمهوريون من تضمين الشرائح العليا في هذه الإعفاءات لتشجيع قطاعات الإقتصاد المختلفة, بينما قال سلفه الان جرينسبان- الذي قضي عقودا في رئاسة الإحتياطي الفيدرالي- صراحة إن الكونجرس يجب أن يوقف هذه الإعفاءات بنهاية العام الحالي من أجل تعويض عجز الموازنة العامة. وفي سباق البحث عن وظائف جديدة للأمريكيين, وضع بيرنانكي الرأي العام امام حقيقة واضحة وهي أن الإنتعاش الإقتصادي صار مشكوكا في أمره بشكل غير عادي ما لم تظهر الوظائف التي يبحث عنها كل بيت في الولاياتالمتحدة. وقد انطلق الرئيس أوباما في حملة ترويجية لدعم أنشطة البيزنيس الصغيرة, قبل عدة أيام, في مسعي لتقليل حدة التشاؤم وبالتالي ضخ قدر من الثقة في هذا القطاع الذي يعول عليه لتوفير نسبة الثلثين في خطة الوظائف الجديدة بتمويل مبدئي يصل إلي30 مليار دولار من وزارة الخزانة فضلا عن إعفاءات ضريبية مهمة. والمعروف أن التشريع الجديد الخاص بتشجيع المشروعات الصغيرة يمر بعقبات في الكونجرس نتيجة تباين مواقف الحزبين من جدوي هذا التحرك. وقد شخص تقرير أخير لعدد من مجالس الإحتياطي الفرعية في الولايات المختلفة حالة الاقتصاد الامريكي بأنها ضعف عام مؤقت نتيجة تباطؤ النمو علي نحو أكبر من المتوقع ولكن دون الإقتراب من رقم للركود يتجاوز ال9%. ويري خبراء مؤيدون لسياسات الإحتياطي الفيدرالي أن الإبقاء علي معدلات الفائدة قرب مستوي الصفر هو إجراء في محله لتحفيز النمو في المرحلة الراهنة رغم أن دوائر عديدة تري عدم جدوي هذا الإجراء الذي لم تظهر نتائجه فعليا رغم الشروع فيه عام.2008 وتعتمد السياسة المالية الحالية علي طمأنة الرأي العام بشأن مستقبل النمو ووقف مشاعر الذعر من تراجع مبيعات سوق العقارات ومبيعات التجزئة ومؤشرات ثقة المستهلكين وأنع من الطبيعي أن تأخذ السوق بعض الوقت ليعود الإنفاق العام إلي حاله وتعود أنشطة البيزنيس إلي توظيف مزيد من العمالة. وعلي حد تعبير أحد أعضاء مجلس إدارة الإحتياطي الفيدرالي فإن الجميع توقعوا طريقا جديدا ممهدا لكنهم صادفوا مطبات غير متوقعة. وفي جميع الحالات, المسئولون يركزون علي أن معدلات التضخم سوف تبقي في مستوي ما بين1% و2% ولكن فرص حدوث إنكماش إقتصادي شبه معدومة. مهمة بيرنانكي ورفاقه في المؤسسة المالية الأكبر في المرحلة المقبلة هي إشاعة الأمل في الأسواق المالية وفي شرايين الإقتصاد المتجمدة بتأثير برودة الأزمة المالية العالمية وضربة سوق العقارات القاصمة, فهل يتمكن من رسم منحني جديد للثقة؟!