هناك علي بعد نحو45 كيلو مترا من القاهرة تعيش خالتي ستوتة هكذا يطلقون عليها, واسمها الحقيقي الحاجة الست شرقاوية, تجاوز عمرها الثمانين عاما, تتمتع باحترام الجميع, إذا تحدثت أنصت اليها الكل, وإذا اقترحت شيئا استجاب الجميع لها, أحرص في كل زيارة علي رؤيتها والتفاؤل بها والاستماع الي أحوال مصر القديمة منها, فهي دائمة الحديث عنها الي جانب كلامها في السياسة وأحوال الشعب خاصة هموم الفلاحين وهناك يطلقون عليها امرأة بمائة رجل. في هذه المرة لم تعجبني خالتي ستوتة فقد رأيتها شاردة وأحيانا ثائرة غاضبة تبكي, فسألتها عن سر هذا التحول؟ فكانت الاجابة صادمة, حيث قالت: طوال عمري أعرف أن الدنيا لم تسو بين الناس, فهناك الفقير والغني والمريض والسليم, والذي تمتع بكل شيء ومن حرم من كل شيء, هذه هي الدنيا يجيء الموت ليسوي بين الجميع لا فرق بين هذا وذلك, وتقول إن الديمقراطية المطلقة تبدأ من الموت!.. ولكن حدث ما لم أكن أتوقعه ورأيت أن هناك فرقا حتي في أسعار الموتي!!! وهنا بكت خالتي ستوتة وهي تقول, هل تصدق أن سعر الميت يختلف؟ فعندما قام سائق المقاولون العرب بإطلاق مدفعه الرشاش علي ركاب أتوبيسه فقتل6 أفراد وأصاب6 حصلت أسرة كل متوفي علي تعويض100 ألف جنيه, والمصاب20 ألفا, وبعدها بأيام سقط الجدار علي أطفال أبرياء جاءوا من الفيوم بحثا عن لقمة عيش لأسرهم الفقيرة ومات7 منهم, وأصدر محافظ القاهرة قرارا بصرف5 آلاف جنيه لأسرة كل متوفي!! يا سبحان الله حتي التفاوت في الأسعار وصل الي الموتي! هؤلاء الأطفال الذين حرمهم الزمن من كل ماينعم به نظراؤهم في المصايف بالساحل الشمالي والنوادي خلال الاجازة, وتسأل الحاجة ستوتة: أين ملايين رجال الأعمال؟!