أعود مرة أخري الي كتاب العائلة الذي قدمته في مقالي السابق, ولابد أن أعترف بأنني لم ألف كتابا أتعبتني قراءته مثل ذلك الكتاب, وليس السبب ضخامته فهو يقع في نحو خمسمائة صفحة, ولكن لسبب التفاصيل الدقيقة والعدد الكبير من الأسماء سواء من أعضاء العائلة أو اعضاء الكونجرس والرؤساء والملوك الذين كانت لهم صلات بالعائلة. وعند عودتي الي قراءة الكتاب مرة أخري وجدت أنه فاتني بعد النقاط من بدء الحركة لم اذكرها في المقال الأول, وكان اول اجتماع لبعض الاصوليين الامريكان مع عدد من اعضاء الكونجرس في واشنطن ودارت مناقشات حول محاربة ما أطلقوا عليه المعاقل الشيطانية مثل البوذية والهندوكية وأجمعوا علي ان ما يريدونه هي حرب روحية, ثم سأل احدهم: كيف تستطيع المسيحية ان تكسب السباق مع الاسلام,؟ وتطوع أحد اعضاء الكونجرس بقوله ان المسلم ينجب العديد من الاطفال بينما نحن في امريكا نقتل بعضهم, واتفق الجميع علي ضرورة بدء حركة وقال احدهم حركة مثل المافيا انظروا الي الروابط التي تحميهم وهي بالنسبة لهم الشرف, اما بالنسبة لنا فهي المسبح, واضاف انظروا الي هتلر ولينين وهوش من وبن لادن وكيف كونوا روابط قوية بين مريديهم. وبين الكاتب جف شارلت ان العائلة كانت لها ميول فاشية وكان احد اعضائها وهو هنري فورد صاحب مصانع السيارات يمول سريا هتلر وكان من اكبر المعجبين به ويري ان الارادة الالهية تتمثل في النازية وكان هتلر من المعجبين بفورد, وكما يقول الكاتب كان يعلق صورته في مكتبه وحين قام فورد بزيارة لهتلر في برلين قال له ان الاشتراكية الوطنية( النازية) وما حققته هي اضافة الي ما فعله فورد. ولم تكن سطوة العائلة مركزة علي الجانب السياسي فقط, بل الشركات وكانت لها علاقات قوية مع ستاندرد اوبل ودييون وجنرال موتورز وكانت لها خلايا عديدة فيها اطلقت عليها, خلايا الصلاة, والتي بلغت اكثر من مائتي خلية وقد استطاعوا تجنيد عدد من الرؤساء في دول مختلفة ومنهم الملكة ولهلمينا ملكة هولندا وكانت مسئولة عن اوروبا والامبراطور هيلاسلاسي في إفريقيا, وكما ذكرت في مقالي السابق وسوهارتو في اندونيسيا. وقد اعتنقت الحركة مبادئ ماكارثي في مناهضة الشيوعية بل والليبرالية وتعاونت مع البريطانيين لوضع حد للاتجاه اليساري الذي ظهر في بريطانيا بعد الحرب بسبب دور الاتحاد السوفيتي في الانتصارين وقامت العائلة بتسريب نسخ من الانجيل الي دول شرق اوروبا الشيوعية وكان مبدأهم وضع الديناميت حيث يجب ان يوضع وكانت الخمسينات قد شاهدت تزايد حركة تهريب الكتاب المقدس. ويشرح الكاتب اهتمام العائلة بالامبراطور هيلاسلاسي والصراع بين امريكا وروسيا في افريقيا وفي إثيوبيا بالذات, ويقول ان امريكا قدمت معونات الي إثيوبيا تفوق معوناتها لكل الدول الافريقية, الاخري وامام ذلك قدم الامبراطور تسهيلات عديدة لوكالة الأمن القومي الامريكي وللمخابرات الامريكية, والتي كان لها دور اساسي في مراقبة احداث الشرق الاوسط, وبالاضافة الي هيلاسلاسي كان لها تأثير علي سياد بري في الصومال في اثناء حكم ريجان في الثمانينيات وعلي عدد من الحكام الديكتاتوريين, ومنهم سافوي في انجولا. وينتقل الكاتب بعد ذلك إلي دور العائلة في التخلص من سلفادور الندي الشيوعي الذي تم انتخابه رئيسا لشيلي ديمقراطيا وفي1970 كتب رئيس العائلة في ذلك الوقت الي السفير الأمريكي في شيلي وبدأت المؤامرة ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيا وقد كان لي حظ مقابلة الندي في وفد من مصر وكانت له شعبية كبيرة والغريب ان امريكا لم تكن وحدها التي وقفت ضد الندي بل الشيوعيون ايضا الذين وجدوا في الانتخاب الحر له يتعارض مع مبادئهم, المهم نجحت العائلة في التخلص من الندي وجاء بدلا منه جنرال دموي هو أوجتوسوسنه والغريب ان مندوب العائلة كتب لهم في ذلك الوقت يقول: ان الشمس بدأت تشرق مرة اخري. ويأتي بعد ذلك دور كوبا وكان للعائلة هناك عميل اسمه كيث كرويني وكان يعمل جاسوسا في امريكا اللاتينية في اثناء الحرب العالمية الثانية وحين تقاعد تولي ادارة مؤسسة ميريل ليتس في كوبا من1946 الي1959 حين قام فيديل كاسترو بطرد الديكتاتور بانستا وكان كرويني يرسل تقارير الي المخابرات الأمريكية والعائلة وكون خلية صلاة قي هافانا من اعضاء السفارة وممثلي البنوك الأمريكية وبعض الشركات الاخري, وذكر كرويني في تقاريره الي وكالة المخابرات والعالم ان كاسترو هتلر آخر وكان ذلك بدء الحرب الباردة ضد كوبا والشيوعية عامة والتي بناها آلان دلاس رئيسها وبدأت عملية ارسال مبشرين الي الخطوط الأمامية للحرب الباردة, وقال ايزنهاور آنذاك إنها حرب ليست بالرصاص بل بالآراء وتجاه وعد الشيوعيين بديمقراطية الشعب استحدث ايزنهاور تعبير رأسمالية الشعب. ويري المؤلف ان ايزنهاور هو أول رئيس امريكي فاز بالرئاسة عن طريق تخالف بين الانجيلية الشعبية التي كان يبشر بها في ذلك الوقت بيلي جراهم وبين الاصولية الامريكية ويذكر انه في5 فبراير1952 عقد صلاة الافطار وحضرها400 من رجال السياسة والاقتصاد وكان موضوع المناقشة الحكومة تحت أمر الله خرجت عنها المقولة ان كل الحكومات الحرة اساسها الفكري العقيدة الدينية. ويذكر الكاتب انه من اهم اذرعة العائلة حركة التسلح الحلفيMoralRe.Armanent وهي حركة بدأت عام1935 علي يد فرانك بوكمان الذي استطاع ان يكون حركة تبناها العديد من الملوك ورؤساء الدول وكان يطلق عليه بادئ الأمر حركة اكسفورد وهي تجمع حر ليس له عضوية ثابتة او اشتراكات او بطاقات عضوية وكان شعار الحركة لا يمين ولا يسار بل الي الإمام وكانت الحركة تري ان هناك قوة عظيمة في اغلبية مختارة يقودها الله وكان من اسس تلك الحركة فترات الصمت او التأمل وفيها ينصتون الي صوت الله الذي يوصيهم الي العمل الصالح. وقدكانت لي تجربة مع هذه الحركة في لندن حين كنت ملحقا ثقافيا في سفارتنا هناك ودعيت الي غداء في مقرها في ميدان بروكلي وبه افخم منازل في لندن. ومن اهم مبادئ الحركة ايجاد ما اسمته نظاما اجتماعيا جديدا تسيره روح الله. وكانت تحاول القضاء علي النضال بين رأس المال والعمل, وفي مثل هذه الدولة التي يقودها الله, سيقوم العمال واصحاب العمل بمناقشة المشكلات بطريقة سلمية ويصلون الي حلول يمليها الله. ومن ثم سيرضي العمال بأن يسيطر عليهم اصحاب عمل يعملون تحت إمرة الله. ويضيفوا ان المشاكل الانسانية ليست اقتصادية بل اخلاقية. وينهي الكاتب بتعريف مختصر للأصولية وبعض مبادئها فيقول ان الحب بالنسبة لها هو الطاعة, والعدالة هي التخلص من الرغبة, وتعبير المسيح وحده لا يعني الروحانية بل السلطة, والاصولية الامريكية تواجه العالم بسياسة ودوافع فيها تتراوح السلطات الحربية والاقتصادية والهيمنة هي الامبراطورية والامبراطورية الامريكية تختلف عما قبلها من امبراطوريات روما والعثمانيين والبحرية البريطانية في انها لا تستعمل السلاح بل الدين والدوافع الاخلاقية.