وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    البورصة المصرية تطلق تطبيق «EGX Gate» قريباً    "سياحة النواب" توصي محافظة الأقصر بوقف تحصيل رسوم من المنشآت الفندقية والسياحية    محادثات سعودية أوروبية إيطالية لمناقشة مستجدات الأوضاع بالشرق الأوسط    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    «فيفا» يشكر المشاركين في افتتاح كأس العالم للأندية    "أعلم أنك لا تحب الخطيب".. خيري رمضان يوجه رسالة نارية لوزير الرياضة    إحالة أوراق تاجر للمفتي لاتهامه بقتل شخص بسبب خلافات مالية بالقليوبية    حريق هائل في مصنع أدوية بمدينة السادات.. والحماية المدنية تكافح لمنع امتداده للمصانع المجاورة    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    الفيوم تستعد لاستضافة معرضها الأول للكتاب بمشاركة كبرى الجهات الثقافية واحتفالا بثورة يونيو    كوميدي.. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم «البوب» لأحمد العوضي: «ميزانية كبيرة لإبهار الجمهور»    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    التعليم العالي تعلن حصاد بنك المعرفة المصري للعام المالي 2024/2025    رئيس جامعة القاهرة يستقبل رئيس المكتب الثقافي الكويتي لبحث التعاون ودعم الطلاب الوافدين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    توقيع بروتوكول الشراكة بين اسوان والهيئة العامة لقصور الثقافة    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    الجامعة الألمانية تنظم ورشة عمل مع هيئة الدواء والمهن الطبية عن اليقظة الدوائية    رئيس جامعة المنوفية والمحافظ يدشنان قافلة طبية متكاملة بمنشأة سلطان    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    «حسبي الله في اللي بيقول أخبار مش صح».. لطيفة تكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل وفاة شقيقها    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    إسرائيل تستعد لإطلاق رحلات جوية لاستدعاء العسكريين والعاملين في الصناعات الدفاعية من الخارج    سفير إيران لدى الكويت: لسنا بصدد توسيع الحرب ولن نتوانى في الدفاع عن سيادة بلادنا بحزم    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تنسيق الجامعات.. 6 أقسام متاحة لطلاب الثانوية ب حاسبات حلوان    جامعة أسوان تنظم ورشة عمل لمناهضة العنف ضد المرأة    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    بريطانيا تشهد تعيينًا تاريخيًا في MI6.. بليز مترويلي أول امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    مراسلة القاهرة الإخبارية: صواريخ إيران تصل السفارة الأمريكية فى تل أبيب.. فيديو    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    إعلام إسرائيلى: تعرض مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب لأضرار جراء هجوم إيرانى    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهَّمه المطران (5-7) مستويات الخلل المنهجى
نشر في المصري اليوم يوم 25 - 08 - 2009

هناك عدة مستويات من الخلَل المنهجى فى الكتاب المنسوب للأمبا بيشوى (الرد على البهتان فى رواية يوسف زيدان) وهو ما يظهر أيضاً فى حواراته الصحفية الكثيرة، التى يندِّد فيها بلا طائل، برواية عزازيل.. وأول مستويات هذا الخلل، هو أن نيافة الأنبا المطران يظن أن (عزازيل) هى وثيقة تاريخية، أو محضر رسمى لواقعة، أو سيرة فعلية لأحد الرهبان.
مع أنها ببساطة شديدة، وحسبما هو وارد على غلافها (رواية.. رواية) ولكن لأنه غير معتاد على قراءة الأدب، فقد انخدع بالإيهام الفنى الذى ورد بمقدمة عزازيل، فظنها كتاباً يمكنه الرد عليه بكتاب! ولو كان الأنبا قد استفسر أو سأل، لكان عرف أن عديداً من الروايات الأدبية والقصائد الشعرية، المشهورة وغير المشهورة، لجأت إلى هذا الإيهام باعتباره تقنية من تقنيات السرد الروائى الحديث.
فعلى سبيل المثال، بدأت أشهر رواية فى الأدب الإسبانى (دون كيشوت) أو (دون كيخوته) بإيهام القارئ بأنها أوراق تركها أحد الموريسكيين، فقام ثربانتس بنشرها. وبدأت رواية أُمبرتو إكو المعروفة (اسم الوردة) بأنها: مخطوطة بالطبع!
وفى الأدب المصرى المعاصر، كثير من الأمثلة على هذه الحيلة الفنية والتقنية السردية التى تسعى لاجتذاب القارئ وإشراكه فى النص، فمن ذلك: الزينى بركات لجمال الغيطانى (رواية) من يوميات المتنبى فى مصر، لمحمد جبريل (رواية)، ديوان النباحى، للدكتور حامد طاهر (شعر) مقتل هيباشيا الجميلة لمهدى بندق (مسرحية).. ناهيك عن الديوان الشهير للشاعر أمل دنقل: أقوال جديدة عن حرب البسوس! وهناك كثيرٌ من الأمثلة على هذا النوع من النصوص الأدبية.
وفى الأدب الروائى تحديداً، لابد من وجود شخصيات تتصارع وتتحابّ، وتجتمع وتفترق، وتتنوع رؤاها وتتعدَّد مصائرها عبر الأحداث الروائية، التى تتصاعد تدريجياً بالوقائع الروائية من المبتدأ إلى المنتهى، عبر لغة أدبية خاصة وصور فنية يرسمها الخيال الروائى، كى يستشف القارئ من ذلك كله، ما يسمى (الخطاب الروائى) أو رؤية المؤلف المبثوثة بين حنايا النص الروائى..
ولأن الأنبا المطران غاب عنه ذلك كله، أو بعضه، فقد ظهر مستوى آخر من مستويات الخلل المنهجى فى (قراءة) المطران للرواية، وهو ما تجلَّى بوضوح فى كتابه الذى يظن هو أنه (رد) على الرواية.. إذ يتوهم المطران أن الروايات عبارة عن (بيانات) يمكن له أن يتعقَّب عبارةً منها أو فقرة مجتزأة، ويسارع إلى التنديد بها والرد عليها.
ولذلك نراه فى طول (كتابه) وعرضه، يلتقط جملة حوارية ما، مردوداً عليها بعد حين أو غير مردود، ويثور ضدها باعتبارها تقريراً يخالف التاريخ الذى يراه نيافة المطران صحيحاً، ولا يرى غيره. ثم يخرج من بعد ذلك كله بنتيجة عجيبة، هى أن الرواية بها أخطاء تاريخية، وبالتالى فهى تزييف للتاريخ، وبالتالى فهى تهدم العقيدة.
ولا أعتقد من جانبى أن (عزازيل) بحاجة إلى تأكيد روائيتها! لأنها ببساطة شديدة، واحدة من الأعمال الأدبية. وقد شهد لها بذلك عشراتٌ من كبار النقاد والكُتَّاب الأقباط والمسيحيين والمسلمين والعلمانيين، وعشرات الآلاف من القراء فى مختلف المشارب والاتجاهات، رجالاً ونساءً.
ثم جاء قرار لجنة التحكيم الدولية لجائزة (البوكر) مؤكِّداً قيمة (عزازيل) الأدبية فارتفعت بعد ثلاث تصفيات، إلى المستوى الأول للرواية العربية العالمية. وقد جاء قرار اللجنة بمنح الجائزة لعزازيل، بإجماع الأعضاء، وهؤلاء الأعضاء (الدوليون) فيهم مسلمون ومسيحيون، عرب وأجانب. وليس فيهم ناقدٌ واحد، يعيش بمصر المحروسة! فكيف يتوهم المطران أن اللجنة الدولية منحت الجائزة لعزازيل، لأنها تهاجم أحد آباء الكنيسة القبطية القدماء.
ويقع المطران فى خطأ منهجى جديد، حين يتصور أن الشخصيات الروائية يجب أن تكون مثل (جوقة) تردِّد الكلام نفسه، فلا تقول أى شخصية أى كلمة مخالفة، أو معبرة عن وجهة نظر أخرى، غير التى يعتقدها المطران. وهذا عجيب منه، جداً.
ومن هذه الزاوية، غاب عن المطران طبيعة الخطاب الروائى فى عزازيل، وكيف أنها فى النهاية تنتصر للإنسان ضد العنف المقيت الذى يتوَسَّل بالدين. ثم غاب عنه أن الشخصيات لابد أن تتنوَّع وتتصارع أفكارها ومواقفها، وأننا حين نضع على لسان شخصية روائية قولاً ما، فهذا لا يعنى بالضرورة أن ذلك هو رأى المؤلف.
وإلا صارت المسألة مهزلة! فقد استعرض الأستاذ نجيب محفوظ شخصية القوَّاد فى (القاهرة 30) واستعمل جوته شخصية إبليس فى (فاوست) واستعمل نيكوس كانتزاكس شخصية المسيح فى غير واحدةٍ من رواياته.. فهل هؤلاء المؤلفون، بالضرورة، هم هذه الشخصيات على اختلافها؟ إننى حزين لاضطرارى إلى شرح هذه البديهيات التى انكفأتْ فى وعى المطران. فقديماً، قال الإمبراطور الفيلسوف، ماركوس أوريليوس: إن أخطر الأشياء على العقل الإنسانى، انكفاء البديهيات.
وهناك مستوى آخر من مستويات الخلل المنهجى فى تناول الأمبا لرواية عزازيل، وهو توتره الشديد تجاه شخصيتين بالرواية: الأولى هى الراهب الشهير (آريوس) الذى ورد ذكره بشكل عارض مرة واحدة، والثانية هى الأسقف الكبير (نسطور) الذى جاء ذكره عدة مرات، لأنه كان من الشخصيات الأساسية فى النصف الثانى من الرواية.
ووجه الخلل المنهجى هنا، أن نيافة المطران لم يستطع التفرقة بين رأيه الشخصى فى آريوس ونسطور من جهة، ومن الجهة المقابلة (السياق الروائى) الذى ورد ذكرهما خلاله، مما أدى بالمطران إلى ارتباك (شديد) فى رد الفعل (الشديد) الذى أبداه المطران ضد الرواية، بعد شهور طوال من صدورها فى عدة طبعات إلا أن المطران لا يطيق أن يسمع أو يقرأ اسم آريوس واسم نسطور، لأنهما يختلفان فى الاجتهاد اللاهوتى عما يعتقده المطران، أو بالأحرى: كانا قبل أكثر من ألف وخمسمائة سنة، يقولان آراء تخالف ما يعتقده المطران اليوم.. فتأمل!
وعلى كل حال، فسوف أعود فى مقالة قادمة للكلام عن آريوس ونسطور، التاريخيين، حتى أوضح لنيافة الأنبا أن هناك وجهة نظر أخرى فيهما، غير وجهة النظر التى يعتقدها هو. علماً بأننى تناولت هذا الأمر تفصيلاً، فى كتابى الذى سيصدر بعد أيام، تحت عنوان: اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى.
وكان من الطبيعى أن يؤدى هذا الخللُ المنهجى، بمستوياته المختلفة، إلى لجوء المطران المتكرر، إلى الحيلة الشهيرة (لا تقربوا الصلاة...) من دون استكمال النص (وأنتم سكارى) ولذا راح يلتقط من حوارات الشخصيات بالرواية، فقرات بعينها، أو عبارات مجتزأة، كى يثبت بذلك دعواه التى لم تثبت أبداً، وسوف تظل دوماً مثيرة للاستغراب. أعنى دعواه العجيبة الزاعمة أن: «عزازيل أبشع كتاب عرفته المسيحية».
أبشع كتاب.. لماذا يا نيافة الأنبا؟ ألم تر فى عزازيل رقة الترانيم الإيمانية، ولحظات الصفو الدينى للراهب هيبا؟ وكيف غاب عنك قلقه من علاقته بأوكتافيا ومرتا، وهو قلق نابع من صراع الدافع الإنسانى مع الوازع الدينى، أم أنك تظن أن الرهبان ليسوا بشراً، وأنهم لا يخطئون؟ وكيف غابت عنك، مادُمْتَ قد قرأت الرواية، مشاهد مثل احتضان الراهب هيبا لصورة العذراء وبكائه على صدرها، ولقائه بالقديس خريطون الذى كان (بالفعل) يختلى فى مغارات البحر الميت، وهيمان الراهب هيبا روحياً عندما حضر القداس ببطريركية أنطاكية؟
.. وكيف تقول يا نيافة المطران إن الرواية ضد كنيسة الإسكندرية! وضد العقيدة المرقسية! وضد القبطية.. سوف أعود لاحقاً لمسألة (القبطية) هذه، لكننى الآن سأوضح لك ما يلى، حتى يهدأ بالك قليلاً: هناك عديد من الشخصيات (القبطية) التى ظهرت بشكل إيجابى فى الرواية، فمن ذلك عم الراهب هيبا الذى تولَّى تربيته، والقس الأخميمى، والقس يؤانس الليبى، والثرى الدمياطى..
وغير هؤلاء كثيرون بالرواية، لكنك يا نيافة المطران تظن أن الأسقف كيرلس هو وحده المرقسى، وهو وحده السكندرى، وهو وحده القبطى، وهو وحده الإلهى المقدس الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهذا مستوى آخر من مستويات الخلل المنهجى، لأن الرواية (عزازيل) لم تقدِّم الأسقف كيرلس بغير ما اشتهر به، ولأن كل إنسان من شأنه أن يخطئ ويصيب. أم تراك تظن أن الأسقف كيرلس لم يكن إنساناً!
وقد قاد الخللُ المنهجى، نيافة المطران، إلى تقرير عبارات عجيبة منها قوله: «بدأ د. يوسف زيدان روايته بخدعة أطلقوا عليها حيلة فنية وإبداع، كان من الممكن اعتبار الأمر كذلك، لو كانت مجرد رواية أدبية لم تتعرض لكنيسة مجيدة ولدين سماوى شوَّه د. يوسف صورته وجرَّده من كل ما هو إلهى، وزيف حقائق تاريخية راسخة على مدى ستة عشر قرناً من الزمان، وقد تجاهل تماماً مشاعر الأقباط المسيحيين الذين نشأ وعاش بينهم». وبعد ذلك بصفحتين فقط، يتغير الأسلوب فجأة حين يخاطب المطران قارئه، خاطباً وُدَّه، بقوله: عزيزى القارئ.. نَهَجَ زيدان نَهْجَ دان (براون) فهل اسمه مجرد صدفة، زيدان: «زى» «دان»!
وهكذا يقتحم السياق كاتبٌ خفيف الظل، حتى إننى ضحكت حين قرأت هذه (القفشة) واعتبرتها واحدة من نكات المطران، أراد أن يخفِّف بها من كآبة كتابه. لكننى للأسف، وجدت الفقرة التالية عليها مباشرة، تعود بالسياق إلى حالة الكآبة. ومن الواضح أن هذه الفقرة التالية كتبها شخصٌ آخر من ذلك الفريق الذى صرَّح الأنبا المطران أنهم كانوا (المساعدين) له فى الكتاب، لكنه لم يذكر أسماءهم! وهو بالقطع، شخص مختلف تماماً فى لغته وأسلوبه، عن الشخص الذى (قفش القفشة) السابقة. ويظهر لنا ذلك بوضوح حين نقرأ الفقرة كاملة (صفحة 304) حيث يقولون: «فهل اسمه مجرد صدفة، زى دان، ياللعجب، فابهتى أيتها السموات واقشعرى أيتها الأرض».
لماذا يا نيافة المطران تريد للسماء أن تبهت؟ وتعبيرك لا يصحُّ على كل حال من حيث اللغة العربية السليمة، فالبُهت من (البهتان) الذى لا تعرفه السماء! لكنك استعملت هنا المعنى العامى فى سياق فصيح، من دون الانتباه إلى أن السماء لا تبهت.. ولماذا يا نيافة المطران تريد من الأرض أن تقشعر، فتقوم الزلازل، هل من أجل (قفشة) خفيفة الظل، تشير للتشابه بين لقبى والاسم الأول لمؤلف شفرة دافنشى؟.. ما هذا يا نيافة المطران.
وحسبما يظهر من (أساليب) الكتاب المنسوب للمطران، فإن هناك خمسة أشخاص على الأقل، قد كتبوه. ولذلك تخلخل سياق الكتاب، واضطرب الأسلوب كثيراً، بسبب تقلب الكاتبين واختلافهم. ففى بعض الصفحات يستمر السياق الوعظى المدرسى متصلاً، حتى يقطعه فجأة أسلوبٌ هجومىٌّ عنيف، لا يكف عن التنديد. وفجأة يتغير السياق، معتمداً على حشد وإيراد نصوص كاملة من تراث الآباء السابقين، ثم لا يلبث أن ينقلب إلى أسلوب معاصر يتعرض بلطف إلى مجريات الأحوال فى مجتمعنا المعاصر..
ولو استخلصنا من جملة ذلك كله، كل ما يخص الرد على رواية عزازيل فى كتاب المطران، فلن نجده يزيد على صفحات معدودة، لعلها خمس عشرة، فى كتاب كبير (380 صفحة) ظل نيافة المطران يوسِّع بين سطوره ويكبِّر أبناط حروفه، حتى يملأ من الصفحات العدد ذاته الذى جاءت فيه رواية عزازيل فى طبعاتها الأربع عشرة. وكان يمكن للمطران، ببساطة، أن يرد على الرواية (إن كان لابد له من ذلك) بمقالة واحدة، ويستغنى عن كل هذا الحشو الذى لا داعى له.
ومن أعجب وجوه الخلل أن المطران، فى خاتمة (الرد) يستشهد ضدى بنصٍّ من المزامير، يشير إلى خيانة يهوذا الإسخريوطى للسيد المسيح. فيضع فى صفحة 375 تحت عنوان (صديق سابق) ما ملخصه أننا بعدما كنا أصدقاء، خنته وكتبتُ عزازيل! وأقول هنا لنيافة المطران، إن عزازيل كُتبت سنة 2006، وتم التعاقد على نشرها فى صيف 2007، وصدرت فى بداية سنة 2008.
وقد عرفتك يا نيافة المطران بعد انتهائى من كتابة الرواية، وكان أول لقاء بيننا فى صيف العام 2007، وقد التقينا بعد صدور الرواية بشهور فى مؤتمر المخطوطات (مطلع صيف 2008).. فلا داعى، ولا مجال، لما تكرِّره من الدعوى بأننى أخذت منك مصادر الرواية. ولا داعى، ولا مجال، لتشبيهى بيهوذا الإسخريوطى، لأنك لست المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام!
ثم يقع نيافة المطران فى خلل منهجى جديد، فادح، حين يتهمنى صراحة بأننى أُمجِّد هيباتيا، العالمة الرياضية الشهيرة التى قتلها المسيحيون بالإسكندرية سنة 415 ميلادية، ثم أظلم العالم كله من بعدها، لقرابة خمسة قرون. والغريب أن الأمبا المطران، بحسب ما ذكره على ظهر غلاف كتابه، هو (خريج كلية الهندسة، جامعة الإسكندرية عام 1963) فكيف يمكن لخريج كلية الهندسة، أن يجحد فضل العالمة الرياضية الفيثاغورية الشهيرة، هيباتيا ابنة ثيون الرياضى السكندرى العظيم.. كيف؟.. وهيباتيا هى التى قدمت صنوفاً من البحوث الرياضية (وقيل إنها شرحت كتاب الجبر لديوفنطس السكندرى) وأحيتْ مجد الإسكندرية العلمى الذى انطفأ بموتها.
وكيف طاوعك لسانك وقلمك يانيافة المطران، وأنت خريج كلية الهندسة، إلى اتهام هيباتيا بممارسة السحر.. السحر.. كيف؟ هل عرفت يانيافة المطران، أو عرف غيرك، أن هناك شخصاً واحداً فى التاريخ الإنسانى، كان رياضياً وفى الوقت ذاته ساحراً! إن الاشتغال بالرياضيات يا نيافة المطران، أو بالفلك، يضاد الاشتغال بالسحر والخرافات. بل إن الاشتغال بالرياضيات، هو مقدمة لأى تفكير إنسانى قويم. ولذلك كتب أفلاطون على باب مدرسته (الأكاديمية) عبارة: لا يدخل علينا إلا من درس الهندسة.
فما الذى تحاوله يا نيافة المطران.. أتريد تشويه صورة هيباتيا؟ لن تستطيع تشويه رمز باهر من رموز الإنسانية. ولن يجديك نفعاً، أن تستعير حجة ضعيفة كتبها رجال دين قدماء من أمثال: سوزومين وسقراط المسيحى (بزعم أنهما مؤرِّخان!) ضد شهيدة العلم وربة الرقة وأستاذة الزمان: هيباتيا، وقد كتب هؤلاء تبريراتهم البائسة، غير المقنعة بعد مقتلها بسنوات، لأنها على زعمهم كانت تشتغل بالسحر!!..
لا يصحّ أن يقال هذا، عن هيباتيا: أبهى امرأة فى الزمن القديم كله، وأذكى نساء الإسكندرية فى كل العصور.. وكيف ترى يا نيافة المطران، إذن، شهادة سينيسيوس فى حق هيباتيا، الذى قال إنها جعلت الإسكندرية منارة العلم فى العالم؟ وهو، كما يعرف الجميع، كان رجلاً مسيحيًّا، بل رجل دينٍ، بل أسقفً للمدن الخمس الغربية (ليبيا).
فيا نيافة المطران، دعنا من الجدال وتعال إلى كلمة سواء: لقد كان مقتل هيباتيا على هذا النحو الفاجع، كارثةً إنسانية، ينبغى علينا أن نتذكرها بأسى ونعتذر عنها، ونطلب لمن اقترفوها وتجرأوا عليها، الغفران والصفح، فلعل الله يستجيب. ولعله تعالى يرحمنا جميعاً، فلا نشهد ثانيةً مثل هذه الفعلة الشنعاء، التى مهما حاول مقترفوها والمعجبون بهم تبريرها، فسوف تظل سُبَّة فى جبين الإنسانية، ولحظة عار فى تاريخ الإسكندرية.. مدينتى.. ومدينتك.. ومدينة الله العظمى (فى الزمن القديم).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.