بداية, أود أن أعبر عن سعادتي بهذه الجيرة الجديدة, صديقي العريق, الروائي الكبير خيري شلبي, قيمة نعتز بها, ونأنس. 1 الله يرحمك ياتوفيق ظللت لسنوات كلما سهرانا مع بعض الأصدقاء في بيت أو مقهي أحكي لهم ماكان قد جري في الغرزة وأقول: وبعدين توفيق شاور علي وقال لمعاون المباحث ده هو اللي اشتراها وقال لي تعالي نشربها. في البداية كان يفاجأ ويشعر بالحرج ثم يكتم ضحكته ويرمقني بجانب العين التي تكون ناحيتي, وأنا كنت أفهم أنه يطلب مني ألا أقول أبدا أن المعاون ضربه بالقلم, وأنا لم أقلها أبدا. 2 لابد وأننا التقينا مع بقية الأصدقاء وجعلناهم يعرفون عنوان البيت الصغير ويتفقدونه من الداخل بعدما تفقدوه من الخارج, توفيق قال إنه سوف يتركه للظروف وأطلقنا عليه اسم( استراحة المطار) مع الوقت صار جونيور هو الذي يبات فيه, لأن والده كان ذهب زمان الي انجلترا للحصول علي الدكتوراة وحصل عليها بعدما تزوج سيدة انجليزية وأنجبوه هناك واطلقوا عليه اسم محمد ودللوه باسم جونيور ثم عادوا الي مصر وبعد زمن ماتت الأم الانجليزية والدكتور تزوج سيدة مصرية وأنجب منها أولادا آخرين وأساءت هي معاملة جونيور وهو لم يعد يذهب الي البيت برغم تعلق أشقائه من الأم المصرية واعجابهم به, عندما تعرفنا عليه عن طريق حمادة هلال كان طالبا في كلية العلوم وكان إذا زار أي واحد منا ووجد بالبيت آلة معطلة لا ينصرف قبل ان يصلحها كما كان يعبث بأصابعه في أي قفل مغلق ويفتحه من دون مفتاح ويجلس في البيت الصغير ويتمرن علي آلة الساكس لمدة أسبوع أو عشرة أيام مما يؤهله لكي يكون عازفا جيدا لهذه الآلة ويعمل ضمن فرق ملاهي شارع الهرم ويدعونا نذهب الي هناك ونتعرف علي العاملين ونأكل ونشرب ونراه وهو يعزف ونعود اخر الليل وعندما يمل الساكسفون يتمرن بضعة أيام علي آلة أخري وينتقل لملهي آخر, ونحن كذلك, كان ابن بلد أبيض اللون ووجهه الوسيم مشرب بالحمرة, ولا يكف عن الابتسام وشعره كستنائي طويل ومفرود الي الوراء ويحدثنا عن المراسلات التي لا تنقطع بينه وبين أخواله وخالاته الإنجليز الذين كانوا يدعونه للسفر والعيش معهم. كان قام بمحاولة قديمة أيام الوحدة بين مصر وسوريا حيث السفر بالبطاقة الشخصية وودعناه وسافر فعلا لكي يهرب من هناك الي لندن والسوريون قبضوا عليه وأعادوه الي مصر ونحن ذهبنا الي المحكمة ورأيناه في القفص والقاضي حكم عليه بستة شهور سجن مع وقف التنفيذ, في تلك الأيام كان استأجر حجرة أرضية في إحدي حواري الترجمان وكنا نذهب ونسهر هناك علي الحصيرة الصفراء التي لسعتها جمرات النار من الناحية التي هناك وتركت فيها حروقا صغيرة سوداء, كما كنا نخلع الأحذية ونجلس علي الحشية الجانبية المفروشة. 3 بعدما تزوج توفيق لم نعد نلتقي إلا قليلا, مرة رحنا نمشي مثل زمان في شوارع المدينة حتي انحرفنا الي طريق جانبي وفوجئنا بأنه مسدود بسرادق صغير والجالسون في مقدمته هبوا لاستقبالنا ونحن لم نجد مفرا من التقدم ومصافحتهم متمتمين بالكلمات المناسبة, وما كدنا نجلس حتي دخل رجلان وجلسا, وقبل أن ينتهي المقرئ من الربع الذي يقرأه قام توفيق وصافح الوقوف علي عجل ولما لحقته وأنا غاية في الحرج وسألته: إيه ياجدع ده؟ قال: مد, مد, وأسرع بالانحراف الي الطريق الآخر وأضاف: أنت مش واخد بالك من الاتنين اللي دخلوا!؟ مالهم؟ فاكر معاون المباحث, بتاع الغرزة؟ ماله؟ اللي دخلوا دول هم المخبرين اللي كانوا معاه لما مسكنا. لأ يا راجل؟ أيوه وذهبنا الي المقهي وجلسنا نتحدث ونضحك قبل أن يتركني ويعود الي البيت.