(1) جلسنا علي عتبة البيت الخارجية العالية وأكلنا الخيار ونحن نتفرج علي المساحة الخالية أمامنا. بعد ذلك قمنا وألقينا نظرة أخيرة من الداخل وأغلقنا النور وباب دورة المياه وانصرفنا والنهار في آخره. توفيق قال إننا سنلتقي ليلا في المقهي وفي الغد نأخذ معنا خليل المحامي ونذهب إلي الحاج سلامة لكي نجلس معه ونشتري البيت.. (2) عندما عدت إلي البيت أخبرتني أمي أن حمادة سأل عني وأنا قلت لابد أنه سوف يأتي إلي المقهي ليلا إن لم يكن معه موعد مع إحدي الفتيات لأنه كان أكثرنا وسامة وأطولنا وصديقاته كثيرات, وينتمي لعائلة فنية وظروفه هي الأفضل بيننا ويعيش في فيلا بمنطقة راقية علي مقربة الصحفيين, وكان في ذلك الوقت يكتب الروايات الرومانسية في الكشكول والكثيرون أخبروه أنه موهوب ولكنه كان يكتب هذه الروايات بسرعة هائلة ويريد أن يخلص منها بأي شكل ويضيع الكشكول ثم سرعان ماتوقف عن هذه الهواية نهائيا وانشغل بلعب كرة اليد في المعهد الذي يدرس فيه وتفوق في هذه اللعبة. (3) عندما التقينا ليلا انفرد توفيق بخليل المحامي وحكي له حكاية بيت عمه وأننا سوف نشتريه باسمي ثم ننقل ملكيته في أي وقت آخر وأنا اقتربت منهما وهو يقول أننا سوف نمر عليه غدا لكي ننتهي من الموضوع وهو استمع إلينا وقال: ربنا يقدم اللي فيه الخير. وعندما مررنا عليه في اليوم التالي وجدناه مازال يجلس في الجلباب وهو يلعب الدومينو مع سعيد عوض الله ومبسم البوري بين شفتيه. ولما توفيق قال: جري إيه ياخليل إنت لسه مالبستش؟ خليل توقف عن اللعب وهو يخبئ الأوراق بيديه الاثنتين ورفع وجهه إلينا وظل يتطلع فينا وهو جالس ينفث الدخان من أنفه وقال: بيت إيه ياعم اللي عاوزين تشتروه؟ وتوفيق قال: جري إيه ياخليل. قوم هات الورق. أتعابك حتاخدها ياأخي إذا كان علي الورق, خمس دقايق يكون جاهز طيب اتفضل قوم خليل قال: لامؤاخذة ياسعدة وترك أوراق الدومينو البيضاء علي اللوحة الخشبية الناعمة وقام واقفا وهو يجذب جلبابه من الخلف ومشينا معه وانتظرناه أمام منزله وتوفيق أعطاني الخمسمائة جنيه وطلب مني أضعهم في جيبي وأن أقول لعمه أنني تفرجت علي البيت ورأيت أنه لايستحق أكثر من أربعمائة أو أربعمائة وخمسين جنيها وإذا لم يوافق أعطيه الخمسمائة جنيه. ولم يمر وقت طويل حتي رأينا خليل يخرج من الباب وهو يرتدي بدلة كاملة قديمة لونها كحلي ونظارة طبية بزجاج أبيض ويضع ربطة عنق لونها أحمر ويحمل تحت إبطه حافظة جلدية سوداء ونحن توقفنا عن الكلام وأفسحنا له وجعلناه يتقدمنا في الطريق إلي بيت الحاج سلامة. وكانت الابتسامة اختفت عن وجهه ومشيته في هذه الثياب مختلفة عن مشيته وهو في الجلباب. (4) كان بيت الحاج سلامة في مواجهة بيت شقيقه الحاج عثمان, وظللنا نطلع السلم الضيق وتوفيق يسبقنا حتي الطابق الرابع أو الخامس لاأذكر وغاب في الداخل لفترة من الوقت ثم خرج إلينا وصاح: اتفضلوا ونحن عبرنا الصالة الخالية ووجدنا الحاج جالسا بحجمه الصغير علي الكنبة ومائلا إلي المسند وظهره شبه مفرود وفوجئت أنه نسخة طبق الأصل من شقيقه الحاج عثمان ولكني سمعت توفيق وهو يقول: إزيك ياعمي. والحاج رد عليه: إزيك ياتوفيق يابني وازي أبوك؟ وخليل وضع الحافظة الجلدية علي المنضدة المنخفضة ووضع ساقا علي ساق وجلسنا صامتين حتي سمعنا تصفيقا في الخارج وحينئذ خرج توفيق وعاد بصينية الشاي وجلس يقلب الأكواب ويقول: ده عبدالله ياعمي اللي كلمتك عنه, وعمه نقل عينيه بيني وبين خليل المحامي وقال: مين فيهم؟ توفيق أشار بيده ناحيتي والرجل تأملني وقال: هيء: وحتعمل بالبيت إيه ياافندي وأنا لم أعرف أرد عليه وقال: اشربوا الشاي. اشربوا. ومد يده تناول الكوب وراح ينفخ فيه ويشرب وللكلام, هذه المرة, بقية..