ألقي الرئيس حسني مبارك كلمة في الذكري الثامنة والخمسين لثورة يوليو, أكد فيها السعي لوطن ديمقراطي مستقر آمن يتيح المناخ الضروري للتنمية وبذل أقصي الجهد لنشر ثقافة الرأي والرأي الاخر والعمل الحر والتمسك بسيادة القانون وعدم التدخل في سير العدالة وأحكام القضاء. وفيما يلي نص كلمة الرئيس: الإخوة المواطنون: تحتفل مصر اليوم بعيدها القومي, نحتفل معا بالذكري الثامنة والخمسين لثورة يوليو المجيدة, فنستعيد ذكريات عديدة لسنوات ما قبل الثورة, وما بعدها.. وعلامات بارزة في تاريخ مصر المعاصر. نستعيد كفاح شعبنا من أجل الاستقلال والجلاء, وما خضناه من حروب متتالية عن الأرض والسيادة وقضايا أمتنا, ونستعيد ما شهدته مراحل عملنا الوطني من انتصارات وانجازات وأوقات صعبة, في سنوات الحرب والسلام. نستعيد كل ذلك وغيره, فنستمد من هذا السجل الحافل المزيد من الثقة والعزم والتصميم, فلقد أثبت شعبنا بقوة ايمانه وصلابة معدنه وتماسك أبنائه أنه شعب قادر علي المضي للأمام.. متخطيا التحديات والصعاب, متمسكا بتحقيق تطلعه للحياة الكريمة والغد الأفضل. لقد تحدثت اليكم في ذكري الثورة العام الماضي.. وسط أزمة اقتصادية عالمية طاحنة, أدت لانكماش حاد في الاقتصاد العالمي, وإفلاس العديد من المؤسسات المالية والشركات, وفقدان الملايين حول العالم لوظائفهم ومساكنهم ومدخراتهم, أدت هذه الأزمة.. والأزمة اللاحقة المستمرة إلي الآن بمنطقة اليورو.. إلي ارتفاع معدلات البطالة, ولجوء الحكومات لإجراءات صارمة للتقشف المالي, ما بين تخفيض الأجور والمرتبات والمعاشات أو تجميدها, ووقف التعيينات بالوظائف العامة, وزيادة الضرائب علي الدخل والمبيعات. لقد استطعنا احتواء تداعيات هذه الأزمة, في اقتصادنا وأوضاع عمالنا ومستويات الاجور والمرتبات, بما حققناه من خطوات الاصلاح الاقتصادي قبل الأزمة, وما اتخذناه من سياسات الإنعاش الاقتصادي بعد وقوعها. تخطينا تداعيات هذه الأزمة ونمضي نحو انطلاقة جديدة, نعاود بها تحقيق معدلات نمو مرتفعة لاقتصادنا. تظل أولويتنا الأولي رفع معدلات التشغيل واتاحة فرص العمل ومحاصرة البطالة. نعلم ان الطريق لذلك هو تشجيع المزيد من الاستثمارات والمشروعات, وإعطاء دفعة جديدة لصادراتنا, كما نعلم اننا سوف نحقق ذلك بمواصلة خطوات الاصلاح الاقتصادي, والتوسع في البنية الأساسية الجاذبة للاستثمار. إن القطاع الخاص المصري تمتد مشاريعه واستثماراته الانتاجية والخدمية بجميع انحاء الوطن, يمثل انتاجه نحو65% من الناتج القومي الاجمالي.. ويمثل العاملون فيه ما يزيد علي70% من اجمالي قوة العمل, وأخذا لذلك في الاعتبار فسوف نستمر في تشجيعه من خلال أطر قانونية واضحة, تحدد دوره ومسئوليته, وتفتح أمامه مجالات أوسع للاستثمار والتنمية وإتاحة فرص العمل, وفي هذا الإطار وتحقيقا لهذا التوجه, جاء اعتماد البرلمان في دورته المنتهية قانونا ينظم المشاركة بين الدول والقطاع الخاص في مشرعات البنية الأساسية, وتعديلات تشريعية تضمن الأولوية لحقوق العمال عند تصفية النشاط الاقتصادي. إن الهدف من هذه الأولوية الرئيسية الأولي ليس إتاحة فرص العمل وزيادة دخول المواطنين فحسب, وإنما تطوير الخدمات العامة المقدمة اليهم, وللأكثر احتياجا منهم بوجه خاص, ولقد أثبتت التجربة علي مدي السنوات الخمس الماضية ان نجاحنا في رفع معدلات الاستثمار والنمو الاقتصادي والتنمية يمكننا من الاسراع في توجيه استثمارات أكبر للخدمات العامة, ولحماية الفئات الأكثر احتياجا من أبناء الشعب. سوف نواصل خلال المرحلة المقبلة توسيع قاعدة العدل الاجتماعي كركيزة أساسية من ركائز سياساتنا, سنواصل الوقوف بجانب الأسر الفقيرة, ليس لحمايتها وتمكينها من مواجهة أعباء الحياة فحسب, وإنما للأخذ بيدها للخروج من دائرة الفقر. تلك هي أولويتنا الرئيسية الثانية والموازية, وسنمضي في تحقيقها بأطر تشريعية متجددة ومتطورة, علي نحو القوانين التي اعتمدها البرلمان بدورته الماضية, لتوسيع قاعدة الضمان الاجتماعي, وتطوير نظام التأمين والمعاشات. سنمضي في تطوير تشريعاتنا, تحقيقا لهاتين الأولويتين الرئيسيتين خلال الفصل التشريعي المقبل.. عندما تأتي الانتخابات المقبلة للبرلمان بتشكيله الجديد, إنني إذ أتطلع لان تدفع هذه الانتخابات بتجربتنا الديمقراطية إلي الأمام, أدعو كل الأحزاب إلي طرح الأفكار والرؤي للتعامل مع هاتين الأولويتين, باعتبارهما أولويات لإ خلاف عليها. يتطلع اليها الوطن والمواطنون.. ويبقي باب الاجتهاد مفتوحا أمام الجميع حول أفضل السبل المؤدية اليها. إن النمو الاقتصادي والعدل الاجتماعي يلخصان الأهداف العديدة التي نسعي اليها اليوم وغدا وبعد الغد, ولقد حققنا الكثير علي طريقها ونجتهد لتحقيق المزيد.. إننا نسعي لوطن ديمقراطي مستقر آمن, يتيح المناخ الضروري للتنمية, يحمي أبناءه من مخاطر التطرف والإرهاب, ويقيهم ما نراه وحولنا من أمثلة للفوضي والخراب والدمار في منطقتنا وخارجها. نبذل أقصي الجهد لنشر ثقافة جديدة تشتد حاجة المجتمع اليها إزاء قضايا عديدة, كقضية الديمقراطية والرأي والرأي الاخر والعمل الحر, وقضايا الفكر والعقيدة, وقضايا المرأة, وقضية التوسع العمراني والخروج من الوادي الضيق, وقضية الزيادة السكانية باعتبارها أخطر ما يواجهنا من التحديات في الحاضر والمستقبل.. وباعتبارها قضية وطن وشعب ومصير. نتمسك بسيادة القانون وإعلاء كلمته, ولا نتدخل في سير العدالة أو أحكام القضاء, نعمل من أجل مجتمع يصل فيه المواطن لأقصي ما يؤهله له تعليمه وإمكاناته وقدراته, بعيدا عن المحسوبية, تتصدي اجهزتنا الرقابية للفساد, ولا مكان بيننا لمرتكبيه أو لمن يتستر عليه, نعي قيم حقوق الانسان المكفولة بأحكام الدستور والقانون, ولا نقبل انتهاك حقوق الانسان المصري وكرامته أو المساس بها. تحكم تحركنا الخارجي المصلحة المصرية.. وقضايا منطقتنا العربية, نعمل من أجل سلام واستقرار الشرق الأوسط دون اجندات خفية وبعيدا عن المهاترات والمزايدة, لم يقدم أحد ما قدمناه للقضية الفلسطينية, ولا يخلو بيت في مصر من شهيد ضحي بحياته من أجلها. نواصل جهودنا دون صخب أو ضجيج من أجل سلام عادل. ينهي الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وغزة ويقيم عليهما الدولة الفلسطينية المستقلة. نحتضن قضايا أمتنا في العراق, والخليج ولبنان واليمن والسودان والصومال. نتابع الحوار الهادئ مع أشقائنا بدول حوض النيل, بما يحفظ مصالح مصر ويحقق التنمية لجميع دول الحوض, ونقيم شراكات دولية مترامية مع دول العالم, تخدم اهداف التنمية وقضايا الداخل. الإخوة المواطنون: إننا إذ نحتفل اليوم بذكري الثورة, نتذكر بالتقدير والاعتزاز رموزها وقادتها, نترحم علي أرواح الرؤساء محمد نجيب, وجمال عبد الناصر, وأنور السادات, ومن فارق عالمنا من رجالها, نقول لهم ان التاريخ سيذكر دائما ما قاموا به منذ ثمانية وخمسين عاما, وإن شعب مصر شعب أصيل يعي أقدار الرجال, ويحفظ ما قدموه من عطاء للوطن. ستبقي مصر وطنا عزيزا مرفوع الرأس والكرامة, تسعي بخطوات واثقة نحو المستقبل, تعلي بنيان نهضتها عاما بعد عاما, وترفع رايتها سواعد ابنائها جيلا بعد جيل. كل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته