حادث القتل الذي ارتكبه سائق سيارة المقاولون العرب جريمة بشعة.. لا يرتكبها إلا مجرم عتيد, يجب تقديمه للمحاكمة ومحاكمته, وأن ينال العقاب الرادع.. ليكون جزاء عادلا.. لتحقيق العدالة.. واستقرار المعاملات بين الناس. إن القتل هو أبشع أنواع الجرائم, والمجتمع لا يمكن أن يتسامح في إزهاق أي روح بشرية علي الإطلاق.. وحتي ولو كان علي سبيل الخطأ, أو حتي لو كان مرتكب الجريمة أصيب بلوثة عقلية, أو حالة غير إنسانية, جعلته يتغير ويتحول إلي مجرم يزهق الأرواح.. بلا وازع من ضمير.. ويستسهل استخدام السلاح للرد علي حالة تنتابه.. أو يجعل السلاح وسيلة للتعامل مع الناس وإزهاق الأرواح. يجب أن تعود للناس في كل مكان حالة الاطمئنان, لأن إزهاق أي روح بشرية هو جريمة بشعة يجب ألا تمر بسهولة, ولأن المجتمع لا يتسامح إطلاقا مع القتل.. أيا كان أسلوبه, فالذي يفرق بين المجتمع الإنساني وغيره هو إعلاء قيمة الإنسانية وحفظ مكانتها, ولذلك أزعجني جدا أن يبرر البعض الجريمة, وأن يقول أحدهم.. يا عم محمود لست المجرم وحدك, بل ويوجه الاتهام لمن شجعه علي الجريمة.. نعم نحتاج أن ندرس الظروف والمناخ الذي جعل القتل عملية سهلة.. أولا هذا السلاح المنفلت بلا ترخيص الذي أصبح ظاهرة يجب أن تقلق أجهزة البحث.. فهذا السلاح بلا ترخيص يعكس انتشاره حالة يجب أن تنتبه إليها أجهزة الأمن, وأن تواجهها.. كما يجب إعادة دراسة أساليب إعطاء التراخيص, ولابد أيضا من دراسة الوضع النفسي للسائقين في المؤسسات وخارجها.. يجب دراسة حالات السائقين النفسية والاهتمام بهم, ولعلنا نشير هنا إلي أن أكثر الجرائم انتشارا الآن هي جرائم السائقين علي الطرق.. حيث ينتشر بينهم تعاطي المخدرات والإهمال والتهور, بحيث أصبحت حوادث السيارات هي القاتل الأول في الشارع والطريق المصري الآن. ليس هناك فرق كبير بين جريمة سائق ميكروباص المقاولون العرب وجرائم السائقين المتهورين من سائقي التريللات والمقطورات القاتلة, من مختلف الأنواع, التي تهدد الطرق المصرية بجرائم مستمرة ومتعددة, حيث تنقلب سياراتهم نتيجة السرعة الزائدة, وتتحطم السيارة وتضيع حمولتها إذا كانت سيارة نقل, أو يضيع ركابها كلهم أو معظمهم إذا كانت أتوبيسا أو ميكروباص, أو تتصادم مع السيارات الأخري مسببة حوادث مروعة علي الطريق يكون لهاضحايا عديدون.. في الوقت الذي نجد فيه من يبررون الجريمة ويحمون القتلة, وأصحاب لوبي المقطورات الخطير.. وهذه الحوادث لها تأثيراتها الاجتماعية والإنسانية الضارة إلي أبعد الحدود.. وهي حوادث تتكرر يوميا.. لأننا لم نعتن بالسائقين وبالسيارات بمختلف أنواعها, ولم نراقبهم, ولم تتابع حالاتهم النفسية.. ولا نفحص قدراتهم علي ممارسة هذه المهنة الصعبة. كما أن انتشار الجرائم الناجمة عن الخزعبلات والشعوذة والخرافات المتعلقة بالتنقيب عن الآثار أو البحث عن مواد سامة وغيرها تدخل في هذا الإطار. وكذلك الجرائم العديدة للبحث عن الزئبق الأحمر وحادث سفاح المنيا ليس ببعيد.. فقد دخلت الخرافات والسحر والشعوذة والبحث عن الكنوز والآثار الوهمية مجال الجريمة وأصبحت لها خطورتها. لكن هذه الجريمة البشعة الأخيرة تدق ناقوس الخطر للمؤسسات الكبري وللجامعات والمؤسسات البحثية والاجتماعية والسلوكية, لدراسة العلاقات الإنسانية والاجتماعية للمصريين وبحث وجود حالات تسلط بعض العاملين علي بعض.. واستغلال أوضاعهم الاجتماعية أو نفوذهم عليهم لدفعهم في مسار الجريمة. ويجب أن يكون هذا الأمر موضع تحقيق داخلي يومي, داخل كل مؤسساتنا حتي لا تترك العلاقات تتداعي ولا تصل الأمور إلي مرتبة الجريمة بكل تعقيداتها وتداعياتها الاجتماعية وتأثيرها النفسي علي المجتمع. حقا لقد اهتز الضمير الجمعي المصري لمشهد جريمة القتل الجماعي من سائق سيارة المقاولون العرب.. وكان مشهد الضحايا الذين ارتفعوا إلي8 بخلاف المصابين, واحتشاد أهالي القتلي والمصابين, مشهدا مؤثرا لا أظن أن ينتهي سريعا من ذاكرة المصريين, لأن المشهد والحادث جسدا تغيرا سلوكيا واجتماعيا جديدا علي المجتمع المصري الذي لم تصل فيه درجة العنف إلي ما حدث في الجريمة الأخيرة, فلم يعرف مجتمعنا ظاهرة القتل الجماعي بعشوائيتها التي عرفتها مجتمعات أخري, ولذلك يجب أن ينتبه الجميع إلي هذه الحادثة فلا نتوقف أمام التحقيق الجنائي, ولكن يمتد الاهتمام لبحث المتغيرات الاجتماعية والنفسية والسلوكية لسكان القاهرة والمدن المكتظة سكانيا, ودراسة عقلية الازدحام وتداعياتها, والنتائج المرتقبة للسكن سواء في التجمعات المزدحمة أو في المقابر أو العشوائيات, فالناتج الاجتماعي والإنساني فيها خطير, وقد يهدد حالة اجتماعية مصرية عرفناها عبر تاريخنا, وهي حالة السكينة والطمأنينة المجتمعية والتعايش الإنساني بين المصريين, الذي يبدو أنه يندفع وبسرعة نحو وضع جديد لا نريده, ولا نرضاه لمجتمعنا الذي سكنته الوداعة والمحبة ورفض العنف وأصحابه, ولذا أكرر أنه يجب عدم الاستهانة بأتوبيس الموت وضحاياه وتسجيله في عقولنا ووجداننا.. في العقل الواعي قبل العقل الباطن. ولا يفوتنا هنا أن ننوه إلي سرعة حركة شركة المقاولون العرب للتخفيف من أثر الكارثة علي أسر الضحايا والمصابين, لاحتواء تلك الجريمة الإنسانية المفزعة, وهذا الحادث الإجرامي الذي يحمل ملامح مخيفة علي علاقاتنا الاجتماعية مستقبلا, ما لم نتلاف كل ذلك بكل عناصر الوقاية الممكنة ونحاصر الظروف والملابسات والعلاقات التي تهيئ الظروف أمام وقوع الجريمة وتصنع المجرمين. [email protected] المزيد من مقالات أسامه سرايا