حالة من الغضب والسخط سادت الشارع المصري عقب الإعلان عن هروب ممدوح إسماعيل مالك العبارة المنكوبة "السلام 98" للخارج قبل بدء التحقيق الرسمي معه حول مسئوليته الجنائية عن الحادث الذي راح ضحيته أكثر من 1500 شخص كانوا علي متن عبارة الموت ووسط شائعات لا تنتهي عن علاقته بعدد من المسئولين الكبار ونفوذه الواسع الذي مهد له الطريق للخروج من مصر دون أي مضايقات. ووسط هذه الاجواء المضطربه.. ظهرت تحركات من عدد من نشطاء حقوق الإنسان والاكاديميين والمحامين لتشكيل فريق عمل من المحامين ونشطاء المجتمع المدني لتحريك دعوي أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد مالك العبارة الهارب ومن يسانده من أصحاب النفوذ إذا ما تأخرت إجراءات النيابة العامة المصرية. وحسب بيان جمعية ابن رشد للتنمية التي يرأسها الدكتور أحمد ثابت الاستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فان هذا الفريق سيتولي التوجه لأهالي الضحايا لرفع دعاوي قضائية علي المتهم بالمجان ودون دفع أية مصروفات ويتحمل المركز مسئولية مخاطبة المهتمين بهذا الأمر لافتين إلي ان هذه الإجراءات جاءت بعد ان أهملت الحكومة القيام بهذه المهمة طوال الفترة الماضية. وقال الدكتور أحمد ثابت ان اللجوء للمحاكمة الجنائية الدولية لمحاكمة ممدوح إسماعيل في الخارج سيكون الخطوة الأخيرة إذا لم تقم الحكومة بالقبض عليه ومحاكمته أو إذا حاولت الحكومة الالتفاف لحماية إسماعيل بإنهاء القضية بصرف التعويضات. وأكد ثابت علي ضرورة محاكمة مختلف الجهات المسئولة في ميناءي سفاجة وضبا السعودي بتهمه التقصير والاهمال لسماحهما بسفر العبارة وعودتها رغم حالتها السيئة للغاية بالاضافة لسرعة إعلان نتائج تقرير فحص الصندوق الأسود للعبارة. وتابع ان المركز يتعاون في تلك القضية مع لجنة الحريات بنقابة المحامين والحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" لافتا إلا ان هناك تقصيرا واضحا حتي الآن في القبض علي مالك العبارة ومحاكمته أمام القضاء حيث يمكن القبض عليه في المكان الذي هرب اليه عبر الانتربول الدولي. مشيرا إلي ان الفريق الذي تم تكوينه لتحريك دعوي ضده أمام المحكمة الجنائية الدولية سينتظر لمدة ثلاثة شهور فقط فإذا لم تتم محاكمة عاجلة له فان الفريق سيتقدم باسم الضحايا ومؤسسات حقوق الإنسان المشاركة مع الجمعية بدعوي قضائية أمام المحكمة الدولية وسيكون السبب المباشر لذلك هو عجزنا وعجز النظام السياسي عن حماية حقوق الضحايا في القصاص من قاتل ذويهم. وأوضح ثابت ان هناك إمكانية في تحويل هذه القضية إلي المحكمة الجنائية الدولية حيث يمكن - حسب وصفه - لاي مجموعة من الأفراد أو الجماعات ان تتهم شخص في موقع رسمي أو غير رسمي إذا ارتكب جريمة ضد الإنسانية وتم استنفاذ جميع إجراءات التقاضي الوطني في البلد الذي وقعت فيه الجريمة ولم يتم البت فيها مشيرا إلي ان هذه الإجراءات ستتخذ ايضا ضد البلطجية الذين قاموا بالاعتداء علي الصحفيات يوم الاستفتاء علي تعديل المادة 76 من الدستور والذين أغلق النائب العام ملف قضيتهم دون تقديم أحد للمحاكمة فيه هذه الجريمة البشعة. وأكد ثابت ان اللجوء للقضاء الدولي ليس في مساس بالسيادة الوطنية لان الدولة لم تقم بدورها في حماية حقوق مواطنيها بل تحولت في حادث العبارة - علي حد تعبيره - أي متستر علي مجرم وبالتالي لا يكون أمامنا سوي اللجوء للقضاء الدولي بعد فشل القضاء المحلي في الوصول لحقوقنا. وقال ان النظام المصري اعترف بالمحكمة الجنائية الدولية ونظامها الأساسي وبالتالي سيكون من حقنا اللجوء اليها لمحاكمة مالك عبارة الموت إلا ان حديث ثابت وتحرك مجموعة من القوي الوطنية فتح ملفا اخطر من محاكمة صاحب عبارة الموت وهي امكانية اللجوء للقضاء الدولي في قضية متهم فيها مصري وكذلك الشكوك التي تساور البعض حول نزاهة التحقيقات وسير المحاكمات المصري في قضايا من هذا النوع والتي يمكن ان يتورط فيها مسئولون كبار بالاضافة إلي ان ذلك التوجه قد يبدو فيه مساس بالسيادة الوطنية. في البداية ينفي تامر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ومنسق التحالف العربي من أجل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية امكانية إجراء هذه المحاكمة، ويؤكد ان حادث العبارة لا يصنف كجريمة دولية يمكن ان تقبلها المحكمة الجنائية الدولية موضحا أن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الدولية هي الجرائم الاشد خطورة والتي حددها المجتمع الدولي بجرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان مشيرا إلي ان غرق العبارة لا تتوافر فيه اركان جريمة القتل العمد الناجم عن هجوم محدد ومنظم حسب تعريف النظام الأساسي للمحكمة. وأوضح أمين ان اختصاص المحكمة الجنائية الدولية موجه للجرائم الدولية التي ترتكب وقت النزاعات والحروب والتي يصعب فيها تحديد متهمين أو اختصاص قضاء وطني يستطيع محاكمتهم. وقال ان الاحالة للمحاكمة لها عدد من الشروط أهمها ان تقوم دولة طرف في نظام روما المنشيء للمحاكمة إلي المدعي العام للمحكمة حالة يبدو فيها ان جريمة أو أكثر من الجرائم السابق قد ارتكبت أو إذا احال مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة حالة إلي المدعي العام يبدو فيها ان جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في اختصاصات المحكمة قد ارتكبت أو إذا كان المدعي العام قد بدأ مباشرة تحقيقا فيها يتعلق بجريمة من هذه الجرائم كما يجوز لدولة طرف ان تحيل إلي المدعي العام أية حالة يبدو فيها ان جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت وان تطلب إلي المدعي العام التحقيق في الحالة بغرض البت فيها إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم كما تحدد الحالة بقدر المستطاع الظروف ذات الصلة ويرفق بها المستندات المؤيدة للاتهام. وأكد ان عقاب مالك العبارة بيد القضاء الوطني وحده حيث تستطيع الحكومة اتخاذ الإجراءات الجنائية ضده كما يمكن لها ان تطلبه للتحقيق في هذه الواقعة والقبض عليه من بريطانيا من خلال الانتربول الدولي. وأكد أمين ان اللجوء للقضاء الدولي لا ينقص من السيادة الوطنية كما ان اللجوء للقضاء الدولي تحكمه اتفاقيات وقعتها الحكومة المصرية مع حكومات العالم وبالتالي فمن حق أي دولة اللجوء لهذه المحكمة إذا لم يستطيع القضاء الوطني الوفاء بإجراء محاكمة عادلة مستقلة في الجرائم التي نص عليها نظام المحكمة الجنائية الدولية. ويشارك ياسر حسن عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة العربية تامر أمين في الرأي أنه لا يمكن محاكمة ممدوح إسماعيل أمام المحكمة الجنائية الدولية لافتا إلي ان القضاء المصري وحده هو المختص بهذه القضية لان الجريمة وقعت في أرضه وقام بها أحد مواطنيها وليس بها ضحايا أجانب. وأوضح حسن ان اللجوء للقضاء الدولي لا يبدأ إلا بعد استنفاد كل سبل التقاضي الوطنية. وأضاف انه في حالة عدم خضوع مالك العبارة الهارب للمحاكمة فانه يمكن لهذه المجموعة المشكلة ان تحاكم إسماعيل أمام محكمة شعبية علي غرار محاكمة بوش وبلير الشهيرة والتي يمكن ان تعقد في أي نقابة مهنية ويكون فيها قضاة من الشخصيات المشهود لها بالنزاهة والحيدة والاستقلال بالاضافة لممثل للادعاء ودفاع عنه وتتم المحاكمة، نفس الموقف تبناه نجاد البرعي المحامي بالنقض ورئيس جماعة تنمية الديمقراطية الذي أكد علي ضرورة القبض علي ممدوح إسماعيل ومحاكمته في مصر لافتا إلي قدرة النائب العام المصري في القيام بهذا الدور من خلال اصداره أمرا بالقبض عليه وتقديمه للتحقيق في هذا الحادث وإذا كان هاربا يتم ترحيله لمصر عبر الانتربول الدولي الذي قام خلال الفترة الماضية بالقبض علي العديد من المطلوبين من جانب القضاء والحكومة المصرية. وأقر البرعي بصعوبة محاكمة إسماعيل في الخارج لان الجريمة المتهم فيها تمت في مصر وأسر ضحايا الجريمة في مصر كما ان القضاء الوطني لم يقدم حتي الآن بالتحقيق معه والقرار بمسئوليته عن هذه الجريمة فهو حتي الآن لم يدان بأي تهمه جنائية في هذه القضية. وأضاف ان دور المجتمع المدني الان هو الضغط علي القضاء المصري في فتح محاكمة نزيهة وعادلة له وان تتم بأسرع وقت وان يتم صرف تعويضات أهالي الضحايا بأسرع وقت وخاصة التي تعهدت شركة إسماعيل بدفعها لهم. وأوضح البرعي أنه لا يجوز في الحالة العامة محاكمة أي مواطن مصري أمام محكمة أجنبية إلا إذا ارتكب جريمة هناك وتم القبض عليه لكن الاصل في محاكمة أي مصري هي ان تتم محاكمته في بلده وأمام قاضيه الطبيعي وحتي إذا ارتكب جريمة في بلد آخر ولم يحاكم عليها فانه يمكن ان يحاكم علي أثرها أمام القضاء الوطني. وعاد البرعي مرة أخري لقضية إسماعيل وأكد ان النائب العام تحت يده الادلة الكاملة حول القضية والتحقيقات التي تمت فيها وانه من واجب منظمات المجتمع المدني ان تتابع سير التحقيقات وحث النائب العام علي فتح التحقيق مع مالك العبارة في أقرب وقت لافتا الي ان المنظمات يمكن ان تضغط علي النائب العام وقال انه سيتبني فكرة ان تقوم المنظمات بحملة لدفع مليون مواطن مصري لارسال برقيات وخطابات تطالب النائب العام بفتح تحقيق في القضية والقبض علي إسماعيل واحضاره للمثول في المحاكمة والتي يمكن ان تتم بسرعة وتحديد المجرم الحقيقي فيها وتقديمه للعدالة.