الرئيس السيسي: تطوير الموانئ تتويج لجهود الجميع.. وكامل الوزير: الفضل لتوجيهاتك    خلال لقاء نظيره التشادي.. وزير الخارجية يدعو لتضافر الجهود دعما للشعب السوداني    منتخب الجماز الفني للناشئين والناشئات يشارك في بطولة العالم بالفلبين    يلا شوووت.. إنجلترا تبحث عن رقم تاريخي أمام ألبانيا في ختام التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    ارتياح في ليفربول بعد استبعاد صلاح من مباراة كاب فيردي    مصرع 3 تجار مخدرات وضبط آخرين في تبادل إطلاق النار مع الشرطة بأسيوط وسوهاج    عاجل- نقل الموسيقار عمر خيرت للعناية المركزة وإلغاء حفلاته    "القاهرة الإخبارية": اشتباكات مشتعلة بين الجيش السوداني والدعم السريع في بابنوسة    نتنياهو يواجه انتقادات عنيفة من اليمين المتطرف بعد بيان أمريكي يدعم إقامة دولة فلسطينية    محافظ أسوان يستقبل المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوى الإعاقة    جامعة أسيوط تفتتح فعاليات أسبوع الدعوة الإسلامية "مفاهيم حضارية"    الإحصاء: ارتفاع عدد المشتغلين ل32.5 مليون فرد خلال الربع الثالث من العام الحالي    نجل محمد صبري: والدي لم يكن يعاني من أي أمراض.. وطريقة لعبه تشبهه في كل شئ    الأهلي يستعد لتجديد عقد أحمد عابدين حال عدم تلقي عرض من فاماليكاو البرتغالي    نهاية الأزمة.. الأهلي يعلن تعيين حسام عاشور مديرًا لأكاديمية فرع التجمع الخامس    هيئة الرقابة المالية تعدل ضوابط مزاولة الشركات لنشاط تمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة    ضبط سائق توك توك تعدى على سيدة بالسنبلاوين بعد انتشار فيديو الواقعة    حزب «حماة الوطن» ينظم لقاءً جماهيريا بالقليوبية دعما لمرشحه في انتخابات النواب    نظام اليوم الواحد (One Day Light)، للتخلص من الانتفاخ واستعادة النشاط    حلا شيحة : دينا الشربينى جدعة ونيتها طيبة ومش خرابة بيوت ولكل من خاض فى عرضها اتقوا الله    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    جهود صندوق مكافحة الإدمان.. تخريج 100 طالب من دبلوم خفض الطلب على المخدرات بجامعة القاهرة    الطقس: استمرار تأثير المنخفض الجوي وزخات متفرقة من الأمطار في فلسطين    عودة قوية للجولف في 2026.. مصر تستعد لاستضافة 4 بطولات جولف دولية    أصوات انفجارات لا تتوقف.. قصف مدفعي إسرائيلي على المناطق الشرقية لخان يونس بغزة    خالد النبوي: حسين فهمي أستاذ وصديق    وزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية يفتتحان فرع أكاديمية الفنون بعد التطوير    دولة التلاوة.. مصر تُعيد تلاوتها من جديد    المدون الموسيقي أحمد الموجي فى قراءة لحفل المتحف الكبير: الاحتفالية رحلة موسيقية من الماضى إلى الحاضر بعين معاصرة    ترامب يواصل إفيهات للسخرية من منافسيه ويمنح تايلور جرين لقبا جديدا    الأزهر للفتوى: الالتزام بقوانين وقواعد المرور ضرورة دينية وإنسانية وأمانة    إيطاليا ضد النرويج.. هالاند يطارد المجد فى تصفيات كأس العالم    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    مواعيد وضوابط امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    جهاز مستقبل مصر يقود سوق القمح نحو الاكتفاء الذاتى عبر زيادة المساحات الزراعية    محافظ الجيزة يثمن إشادة التعليم العالي بالشعار الجديد للجيزة ويؤكد: يجسد الإرث الحضاري    تشمل إمدادات الغاز.. زيلينسكي يعلن عن اتفاقيات جديدة مع شركاء أوكرانيا    الجامعة العربية: قطاع التعليم في مقدمة القطاعات التي استهدفها الاحتلال    جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    منتخب مصر يستعيد جهود مرموش أمام كاب فيردي    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    كفاية دهسا للمواطن، خبير غذاء يحذر الحكومة من ارتفاع الأسعار بعد انخفاض استهلاك المصريين للحوم    بمشاركة 46 متدربًا من 22 دولة أفريقية.. اختتام الدورة التدريبية ال6 لمكافحة الجريمة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    أمين البحوث الإسلامية يبحث مع رئيس جامعة أسيوط تعزيز التعاون لنشر الوعي بين الطلاب    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 16 نوفمبر    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    محمد فراج يشعل تريند جوجل بعد انفجار أحداث "ورد وشيكولاتة".. وتفاعل واسع مع أدائه المربك للأعصاب    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن استقلال البنك المركزي

يثير موضوع استقلال البنك المركزي عن الحكومة جدلا كبيرا في مختلف الأوساط‏,‏ ويبدو أن الاتجاه الغالب في معظم الدول هو نحو تأكيد هذا الاستقلال‏,‏ ومع ذلك فقد أعيد طرح الموضوع من جديد‏,‏ خاصة في أوروبا. عندما أجاز المحافظ الفرنسي تريشيه شراء البنك المركزي الأوروبي لسندات تطرحها الحكومات للمساهمة في دعم جهود الحكومات الأوروبية في معالجة الأزمة المالية‏.‏
وقد رأي العديد من العاملين في البنوك المركزية الأخري‏,‏ خاصة في البوندزبنك البنك المركزي الألماني‏,‏ والذي تقلص دوره بعد إنشاء اليورو أن هذا التصرف من جانب تريشيه هو خضوع غير مبرر من محافظ البنك المركزي الأوروبي لضغوط رجال السياسة والحكومات لمساعدتها لإخراجها من ورطتها في معالجة الأزمة المالية‏,‏ وأتجه هذا الرأي إلي أن مسئولية البنك المركزي الأوروبي تنحصر في حماية قيمة العملة‏,‏ وأنه لا يجوز للبنك المركزي الخضوع للضغوط السياسية من الحكومات لأغراض أخري غير الدفاع عن قيمة العملة‏,‏ فهذه مسئولية الحكومات وعليها تحقيقها بوسائل أخري غير استخدام البنك المركزي لهذا الغرض‏.‏
ويعيد هذا الجدل حول دور البنك المركزي ومدي استقلاله‏,‏ هو طرح لموضوع قديم‏/‏ جديد‏,‏ فالتساؤل مطروح منذ فترة طويلة حول استقلال البنك المركزي عن الحكومة‏,‏ ومدي وحدود هذا الاستقلال‏.‏
وهناك شبه اتفاق علي ضرورة أن يتمتع البنك المركزي بدرجة عالية من الاستقلال في إدارة الشئون النقدية من الناحية الفنية‏,‏ وأن لا أحد له أن يتدخل في هذا العمل‏,‏ ولكن القضايا النقدية ليست كلها أمورا فنية‏,‏ فأهداف السياسة النقدية لها طابع سياسي‏,‏ وكان السؤال دائما هو من يحدد أهداف السياسة النقدية؟ هل هو البنك المركزي وحده‏,‏ أم أن السياسة النقدية شأنها شأن كل سياسة هي بالدرجة الأولي عمل سياسي يخضع للمساءلة السياسية أمام البرلمان‏,‏ وبالتالي فإن الحكومة لابد أن يكون لها دور في تحديد أهداف السياسة النقدية‏,‏ فالحكومات مسئولة أمام البرلمان عن كل السياسات سواء كانت مالية أو نقدية أو تجارية‏,‏ وبالنسبة للسياسة النقدية فإنه لا يمكن أن تكون الحكومة مسئولة عن أهداف سياسة لم تحددها‏,‏ وقد انتهي الجدل في انجلترا إلي الإقرار بأن الحكومة تحدد بمشاركة البنك أهداف التضخم المسموح به‏,‏ وأن يترك للبنك المركزي وضع السياسة النقدية الكفيلة بضمان تحقيق هذه الأهداف‏.‏
فوضع الأهداف للسياسات المختلفة هو بطبيعته عمل سياسي تحدده الحكومة تحت المسئولية أمام البرلمان‏,‏ أما أساليب تحقيق هذه الأهداف‏,‏ فهي مسائل فنية يترك للبنك المركزي حرية اتخاذ الإجراءات النقدية المناسبة لتحقيقها‏.‏
أما الوضع في الولايات المتحدة فهو مختلف بعض الشيء‏,‏ فالنظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية نظام رئاسي‏,‏ وليس برلمانيا‏,‏ وحيث يضع الرئيس وحده السياسات التنفيذية‏,‏ وهو مسئول عنها أمام الشعب في الانتخابات‏,‏ ولكن الكونجرس هو الذي يوافق بالمقابل علي الموازنة‏,‏ وهكذا هناك استقلال بين السلطات‏,‏ كما أن هناك توازنا بينهما‏,‏ الرئيس يرأس السلطة التنفيذية‏,‏ ويختص البرلمان بالتشريع‏,‏ وبذلك فهناك تقسيم واضح للاختصاصات وفصل كامل بين السلطات‏,‏ وفيما يتعلق بالسياسة النقدية فإن البنك المركزي بنك الاحتياطي الفيدرالي يضع هذه السياسة‏,‏ ولكننا نجد أن تعيين رئيس هذا البنك يتم بترشيح رئيس الجمهورية‏,‏ وموافقة الكونجرس‏,‏ وفي نفس الوقت فإن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي يقدم تقاريره للجان البرلمان بمجلسيه‏,‏ وهكذا نجد أن البنك المركزي الأمريكي يخضع لإشراف مشترك من الرئيس والكونجرس‏,‏ فالتعيين يبدأ بترشيح من الرئيس‏,‏ وكذا التجديد‏,‏ وهو مسئول أمام لجان الكونجرس‏,‏ فيما يقدمه لها من تقارير كذلك هناك تعاون وثيق بين رئيس بنك الاتحاد الفيدرالي ووزير الخزانة‏,‏ ولا تقتصر أهداف السياسة النقدية في أمريكا علي حماية قيمة العملة‏,‏ وإنما أضيف إليها أيضا بعد الحرب العالمية الثانية هدف حماية مستوي العمالة والنشاط الاقتصادي‏,‏ وهكذا فإن بنك الاحتياط الفيدرالي هو الذي يضع السياسة النقدية‏,‏ وحيث يتم تعيين الرئيس وأعضاء مجلس الإدارة‏,‏ بقرار مشترك من السلطتين التنفيذية والتشريعية‏,‏ كما أن رئيس البنك مسئول أمام لجان الكونجرس‏,‏ ولا تقتصر مسئوليته فقط علي حماية قيمة العملة‏,‏ وإنما تمتد إلي تحقيق مستوي معقول من العمالة والنشاط الاقتصادي‏.‏
وكان النموذج الالماني هو الأكثر تأثيرا في الفترة الأخيرة علي تحديد مفهوم مدي استقلال محافظي البنوك المركزية في أوروبا‏,‏ فالبنك المركزي الألماني مسئول فقط عن حماية قيمة العملة‏,‏ ومحاربة التضخم‏,‏ وهو يتمتع باستقلال تام إزاء الحكومة‏,‏ ولا يرجع هذا الوضع إلي نظرية اقتصادية بقدر ما هو نتيجة ظروف تاريخية خاصة بألمانيا‏,‏ فلا ننسي أن ألمانيا عانت بعد الحرب العالمية الأولي من مشكلة التضخم المبالغ فيه حتي أصبح الشعب الألماني بالغ الحساسية لكل ارتفاع في الأسعار‏,‏ وبعد الحرب العالمية الثانية خضعت ألمانيا للاحتلال من جانب دول الحلفاء الأربع‏:‏ الولايات المتحدة‏,‏ وانجلترا‏,‏ وفرنسا‏,‏ والاتحاد السوفيتي‏,‏ وكانت هذه الدول المنتصرة في الحرب تدير المناطق الواقعة تحت سيطرتها‏,‏ وذلك قبل إعلان قيام جمهورية ألمانيا الاتحادية‏,‏ وقد رأت سلطات الاحتلال الغربية في عام‏1948‏ أنه من الضروري إصدار عملة جديدة هي المارك الألماني‏DeutschMark‏ بدلا من العملة النقدية القديمة مارك الريخ‏Reichsmark‏ واستخدمت قوات الاحتلال الأمريكية البنك المركزي لمقاطعة لاندر‏Lander‏ لهذا الغرض‏,‏ وفي ضوء التجارب المريرة للتضخم في ألمانيا فقد حددت وظيفة هذا البنك بحماية قيمة العملة فقط‏,‏ ونظرا لأن قيام هذا البنك بهذا الدور في ظل سلطات الاحتلال الذي سبق إعلان دولة ألمانيا الاتحادية في‏1949‏ فقد كان من الطبيعي أن يصبح البنك المركزي الألماني البوندزبنك مستقلا عن الحكومة الألمانية التي لم تكن قد تأسست بعد فالبوندزبنك يجد جذوره التاريخية قبل وجود الحكومة الألمانية نفسها‏,‏ وهكذا تقرر الاستقلال التام للبنك المركزي الألماني إزاء الحكومة نتيجة مصادفة تاريخية استثنائية‏,‏ وهي عدم وجود حكومة ألمانية عند قيام البنك‏.‏
لا يتوقف الأمر علي هذه الملابسات التاريخية‏,‏ بل الأكثر أهمية هو أن هذا البنك المركزي الألماني البوندزبنك نجح نجاحا منقطع النظير في حماية استقرار المارك الألماني مما ساعد علي تحقيق الازدهار الاقتصادي منذ نهاية الحرب‏,‏ وحتي إنشاء منطقة اليورو‏,‏ وفي ظل هذه التجربة التاريخية الباهرة ونجاحها من ناحية‏,‏ مع أهمية الاقتصاد الألماني في الإطار الأوروبي وإصرار الحكومة الألمانية علي الأخذ بالنموذج الألماني من ناحية أخري‏,‏ فقد كان من الطبيعي أن يقوم نظام البنك المركزي الأوروبي علي نمط البوندز بنك علي أساس الاستقلال التام إزاء الحكومة‏,‏ وأن تكون مهمته الوحيدة هي حماية قيمة العملة‏.‏
وفي ضوء هذه التقاليد النقدية الراسخة في الذهن الألماني لم يكن غريبا أن تظهر علي السطح بعض الانتقادات خاصة في الأوساط الألمانية لموقف البنك المركزي الأوروبي‏,‏ عندما سهل البنك في ظل رئاسة تريشيه عمليات الحكومات في إصدار السندات مع الاكتتاب فيها لمساعدتها في معالجتها لتداعيات الأزمة المالية‏,‏ ولم يكن غريبا أن تكون أكثر الانتقادات هي تلك الصادرة من البوندزبنك نفسه‏,‏ فمازالت التقاليد القديمة راسخة في العقل الألماني‏,‏ ومع ذلك‏,‏ فإن موقف تريشيه لا يخلو من منطق قوي‏,‏ فإذا كان البنك المركزي الأوروبي مسئولا بالدرجة الأولي عن حماية اليورو‏,‏ فإن أول الواجبات هو الحفاظ علي نظام نقدي ومالي سليم‏.‏
ولا يخفي أن الأزمة المالية الأخيرة بدأت تثير مطالبات متعددة بإعادة النظر في دور البنوك المركزية‏,‏ خاصة بعد بروز أهمية وخطورة الاستقرار المالي‏,‏ وتأثيراته علي المستوي الاقتصادي العالمي‏,‏ ولذلك فإن مجموعة العشرين‏G-20‏ جعلت من الاستقرار المالي أحدي أهم السياسات النقدية والمالية للدول في الوقت الحاضر‏.‏
ولعلي أشير بهذه المناسبة إلي أنني شاركت خلال مأدبة غداء مع بعض محافظي البنوك المركزية‏,‏ وغيرهم من المسئولين وتناول الحديث مسئولية البنوك المركزية إزاء الضغوط السياسية من الحكومات‏,‏ وأثير في هذا السياق حادثة محافظ البنك المركزي الارجنتيني الذي فقد وظيفته لأنه عارض رئيسة الجمهورية‏,‏ وأبدي رأيه كمحافظ للبنك المركزي مخالفا لما تراه الرئيسة‏,‏ وهكذا بدأ التساؤل هل يجوز أن يختلف المحافظ مع حكومته؟ وكان الرأي الغالب بين الحاضرين هو أنه من غير المقبول أن يعترض المحافظ علي رأي الحكومة‏,‏ فما بالك برئاسة الدولة‏!‏ وقد أبديت اختلافي حول هذه النتيجة‏,‏ وأن علي المحافظ أن يبدي رأيه بصراحة ووضوح‏,‏ حتي وإن خالف في ذلك رأي الحكومة‏,‏ لأنه بغير ذلك يكون قد أخل بواجب إبداء النصيحة السليمة لرجال الحكم والسياسة‏,‏ وبطبيعة الأحوال‏,‏ فليس معني ذلك تجاهل الاعتبارات السياسية‏,‏ بل عليه ان يأخذها في الاعتبار‏,‏ وإنما في إطار مسئولياته كمحافظ للبنك المركزي‏,‏ فالمسئولية بطبيعتها شاملة‏,‏ وغير جزئية‏,‏ فهو في تقديره للاعتبارات السياسية ينبغي أن ينسي دوره كمحافظ للبنك المركزي‏,‏ وأنه مسئول بالدرجة الأولي عن الاستقرار النقدي‏,‏ فالمرونة المطلوبة لا تعني تجاهل دوره في إطار وظيفته‏,‏ بل عليه أن يكون صادقا ومستقلا‏,‏ وليس مرددا لما يقوله السياسيون‏,‏ ويبدو أن آرائي لم تجد قبولا من معظم الحاضرين‏,‏ وهم جميعا أصحاب خبرة ووصلوا إلي أعلي المناصب‏,‏ وربما هذا هو السبب والله أعلم‏.‏
المزيد من مقالات د‏.‏حازم الببلاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.