تموين الجيزة توضح أسعار السكر والزيت، وتحذر: السجن المشدد للمخالف    «مياه المنوفية»: تنفيذ خطة تطهير شبكات الصرف الصحي في مناطق المحافظة    روسيا تعلن إجراء عملية تبادل للأسرى مع أوكرانيا    بلماضي يكشف حقيقة مفاوضاته مع منتخب تونس    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية في القليوبية    الشركة المتحدة تنعى والدة وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني    3 مشاهد من حفل زفاف ياسمين رئيس داخل القلعة (صور)    طريقة عمل مشروب الأوريو بالأيس كريم، سهلة وبسيطة وغير مكلفة    فرنسا تشهد أسبوع حافلا بالمظاهرات احتجاجا على القصف الإسرائيلى    أرمنيوس المنياوي يكتب : دوافع بناء الجمهورية الجديدة .    بعد اكتمال منشآته.. افتتاح سيتي كلوب الشروق غداً    بعثة المواي تاي تغادر إلى اليونان للمشاركة فى بطولة العالم للكبار    وزيرة التضامن تشهد انطلاق أسبوع التنمية المستدامة في نسخته العاشرة    فتح باب التظلمات على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة إلكترونيا يوم الأحد    حريق يلتهم محل صيانة غسالات بالعمرانية (صور)    وزير الإسكان يُصدر قراراً بإزالة مخالفات بناء بالساحل الشمالي    مصلحة الضرائب تكرم 80 من الأمهات المثاليات    وفاة والدة المطرب محمود الليثي    أزهري يوضح الشروط الواجب توافرها في الأضحية (فيديو)    الأونروا: التضييق على الوكالة ومنع تنفيذ برامجها الإغاثية يعني الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    في اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين.. احذر التبغ يقتل 8 ملايين شخص سنويا    اعرف حظك وتوقعات الأبراج السبت 1-6-2024، أبراج الحوت والدلو والجدي    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى قصة القديس بوتامون المعترف    رئيس جامعة قناة السويس يُتابع أعمال تطوير المسجد وملاعب كرة القدم    لا تسقط بحال من الأحوال.. مدير عام وعظ القاهرة يوضح حالات الجمع بين الصلوات    متاحة الآن.. رابط مباشر ل نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة القاهرة الترم التاني    «البيطريين»: مجلس النقابة يقرر تفعيل هيئة التأديب بعضوية «عفيفي» و«سلام» (تفاصيل)    محمد نوار: الإذاعة أسرع وأرخص وسيلة إعلام في العالم.. والطلب عليها يتزايد    مركز الأزهر العالمي للفتوى: 3 أعمال مستحبة يوم الجمعة    الاعتماد والرقابة الصحية: برنامج تدريب المراجعين يحصل على الاعتماد الدولي    عمر كمال: "لا استوعب ارتدائي قميص الأهلي بعدما كنت أشجعه من خلف الشاشات"    الناتو: سنقوم بدور أكبر في دعم وتدريب القوات الأوكرانية    وزراء خارجية الناتو يناقشون خطة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 100 مليار يورو    عمرو الفقى عن تعاون المتحدة مع مخرجي "رفعت عيني للسما": فخور بهذا الإنجاز    التعليم العالي: معهد إعداد القادة يعقد البرنامج التدريبي لإعداد قادة التنمية المُستدامة    محافظ أسوان يتابع تسليم 30 منزلا بقرية الفؤادية بكوم أمبو بعد إعادة تأهيلهم    انطلاق ماراثون امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية بالشرقية غدًا    وجبة غداء تهدد حياة 8 أشخاص في كرداسة    هل يستمر رغيف الخبز المدعم بنفس الحصة اليومية والوزن؟    محمد شحاتة: "كنت أكل مع العساكر في طلائع الجيش.. وأبي بكى عند توقيعي للزمالك"    وزارة الصحة تستقبل سفير كوبا لدى مصر لتعزيز التعاون في المجال الصحي    شروط وضوابط حج الأبناء عن الوالدين بسبب حالتهم الصحية    «حق الله في المال».. موضوع خطبة الجمعة اليوم في مساجد مصر    ترقب في الأهلي لوصول عرض أوروبي رسمي لضم محمد عبد المنعم    طقس الجمعة: بداية موجة شديدة الحرارة.. وعظمى القاهرة 34 درجة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    لهذا السبب... تامر عبد المنعم يتصدر تريند جوجل    كيفية الحفاظ على صحة العين أثناء موجة الحر    من بكين.. رسائل السيسي لكبرى الشركات الصينية    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 31-5-2024    تباين أسعار الذهب الجمعة 31 مايو 2024    الأعمال المكروهة والمستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة    عمر خيرت يهدي محبيه حفلاً موسيقياً مجانياً احتفالاً بمرور 40 عاماً على مسيرته    خالد أبو بكر يقاطع وزير التعليم: بلاش عصا إلكترونية باللجان.. هتقلق الطلاب    حملة بايدن: ترامب ظن خطأ أنه فوق القانون    الكومي يعلن مفاجأة بشأن قضية الشيبي وحسين الشحات    أبرز أبواق الشائعات والأكاذيب الغربية.. «CNN» تسقط في بحر «التخاريف»    محمد شحاتة: نستطيع تحقيق ميدالية أولمبية وعبد الله السعيد قدوتى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د‏.‏ أحمد عكاشة و جائزة مبارك

ماأشبه الليلة بالبارحة‏,‏ فمنذ عامين ذهبت إلي أستاذي د‏.‏ أحمد عكاشة لكي أهنئه بحصوله علي جائزة الدولة التقديرية‏,‏ وفي رأيي ورأي الكثيرين من تلاميذه‏,‏ ومريديه أن هذه الجائزة قد تأخرت كثيرا في طريقها إليه‏,‏ وسألته‏:‏ هل كنت تشعر بالمرارة بسبب هذا التأخير‏,‏ فالجائزة تأتي إليك بعد أكثر من خمسين عاما من تخرجك؟
فيبتسم ويقول‏:‏ لقد سبق تكريمي من قبل علي المستوي العالمي عندما تم انتخابي بواسطة أساتذة الطب النفسي في العالم في الجمعية العالمية للطب النفسي لكي أكون أول رئيس مصري وعربي وإفريقي لها بعد أن كان يرأسها إما أوروبي أو أمريكي‏,‏ وكان هذا تتويجا لمشواري العلمي والمهني والأكاديمي علي مدي أكثر من خمسين عاما‏,‏ ولكن عندما يكون التكريم من الوطن يكون الطعم والمذاق مختلفا‏,‏ وأحيانا يحزنني أن أكثر كتبي وأبحاثي التي يقرأونها ويدرسونها في كثير من البلدان الأوروبية والأمريكية لاتقرأ في مصر‏,‏ وعندما يتم منح هذه الجائزة لأول مرة لطبيب نفسي فهذا تقدير أعتز به كثيرا من اللجنة التي منحتني تلك الجائزة‏.‏
كان من الصعب علينا ونحن طلبة في السنة الثانية في كلية طب عين شمس أن نذهب متأخرين إلي محاضرة الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة‏,‏ وذلك لأننا لن نجد مكانا نجلس فيه من كثرة الزحام‏,‏ فقد كان يدرس لنا علم النفس‏(‏ سيكولوجي‏),‏ وكان ممتعا متدفقا في محاضراته‏,‏ صاحب كاريزما وطلة وعلم‏,‏ مما جعل أكثرنا في هذه السن يفكر في أن يتخصص في الطب النفسي‏,‏ وانتشر تدخين البايب بين الطلبة آنذاك لأن الدكتور عكاشة كان يدخن البايب بشياكة مثل لورد انجليزي‏,‏ والحمد لله أنه توقف عن التدخين‏,‏ والحقيقة أنه لم تكن تجمعني به لقاءات مباشرة إلا في المناسبات والمؤتمرات‏,‏ ولكني ظللت أحمل في داخلي الكثير من المودة والاحترام والاعتراف بالجميل لهذا العالم الجليل‏.‏
وتكررت نفس المرارة التي شعرت بها في داخلي عندما تم الإعلان عن جوائز الدولة في مجال الطب والعلوم من أكاديمية البحث العلمي‏,‏ ومر الخبر بهدوء علي معظم وسائل الإعلام التي أعلنت الخبر علي استحياء‏,‏ والبعض بدون صور للفائزين‏,‏ وبعدها بيومين أعلنت جوائز الدولة في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية فشغلت مساحات كبيرة بالصور والتفاصيل في الصفحات الأولي وفي كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية‏,‏ وعلي الرغم من فرحتي بالفائزين فيها الذين أحمل لهم كل الحب‏,‏ إلا إنني عاتب علي نظرة الإعلام والمجتمع للعلم والعلماء‏,‏ فأخبار لاعبي الكرة والفنانات والفنانين تشغل الصفحات الأولي من الجرائد‏,‏ وفي مقدمة نشرات الأخبار‏,‏ ولكن العلماء يبقون في المؤخرة‏,‏ فيما عدا بعض البرامج والمحطات الفضائية القليلة‏.‏ نحن في حاجة إلي تغيير نظرة واهتمام وسائل الإعلام والأجهزة الرسمية لقيمة العلم‏,‏ وفي حاجة ملحة للتغيير من أجل تسليط الضوء علي القدوة من هؤلاء العلماء لكي ننهض ببلدنا من الكبوة العلمية التي نمر بها‏.‏
ولعل من المناسب أن نقول للشباب الذي يمكن أن يري في د‏.‏ أحمد عكاشة قدوة يريد أن يقتفي أثرها ويسير علي دربها‏,‏ ولأسرهم أيضا كيف نشأ هذا العالم الكبير‏,‏ وكيف كان تأثير أسرته عليه كما روي لي في تلك الجلسة‏:‏ أعتبر نفسي محظوظا لأنني نشأت في جو أسري له نسيج اجتماعي متميز‏,‏ وكانت أمي من عائلة معظمها من السياسيين البارزين مثل أحمد وعلي ماهر باشا ابني خالتها وغيرهما‏,‏ وكانت قارئة نهمة ومثقفة عظيمة‏,‏ ولقد كانت ترسلني لاستعارة الكتب من مكتبة في العباسية حيث كنا نسكن‏,‏ وكنا نقرأها سويا ونتناقش فيها‏,‏ وكان بيتنا عبارة عن صالون ثقافي يرتاده كبار رجال السياسة والأدب والثقافة آنذاك‏,‏ وكانت أمي تدخل في مباريات ومبارزات شعرية معهم وتفوز فيها‏,‏ وأنا جالس وسطهم كطفل في حالة من الانبهار‏,‏ علي الرغم من أنني لم أكن أفهم نصف مايقال‏,‏ أما والدي فقد كان لواء بالجيش‏,‏ وعلي الرغم من صرامته العسكرية إلا أنه كان مفرطا في حنانه معنا‏,‏ وكان من حظي أن شقيقي الأكبر د‏.‏ ثروت عكاشة كان يكبرني بخمسة عشر عاما‏,‏ فتعلمت منه الكثير‏,‏ وكان الكاتب الكبير أحمد أبو الفتح رئيس تحرير جريدة المصري زوجا لأختي‏,‏ وكان يتلقي دعوات كثيرة لحفلات الأوبرا وأم كلثوم والباليه‏,‏ ولم يكن يترك الجريدة يوميا إلا عند الفجر‏,‏ فكنت أذهب إلي هذه الحفلات مع شقيقتي بدلا منه‏,‏ فأعطاني ذلك بعدا ثقافيا وفنيا كبيرا‏,‏و كان عبدالناصر زميلا وصديقا لأخي ثروت‏,‏ وكانوا جميعا يأتون لزيارتنا في المنزل قبل الثورة‏,‏ وكنت أجلس معهم وأنا صغير‏,‏ وكان ناصر يمتلك لماحية واضحة‏,‏ وروح دعابة عالية‏,‏ وكان يملك كاريزما غريبة تجعلك تنجذب إليه وتحبه‏,‏ وكان يملك نظرة عميقة‏,‏ وابتسامة هادئة وواثقة‏,‏ وبمناسبة الحديث عن عبدالناصر أتذكر عندما كنت في البعثة في انجلترا‏,‏ وكان أخي د‏.‏ ثروت وزيرا للثقافة آنذاك‏,‏ فوجئت به يأتي ليزورني دون علم السفارة المصرية‏,‏ وفاجأني بقوله‏:‏ الرئيس عبدالناصر عاوزك تنهي بعثتك فورا وتعود إلي مصر‏!‏ وصعقت وسألته‏:‏ لماذا؟ فأجاب لقد وصلت إليه أخبار بأنك تمد أحمد أبوالفتح بنكات وموضوعات ضد الثورة لكي ينشر كتابا يهاجمه فيها‏,‏ وأنه مقابل ذلك قد أعطاك سيارة بويك فخمة ونقودا كثيرة‏,‏ واندهشت مما قاله أخي واصطحبته لكي يري سيارتي الأوستين الصغيرة التي اشتريتها بثلاثمائة جنيه بالتقسيط عشرة جنيهات شهريا‏,‏ وكان مدير المستشفي هو الضامن‏,‏ وأطلعته علي الإيصالات التي أخذها وأطلع عبدالناصر عليها‏,‏ فأدرك أنها وشاية واقتنع ببراءتي من هذه التهمة وقال له‏:‏ اتركه يكمل دراسته‏.‏
ويسترسل د‏.‏ عكاشة في سرد ذكرياته ومشواره الذي أوصله إلي الفوز بأعلي جائزة يمكن أن يحصل عليها مصري ويقول‏:‏ عندما تخرجت في الكلية عام‏1957‏ اردت أن أتخصص في الطب النفسي وليس الأمراض العصبية‏,‏ ولم يكن هناك قسم للطب النفسي‏,‏ فسافرت للحصول علي الزمالة من انجلترا بعد ثلاث سنوات فقط من العدوان الثلاثي‏,‏ حيث كانت العلاقات في ذلك الوقت فاترة‏,‏ وتعلمت الكثير من أساتذتي هنا وهناك‏,‏ فأستاذي الدكتور نبيل المهيري تنازل عن واحدة من نيابات الباطنة من أجل أن أحصل علي نيابة في قسم الأمراض العصبية لكي أحقق حلمي في دراسة الطب النفسي‏,‏ وهناك تعلمت من أستاذي سير أوبيلوز الكثير‏,‏ فقد كان يأتي إلي المستشفي راكبا دراجة‏,‏ وكان يسير وراءه سائقه بسيارته الرولزرويس في حالة حدوث أي ظرف طاريء لكي يستطيع ممارسة الرياضة‏,‏ وعندما سألته عما يجب أن أقرأه أعطاني اسم كتابين هما‏:‏ القلعة‏,‏ والمحاكمة‏,‏ للكاتب كافكا‏,‏ وعندما وجدت أنها عبارة عن قصتين اعتقدت أنه يسخر مني وقلت له ذلك‏,‏ ولكنه أصر علي رأيه‏,‏ وبعد أن قرأتهما عدت إليه وسألني‏:‏ ماذا فهمت مما قرأت ؟ فقلت له‏:‏ ماقرأته مجرد خيال وجمل غير مترابطة يستطيع أي إنسان أن يضفي عليها من خياله تماما مثل الرسم التجريدي الذي يراه كل إنسان حسب مابداخله ومافي عقله‏,‏ فقال‏:‏ ممتاز هذا بالضبط هو نموذج تفكير الشخص المصاب بالفصام‏,‏ والآن يمكن أن أدلك علي الكتب العلمية بعد هذا المدخل‏,‏ ولكن عليك أن تقرأ روايات‏:‏ ماكبث‏,‏ وعطيل‏,‏ وهاملت وغيرها وتحلل الشخصيات بداخلها وتشخص أمراضها‏,‏ ومن خلال ماتعلمته من هذا الأستاذ أيقنت أن الطب النفسي ينبغي أن يدرس من خلال الفن والأدب والثقافة والدين‏,‏ وليس العلم وحده‏,‏ فالطبيب النفسي الذي يعتمد علي كتب الطب النفسي فقط لايمكن أن يكون نابغا في تخصصه‏,‏ ومستحيل أن يصل إلي نجاح علي المستوي العالمي والدولي‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات عبد الهادى مصباح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.