لا سلام ولا وداع فأنت في أمريكا..! الأحد7 ديسمبر الخامسة مساء: جاءت لحظة تحرك الباخرة من ميناء سان بيدور أكبر موانيء ولاية كاليفورنيا وهو ميناء لاستقبال سفن البضائع والشحن منها وبواخر الركاب. وقد ظهرت أمامنا آلاف الحاويات التي تتم فيها تعبئة البضاعة المصدرة أو الواردة من قبل المصدرين والمستوردين. وبالتالي لم يعد أحد يعرف ماهي السلعة المصدرة أو الواردة فكلها في حاويات مغلقة ترفعها وتتحرك بها الأوناش. وقد بدأ استخدام هذه الحاويات في مصر وان استمر برغم ذلك إستخدام سيارات النقل المكشوفة التي يتطاير منها بعض ماتحمله ملوثة الطريق والجو الي جانب الفاقد منها خلال الرحلة. كان هناك عديد الأرصفة وعشرات الأوناش وسفن البضاعة التي يختلف شكلها عن السفن الأخري التي لكل منها شكل مختلف, فهناك ناقلات البترول التي تطورت أحجامها من20 ألف طن الي نحو نصف مليون طن, وناقلات الغاز الطبيعي وهي عبارة عن خزانات باردة تنخفض درجة البرودة فيها الي162 درجة تحت الصفر وذلك حتي يتم الاحتفاظ فيها بالغاز الطبيعي في حالة سيولة, وهناك غير ذلك سفن صيد السمك وسفن صيد اللؤلؤ في بعض المياه مثل مياه الخليج العربي وسفن الأبحاث وبواخر الركاب والعبارات بين ميناءين واليخوت المختلفة. في الساعة الرابعة والربع قبل تحرك الباخرة أعلنت ميكروفونات الباخرة التي يسمع صوتها في جميع الأدوار ومن خلال التليفزيونات في الغرف عن بدء اختبار الخطر حيث يتعين علي كل راكب ارتداء قميص النجاة الأصفر الموجود في دولاب الغرفة والاتجاه الي الدور السادس وهو الدور الذي توجد معلقة فيه قوارب النجاة ويحمل كل قارب رقما. ويتم في البطاقة التي تصرف للراكب في بداية الرحلة تحديد رقم القارب(tender) المخصص لكل راكب والمفروض في حالة اذا تعرضت الباخرة للغرق لا قدر الله أو لأي سبب يستدعي إخلاؤها من الركاب أن يذهب الركاب في نظام كل الي القارب المخصص له لأن معظم حالات الوفيات والغرق تحدث نتيجة حالة الذعر والفوضي في هذه اللحظات. لكن أجمل مافي لحظات اختبار الخطر رؤية الركاب لبعضهم لأول مرة وانطباع الوجوه في الذاكرة.. وقد كان اللافت وجود عدد غير قليل من الذين يتحركون علي عجلات كبار السن وفيما بعد تعرفت علي راكبة كانت هذه هي الرحلة ال122 لها في الباخرة وقد بدأت رحلاتها منذ8 سنوات وبالطبع فإنها أصبحت تحصل علي تخفيضات تصل الي أكثر من50 في المئة مما يشجعها أكثر وأكثر علي متابعة الرحلات! إنتهي اختبار الخطر وعدنا الي غرفنا لخلع الجاكتات الصفراء لتنطلق صفارات الباخرة المميزة معلنة عن تحركها, وفي دقائق كان المتخصصون في ربط الباخرة الي الميناء قد قاموا بفك الحبال السميكة التي ربطوها وتحركت الباخرة بالعرض علي شكل إنسحاب للجسم كله من أمام الميناء الذي كانت ترسو إليه, وبعد أن بدا أنها ابتعدت عن الرصيف بدأت تتحرك الي الأمام. كان معظم الركاب خاصة الذين وصلوا حديثا وركبوا الباخرة من سان بيدور قد صعدوا الي ظهر الباخرة ووقفنا نطل علي الشاطيء وأنوار كاليفورنيا وهي تبتعد عنا أو بالأصح ونحن نبتعد عنها حتي غابت تماما بعد أقل من نصف ساعة وبدا أن المحيط قد ابتلعنا في ظلامه وأصبحنا لعبة صغيرة فوق سطحه. وعلي عكس ماكنا نراه عادة في الموانئ الأخري عندما يخرج لوداعنا عند تحرك الباخرة عدد من المواطنين وفرقة موسيقية يقف أفرادها علي الرصيف تعزف الموسيقي التي تودع بها الباخرة في الوقت الذي يلوح المواطنون لنا ونلوح لهم مودعين. علي عكس هذه المراسم التقليدية فقد بدأت الباخرة الرحلة بدون سلام ولا موسيقي ولا مودعين يلوحون لنا, ربما لطبيعة الميناء الجافة التي تجعله ميناء بضاعة أكثر, أو لبعده عن المدينة أو لأن الحياة العملية في أمريكا لا وقت لديها لتضييعه في تلك المراسم خاصة وان هناك أكثر من باخرة ركاب تغادر الميناء كل يوم! ولعلها فرصة أن ألقي الضوء علي رحلات بواخر الركاب الكبيرة والتي تختلف عن رحلات العبارات التي تعمل بين ميناءين( إبحار ووصول). فالأولي تمر علي عدد كبير من الموانئ وبعض البواخر مثل التي نركبها تقوم برحلة حول العالم تقطعها في108 أيام إلا إنها موزعة علي15 رحلةSegment)) وكل رحلة بدورها تزور وتتوقف أمام أربع أو خمس دول. وفي مشوارنا من لوس أنجلوس ونهاية الرحلة في بوينس أيرس عاصمة الأرجنتين أمضينا رحلتين إستغرقت الأولي15 يوما( من7 الي22 ديسمبر) والثانية18 يوما, وقد أكتفي بعضنا لطول المدة بالرحلة الأولي التي إنتهت في شيلي, وبقي ثمانية من المجموعة( أربعة أزواج) أكملنا الرحلة إلي آخر العالم في القطب الجنوبي ومنها الي الأرجنتين. [email protected]