كتب: سمير الشحات روي الأندلسي في كتابه الكبير, المكتظ بالمواعظ والأساطير, أن المحتشد ابن المفترية, كانت له في داره البحرية, غرفة سحرية, في بقعة مخفية, غطي جدرانها بالمرايا, التي تكشف كل الزوايا, وتظهر البواطن والخفايا, وتخبر كل من نظر فيها, عما ارتكبه من أخطاء وخطايا. وكان المحتشد ابن أم الهنا, لا يفتح غرفته المحزنة, إلا في ليلة رأس السنة, وكان يقول لكل إنسان: هذه ليلة التطهر من الأحزان, فكان يدعو أصدقاءه, ويولم أحباءه, فيقدم لهم لحم طير مما يشتهون, فيأكلون بجنون, ويلحسون الصحون, وكنت تراهم بعد جلسة الالتهام, وكروشهم الي الأمام, سكرانين حتي الثمالة, غارقة أذقانهم وصدورهم في الريالة... فإذا نظرت ساعتها للعيون, فستري الجشع علي كل شكل ولون, ذلك أن هؤلاء الصحاب, كانوا من فصيلة الذئاب, تجار العذاب, مدمني الخراب, آكلي أموال الضائعين, مصاصي دماء المساكين, وكم تلاعبوا بصحيح الدين, واستوردوا من الأسواق الخارجية, كل شيء منتهي الصلاحية, واستولوا علي الأراضي الحكومية, من القاهرة حتي اسكندرية. .. ثم بعد نفاد الطعام, وانتهاء سباق الالتهام, كان المحتشد يأمرهم فيسجدون, وفي نفس واحد يبكون, ويصوتون ويولولون, ثم يحدثهم بصوت هامس, بخلع جميع الملابس, فتتجلي عندئذ عوراتهم, ويصبحون كيوم ولدتهم أمهاتهم. وفجأة.. تدق الطبول, فيبدأ كل منهم كالمخبول, في أداء رقصة المغول, بالسكاكين والمطاوي والسيوف, والضرب علي الدفوف, وهز الأرداف والأكتاف, والأذرع والكفوف, ويروحون في غيبوبة, وينشدون في شجون: توبة يارب توبة! فإذا أوشك الليل علي الانتهاء, والعام القديم علي الانقضاء, يطلق المحتشد الصرخات, فتتوقف كل الحركات, ثم يأمر بإدخال المرايات, الواضحات الفاضحات, العاكسات الكاشفات, لتبدأ لعبة البوح الجهنمية, بالأسرار العميقة الجوانية, ويتحدث كل مأفون, عن مخبوء نفسه المدفون, من الأسرار والفضائح, وعن ضحاياه والذبائح, وعن الحلال والحرام, ومكذوب الكلام, وعن ليالي العشق والمجون, وكم مرة خان وسوف يخون. .. إلي أن ينبلج الصباح, ويتوقف النواح, ويسكت المفضوحون عن الكلام المباح, ويكف الديك عن الصياح, هنالك يشير لهم المحتشد فيخرجون بطيئي الخطوات مثقلي الجفون, ويتسلل كل حشاش منهم من الباب الحديد.. في انتظار عام آخر جديد.